أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - فاطمة ناعوت - الغرابُ الجميلُ … المجنيُّ عليه!














المزيد.....

الغرابُ الجميلُ … المجنيُّ عليه!


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 6443 - 2019 / 12 / 20 - 03:34
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


اليمامة: جميلة. الفراشةُ: رقيقة. البومة: شؤم. الغرابُ: أعوذ بالله!
هكذا نصنِّفُ الكائناتِ ونمنحُها ألقابًا ونعوتًا ومناقبَ، من خلال ثقافتنا البشرية، التي لا تعني لتلك الكائنات شيئًا. الفراشةُ جميلة لأننا نقرنُها بالزهور، لكنها في الأخيرة حشرةٌ تتطابق تشريحيًّا مع الذبابة التي نحتقرُها. واليمامةُ التي يشبِّه بها الشاعرُ حبيبتَه، طائرٌ لا يختلفُ ريشةً عن البومة التي نكرهها لأننا لا نستطيع تحمّل وسامة وجهها، أو الغراب الذي نلعنه يوميًّا في أحاديثنا وأمثالنا الشعبية.
في بثٍّ مباشر على صفحتي، صوّرتُ فيديو من شرم الشيخ لفتاة أجنبية حملت قطع الخبز والأجبان، فتوافدت عليها أسرابُ الغربان تأكل على كفِّ يدها، وقلتُ: "طوبى للرحماء لأنهم يُرحمون". ولم أتوقف عند التعليقات المراهِقة التي شتمتني وذكّرتني بالأطفال الجوعى! وكأن الفتاة انتزعت لقمةً من فم طفل ومنحتها لغراب! ولكنني توقفتُ عند بعض تعليقات راحت تلعن الغربان وترميها بالقبح والبشاعة!
يقول "عمانوءيل كانط"، في معرض كلامه عن علم الجمال، أو الإستاطيقا Aesthetics، إن الشخصَ الذي يقول إن لونَ عصفور الكناريا مقبولٌ، حريٌّ أن يقول: "مقبولٌ بالنسبةِ لي." فلكلِّ شخص ذائقتُه الخاصةَ ومعايرُ استقباله للجمال. فقضيةُ "الجمال" تختلفُ عن مجرد "المقبولية". لأن الشخصَ الذي يُقرُّ بأن هذا الشيء جميلٌ، فكأنما يطالبُ الآخرين بأن يروا بعينيه، ويقرّوا بما أقرَّ. والخطأ هنا هو اعتبار "الجمال" "خصيصةً" من خصائص الأشياء. وهذا ليس صحيحًا. فالجمالُ ليس "صفةً" في الشيء. الصفاتُ هي: الشكل، اللون، الحجم، الملمس، الخ. بينما الجمالُ "حُكْمٌ" قيْميّ يختلفُ باختلاف الشخص "المُقيِّم". الحُكمَ على شيء بأنه "جميل" تتحكم فيه عواملُ ثلاثة: الحواسُ، العاطفةُ، والمستوى الفكريّ للإنسان. وهناك قيمتان تتحكمان في الإحساس بالجمال لدى الإنسان. هما: إستاطيقا الشيء (القيمة الجمالية للشيء)، ثم الذائقة الشخصية. والإستاطيقا هي الفكرةُ الفلسفية عن الجمال، بينما الذائقةَ هي نتاجُ البيئة المحيطة والطبقة والتعليم والوعي الثقافيّ؛ وبهذا، فالذائقةُ يمكن تطويرُها وتغييرُها وتهذيبُها.
بعد الحرب العالمية الأولى، كفر الفنانون والمثقفون بكلِّ الأعراف البرجوازية التي أدّت إلى كلِّ ذلك الدمار الذي اجتاحَ العالم. فظهرت حركاتٌ فنيّةٌ عدمية ثائرة على فكرة الجمال السائدة المستقرة في الذهن الجَمعيّ للبشرية؛ مثل: الوحشية والدادائية والسريالية، عملت على تحطيم كلّ التقاليد الجمالية والفنية السابقة. عام 1917 أحضر الفنانُ الفرنسيّ مارسيل دوشامب "مبولة" ومنحها اسم "النافورة"، ثم عرضها في معرض فنيّ بوصفها قطعةً فنية! وقال للصحفيين: "أودُّ زحزحةَ بؤرة الفنِّ عن كونه عملاً جماليًّا بصريًّا، إلى أن يغدو تأويلاً عقليًّا." صحيحٌ أن أحدًا لم يرها قطعةً فنيّةً أبدًا، وصحيحٌ أنها اعتُبرت دعابةً فجّةً ضدّ-فنيّة anti-art، وصحيحٌ أن تلك النافورة قد أُلقيت مع القمامة بعد المعرض وفُقدَت إلى الأبد، لكن دوشامب نجح، مع أبناء المدرسة الوحشية والتكعيبية، في خلخلة المفهوم القديم السائد لفكرة الجمال عند الناس. وهو ما مهّد الطريقَ لفناني ما-بعد-الحداثة في الستينيات الماضية الذين احتفوا بإستاطيقا القبح، أو المفهوم الصادم للجمال. فحلَّتِ الملابسُ المكرمشة والممزقة محلَّ المكوية السليمة، والشَّعرُ الأجعدُ المتموّج محلَّ الناعم المنسدل.
والحقيقة إنني أحبُّ الغُرابَ وأستعذبُ صوتَه، وأراه "جنتلمان أنيقًا يرتدي بدلة إسموكنج سوداء وقميصًا أبيض، يختالُ في كبرياء لا مثيل لها، ويسخرُ من تشاؤمنا منه. نحن نتشاءمُ منه بسبب مُحَملّنا الإرثيّ والثقافيّ والدينيّ عنه. فهو الذي أرشدَ أوَّلَ قاتلٍ في التاريخ، على كيفية دفن قتيله هابيل؛ فأصبح رمزًا للموت والقبور والشؤم! فلمَ لا نعتبره أوّلَ معلّمٍ في التاريخ؟! وحين أرسله نوح، عليه السلام، من السفينة ليختبر وجودَ أرض يابسة، ذهب ولم يعد، فدعا عليه نوح بألا يألفه الناس. فمَن أدرانا لعلّه ماتَ في الطريق!
دعونا نحرّرُ عيوننا من المُحمّلات الإرثية، لنستمع بجميع خلق الله؛ الذي خلق فأبدع. انثروا حبوبَ القمح في شرفاتكم، كما أفعلُ، حتى تلتقطها الغربانُ والعصافيرُ دون تمييز. “الدينُ لله، والوطنُ لمن يحبُّ الوطن.”

