أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فاطمة ناعوت - أطرق باب بيت ... لا يعرف الحزن














المزيد.....

أطرق باب بيت ... لا يعرف الحزن


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 6466 - 2020 / 1 / 16 - 17:04
المحور: الادب والفن
    


أطرقُ باب بيتٍ لا يعرفُ الحَزَن


هناك أسطورةٌ صينيةٌ تحكي عن سـيدة كانت تعيش راضيةً قانعةً مع ابنها الوحيد الذي هو قُرّه عين لها ولوحدتِها التي حلّت ببيتها بعدما فقدت الرجل والأهل والسند. وفي يومٍ حزين، جاء الموتُ واختطف روح ابنها دون مقدّمات. رفضتِ الأمُّ تصديق موت وحيدها، ولا سلّمت بأن الموتَ فعلٌ جازمٌ غيرُ قابل للاستئناف أو النقض. ذهبت إلى حكيم القرية وبكت بين يديه ثم طلبت منه أن يدلّها على وصفة سحرية تُعيد ابنها إلي الحياة. وتعهدت بأن تصنعها مهما بلغت صعوبتُها.
أشفق الشيخُ الحكيم على المرأة الثكلى ورقّ قلبُه لحالها. اعتدل في جلسته وأخذ شهيقًا عميقًا، ثم شرد بذهنه بعيدًا، وقال: "حسنًا يا ابنتي. أحضري لي حبّة خردل واحدة. بشرط أن تأتي بها من بيت لم يعرف الحَزَن مطلقًا.”
انتعش قلبُ المرأة برذاذ الأمل والرجاء الوشيك في استعادة نجلها الراحل. فبدأت من فورها تدور على بيوت القرية بيتًا في إثر بيت، وتطرق بابًا من بعد باب، سائلةً عن طريدتها التي طلبها الحكيم الطيب: "حبّة خردل واحدة، من بيت لم يعرف الحزن أبدًا.”
طرقت السيدةُ أحدَ الأبواب. ففتحت لها امرأةٌ شابة، سألتها السيدةُ: "هل عرف هذا البيت حزنا من قبل؟" ابتسمت الشابّةُ في مرارة، وأجابت: “وهل عرف بيتي هذا إلا كل حزن؟" ثم راحت تحكي للمرأة الثكلى أن زوجها مات منذ عام، تاركًا لها أربعة من الأطفال الصغار. لا تعرف كيف تُطعمهم إلا ببيع أثاث الدار الذي لم يتبقَ منه إلا أقلُّ القليل.
فاض الدمعُ من عيني السيدة الثكلى، وراحت تواسي صاحبتها الأرمل أمّ اليتامى. ومع نهاية الزيارة؛ صارتا صديقتين، ولم تفترقا إلا وقد تواعدتا على تكرار اللقاء. قالت الشابة لرفيقتها الحزينة، سأنتظرك، فقد مرّ زمنٌ لم أفتح فيه بابَ بيتي لزائر ولا قلبي لإنسان أبثّه شكواي.
قبيل الغروب، طرقت المرأة الثكلى بابًا جديدًا، ففتحت لها سيدةٌ على وجهها سيماءُ التعب. سألتها إن كان هذا البيتُ لم يعرف الحزن. ملأها الإحباطُ حين علمت من سيدة الدار أن زوجها طريحُ الفراش وليس في البيت طعام لصغارها. قررت المرأةُ الثكلى أن تساعد هذه السيدة الفقيرة. فذهبت إلي السوق واشترت بكل ما معها من مال طعامًا وبقولا ودقيقًا وزيتًا وسكرًا، ثم عادت إلى دار رفيقتها، وساعدتها في طهو وجبة ساخنة، واشتركتا معًا في إطعام الصغار. ثم ودّعتها على وعدٍ بزيارتها في مساء اليوم التالي.
حينما أشرق الصبحُ، جالت المرأة بين أرجاء البلدة، لم تترك بابًا إلا طرقته، ولا بيتًا من بيوت الجوار إلا وددخلته لتسأل أهله إن كان بيتهم لم يعرف الحزن، حتى يأتي السؤال الآخر الذي لم يأت أبدًا: "حبة خردل واحدة"، فقط إن كانت الدار نقيّة بريئة من الفجيعة والدموع. من باب إلى باب أخبرتها الدورُ والأبوابُ أن رجاءها صعبٌ عسير يسكن قرّة المستحيل.
خرجت من كل بيتٍ صفرَ اليدين مما جاءت من أجله، وملأت جرّة ذاكرتها بقصص كثيرة وحواديت ملؤها الحزن والشقاء والموت والقنوط، لكنها حصدت مع القنوط عددًا هائلا من الأصدقاء الذين جعلت مشروع حياتها القادم مساعدتهم وحل مشاكلهم والتخفيف من أحزانهم.
ومرّت الأيام والسيدة لا توقفُ عطاءها وبذلها لفقراء قريتها وحزانى الجوار، حتى صارت صديقة لكل بيت من بيوت القرية. ويومًا بعد يوم، بدأت تنسى طريدتها التي ستُرجع لها ابنها الراحل. نسيت حبّة الخردل من بيت لا يعرف الحزن، لأنها أدركت أن ثمة حزنًا يسكن كل قلب. وحين ذابت في أحزان الناس بدأ حزنُها الشخصي يخفت مع الوقت، وأدركت حكمة حكيم القرية، وعبقرية وصفته السحرية. “الخروج من ال أنا"، نحو "ال هو وال نحن الجمعية". تلك هي حبّة الخردل التي تجعل أحزاننا تذوب مع أحزان الآخرين.
لا أدري لماذا أتذكر تلك القصة الجميلة كلّما طرقتُ بابًا أعرفُ أن وراءه أمًّا ثكلى فقدت شهيدًا من شهدائنا في حربنا الصعبة مع الإرهاب. اللهم نقّ واقعنا من أعداء الحياة خصوم الفرح وكلاء الموت على الأرض.



