أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فاطمة ناعوت - الجميلةُ ... المَنسيّة!














المزيد.....

الجميلةُ ... المَنسيّة!


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 6447 - 2019 / 12 / 26 - 13:13
المحور: الادب والفن
    



كالعادة، مرَ عيدُ ميلادِها دون أن يتذكّرَها أحدٌ ودون أن تُوقدَ لها شمعةٌ! الجميلةُ الساحرةُ الآسرةُ التي لا أحدَ يُحبُّها. من فرط جمالها، يكرهها العشّاق! ثمّة درجاتٌ من الجمال تجعلُ الناسَ يهابون ويهربون. درجاتُ الجمال العُليا تٌخيفُ فيؤثرُ الناسُ الفرار، ثم يتخفّون خلف الأشجار يرشقون الجميلةَ بالحجارة، ويشدّون الأقواس لتنطلقَ السهامُ تخترقُ قلبها.
18 ديسمبر 1973 هو يومُ الاحتفال بها. ليس يومَ ميلادها بالطبع، فقد وُلدتِ الجميلةُ قبل الأزمان. ولكنه اليومُ الذي انتبه فيه العالمُ بأسره إلى سحرها وذكائها وغنجِها وألغاز أسرارها وسعة ثقافتِها وشساعة موسوعيتها، فاعترف بها الدبلوماسيون لتكونَ إحدى فاتنات العالم الست، المعتمدة رسميًّا في الأمم المتحدة. أظنُّ أن القارئ الكريم قد خمَّن عمّن أتكلم. إنها اللغةُ العربيةُ التي أجلَّها العالمُ وسكر بحلاوة كأسها، ويتبقّى أن يُجلُّها الناطقون بها. في مثل هذه الأيام عام 1973، أصبحتِ اللغاتُ الستُّ المُتحدَث بها رسميًّا في الأمم المتحدة هي: الروسية، الصينية، الإسبانية، الإنجليزية، الفرنسية، ثم العربية.
اختار اليونسكو يوم 21 فبراير من كلِّ عام، يومًا للاحتفال بعيد "اللغة الأمّ" لدى الأمم المتحدة. وهو اليومُ الذي تحتفل به كلُّ دولة من دول العالم، باللغة الأمّ الخاصة بها. فاختار الروسُ يوم 6 يونيو، وهو يوم ميلاد الشاعر الروسي "ألكسندر بوشكين"، واختار الصينيون 20 أبريل، ذكرى "سانج چيه" مؤسس الأبجدية الصينية، واختار الإنجليز 23 أبريل يومَ ميلاد عظيم العالم الأديب الإنجليزي وليم شكسبير، بينما اختار الفرنسيون 20 مارس المتزامن مع اليوم العالمي للفرنكفونية، فيما اختار الأسبان 21 أكتوبر، يوم الثقافة الإسبانية. أما نحن، الناطقين بالعربية، فلم نختر مثلا يومَ ميلاد المتنبي، أو طه حسين، أو أبي العلاء المعرّي، أو أبي الأسود الدؤلي، أو الخليل بن أحمد الفراهيدي، أو سيبويه، أو ابن رشد، أو أدونيس، أو درويش، أو مئات غيرهم من عمالقة العربية، بل وقع اختيارُنا على يوم 18 ديسمبر ليكون عيدًا عالميًّا للغة العربية، وهو ذكرى اعتماد العربية لغةً رسمية في الأمم المتحدة عام 1973، بعد محاولات دؤوب بدأت منذ خمسينيات القرن الماضي! وكأننا لا نعترفُ بلغتنا الأم الجميلة، إلا يومَ اعتراف العالم بها! الأمرُ مُهينٌ منذ بدايته، ويشير بجلاء إلى عدم احترامنا للغة التي نتكلّم بها للأسف! ولهذا لا نندهشُ أن نُصدَمَ طوال الوقت بإعلاميين وكتّاب يُخطئون في اللغة ويلحنون فيها وكأنهم يتكلّمون لغةً أجنبية لا يتحدثون بها منذ ميلادهم!
ولأنني أودّ أن يصفو مقالي هذا للاحتفال والاحتفاء، لا للنقد والتباكي على ما وصلت إليه لغتُنا الجميلة من حالٍ تعسة على ألسن الناطقين بها، فلن أخوض في ركاكات الإعلاميين وأخطائهم الفادحة التي تصمُّ آذاننا ليل نهار، ولا انهيار مستوى معلّمي اللغة العربية وعجزهم عن الأخد بأيدي أبنائنا ليُحبّوا لغتَهم ويتقنوها، إنما سأذكر "الإشراق" الذي أصادفه بين "أُميّين" لا يعرفون القراءة والكتابة، لكنهم قادرون على ارتشاف سحر العربية، دون عِلمٍ أو دراسة.
اذهبْ إلى المزارعين البسطاء في صعيد مصر، وأنصتْ إليهم وهم يدندنون فيما يضربون فؤوسهم في طمي الأرض ليخرجوا كنوزَها الخبيئة. تجدهم يحفظون عن ظهر قلب قصائد ابن الفارض، الشاعر الصوفيّ الأكبر، بعدما سمعوها بصوت الشيخ ياسين التهامي، المُنشد الديني الشهير ابن قرية منفلوط المصرية. بل ويحفظون، بفهم وإدراك حقيقيين قصائد أحمد شوقي وأحمد رامي وجورج جرداق وأبي فراس الحمداني وغيرهم ممن غنّت لهم أم كلثوم. وإن سألتهم عن مكامن المجاز والاستعارات أجابوك بفطرتهم بما يدهشك من معارف.
أيها القارئ العزيز، استسلمْ لسحر اللغة العربية، ودعها تتسلّلُ داخل روحك وتُسرّبُ إلى عمقك أسرارَها، تمامًا كما تستسلم لحبيبتك لكي تُذيقك من مفاتنها ما تجهل. أيتها الجميلةُ المغدورة المنسية، أيتها اللغة العربية الساحرة، أقولُ لكِ في عيدك: كلّ سنة وأنت طيبة وجميلةٌ أيتها الفاتنة المهجورة. “الدينُ لله، والوطنُ لمن يحبُّ الوطن، ولمن يحبُّ لغةَ الوطن.”