***



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مصرُ الطريق … في باريس
- موتُ الكاتب …. وازدراءُ الأديان
- فتحي فوزي مرقس … طبيبٌ برتبة فارس
- لفرط حضورك … لا أراك!
- حين حاورتني الصغيرةُ آنجلينا
- الإنسانُ … مفتاحُ السرّ في دولة الإمارات
- هل طفلُك أحمق؟ هل طفلتُك غبية؟
- أولئك كانوا صخرتي … في محنتي
- -وسام زايد- على صدر كل مصريّ
- نبالٌ في يد البرلمان … لقنص العقول!
- كُن متطرّفًا في إيمانك … وانبذِ التطرّف!
- أخطاؤنا الصغيرة .. هدايا وبركةٌ وفرح!
- الأيزيدية شيرين فخرو … العُقبى لداعش
- عيدُ الحبّ المصري … والڤالنتين الإيطالي
- 7 أرطال … من اللحم البشري!
- التذكرةُ قاتلةٌ … لأن القانونَ طيبٌ وأمّي
- سهير العطار … نجوى غراب … أكذوبةُ الخريف
- حتى لا تموتَ الشهامةُ في بلادنا!
- يراقصُ الزهراءَ فوق الثريا | إلى مازن ... فاطيما
- البابا تواضروس … والخاذلون أوطانَهم


المزيد.....




- أحدث تردد قناة طيور الجنة على القمر الصناعي نايل سات “نزلها ...
- -الشرق الأوسط الجديد ليس حلماً، اليهود والعرب في خندق واحد-– ...
- بعد دعوة رجل دين درزي.. تحذير مصري من -مؤامرة- لتقسيم سوريا ...
- الزعيم الروحي للطائفة الدرزية في سوريا حكمت الهجري يطالب بحم ...
- الدروز في دائرة الخطر: نتنياهو يستغل الطائفة لأغراض سياسية
- جماعات الهيكل منظمات إسرائيلية تسعى لهدم المسجد الأقصى
- الاشتباكات الطائفية في سوريا: أبرز القادة الروحيين الدروز يط ...
- تردد قناة طيور الجنة.. نزلها على جهازك الرسيفر وتابع كل جديد ...
- -كمين- لقوات تابعة للحكومة السورية يتسبب في مقتل 23 مسلحاً د ...
- الفاتيكان يتخلى عن تقليد رداء البابا الذي يعود إلى قرون مضت ...


المزيد.....

- السلطة والاستغلال السياسى للدين / سعيد العليمى
- نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية / د. لبيب سلطان
- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - فاطمة ناعوت - الغرابُ الجميلُ … المجنيُّ عليه!