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لا أملكُ إلا ابتسامتي!
- على عتبة الطفل الصامتٍ
- قُبلةُ حبيبي … بألفِ عام
- جيشُ مصر العظيم ... هو جيش العرب
- 100 مليون مقاتل مصري ... في وجه الغزو العثماني
- ميري كريسماس … بأمرِ الحُبِّ وحِمى القانون
- 51 بحبّه!
- العشبُ الداعشيُّ … والأراضي البور
- الجميلةُ ... المَنسيّة!
- الغرابُ الجميلُ … المجنيُّ عليه!
- مصرُ الطريق … في باريس
- موتُ الكاتب …. وازدراءُ الأديان
- فتحي فوزي مرقس … طبيبٌ برتبة فارس
- لفرط حضورك … لا أراك!
- حين حاورتني الصغيرةُ آنجلينا
- الإنسانُ … مفتاحُ السرّ في دولة الإمارات
- هل طفلُك أحمق؟ هل طفلتُك غبية؟
- أولئك كانوا صخرتي … في محنتي
- -وسام زايد- على صدر كل مصريّ
- نبالٌ في يد البرلمان … لقنص العقول!


المزيد.....




- “أقوى أفلام هوليوود” استقبل الآن تردد قناة mbc2 المجاني على ...
- افتتاح أنشطة عام -ستراسبورغ عاصمة عالمية للكتاب-
- بايدن: العالم سيفقد قائده إذا غادرت الولايات المتحدة المسرح ...
- سامسونج تقدّم معرض -التوازن المستحدث- ضمن فعاليات أسبوع ميلا ...
- جعجع يتحدث عن اللاجئين السوريين و-مسرحية وحدة الساحات-
- “العيال هتطير من الفرحة” .. تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- مسابقة جديدة للسينما التجريبية بمهرجان كان في دورته الـ77
- المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي: إسرائيل تعامل الفنانين كإرهاب ...
- نيويورك: الممثل الأمريكي أليك بالدوين يضرب الهاتف من يد ناشط ...
- تواصل فعاليات مهرجان بريكس للأفلام


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فاطمة ناعوت - أطرق باب بيت ... لا يعرف الحزن