***



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الغرابُ الجميلُ … المجنيُّ عليه!
- مصرُ الطريق … في باريس
- موتُ الكاتب …. وازدراءُ الأديان
- فتحي فوزي مرقس … طبيبٌ برتبة فارس
- لفرط حضورك … لا أراك!
- حين حاورتني الصغيرةُ آنجلينا
- الإنسانُ … مفتاحُ السرّ في دولة الإمارات
- هل طفلُك أحمق؟ هل طفلتُك غبية؟
- أولئك كانوا صخرتي … في محنتي
- -وسام زايد- على صدر كل مصريّ
- نبالٌ في يد البرلمان … لقنص العقول!
- كُن متطرّفًا في إيمانك … وانبذِ التطرّف!
- أخطاؤنا الصغيرة .. هدايا وبركةٌ وفرح!
- الأيزيدية شيرين فخرو … العُقبى لداعش
- عيدُ الحبّ المصري … والڤالنتين الإيطالي
- 7 أرطال … من اللحم البشري!
- التذكرةُ قاتلةٌ … لأن القانونَ طيبٌ وأمّي
- سهير العطار … نجوى غراب … أكذوبةُ الخريف
- حتى لا تموتَ الشهامةُ في بلادنا!
- يراقصُ الزهراءَ فوق الثريا | إلى مازن ... فاطيما


المزيد.....




- -عصر الضبابية-.. قصة الفيزياء بين السطوع والسقوط
- الشاعر المغربي عبد القادر وساط: -كلمات مسهمة- في الطب والشعر ...
- بن غفير يسمح للمستوطنين بالرقص والغناء أثناء اقتحام المسجد ا ...
- قصص ما وراء الكاميرا.. أفلام صنعتها السينما عن نفسها
- الفنان خالد تكريتي يرسم العالم بعين طفل ساخر
- رابط شغال ومباشر.. الاستعلام عن نتيجة الدبلومات الفنية 2025 ...
- خبر صحفي: كريم عبدالله يقدم كتابه النقدي الجديد -أصوات القلب ...
- موسيقى للحيوانات المرهقة.. ملاجئ الولايات المتحدة الأمريكية ...
- -ونفس الشريف لها غايتان-… كيف تناول الشعراء مفهوم التضحية في ...
- 10 أيام فقط لإنجاز فيلم سينمائي كامل.. الإنتاج الافتراضي يكس ...


المزيد.....

- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فاطمة ناعوت - الجميلةُ ... المَنسيّة!