|
La laïcité : العلمانية ( 2 )
سعيد الوجاني
كاتب ، محلل سياسي ، شاعر
(Oujjani Said)
الحوار المتمدن-العدد: 6282 - 2019 / 7 / 6 - 18:27
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
في المقالة السابقة وضحنا الإشكالية المستعصية عن الفهم ، وهي اعتبار العلمانية عند البعض ، هي الالحاد ، هي الجمهورية ، هي الاباحية ، وهي الاناركية الفوضوية .وبينا ان العلمانية هي نظام حكم ، لا مذهب أيديولوجي او عقائدي ، لأنه عندما نقول بالدولة العلمانية ، فالمقصود نظام حكم ، لا شرح كلمة العِلمانية او العَلمانية او اللاّئيكية ، ولو كان الامر كذلك ما ميز فقهاء العلوم السياسية ، وعلم السياسة ، وعلم الاجتماع السياسي ، بين اشكال الدول ، من دينية ، و أيديولوجية ، وعلمانية ، لان المقصود من المصطلح النظام وليس المرادفات .. فما معنى ان تنشد العديد من الحركات السياسية العلمانية كنظام يستظل في ظله كل الشرائح ، والمذاهب ، والثقافات ، لو لم يكن الامر يتعلق ببديل تعلق عليه القوى الثورية الحقيقية ، كل آمالها في التغيير الجذري نحو خلق نظام المجتمع لا نظام الفرد . ان الدين والمذاهب الأخرى من اباحية ، وفوضوية ، واناركية ..لخ ، تخص الافراد لا غير ، في حين ان العلمانية كنظام ، تخص المجتمع الذي تمثله الدول الديمقراطية الحاضنة للجميع ، لا للأفراد الذين يبقى تعلقهم بالدين ، واي دين او بالإيديولوجيا ...لخ ، مسألة شخصية تهم الفرد لا المجتمع . العلمانية لغويا مشتقة من العَلْم ، والعَالم ، العالم الدنيوي ، عالم البشر الذين يصنعون تاريخهم بأنفسهم ، وإذْ يغيرون اشكال الطبيعة ، إنما يغيرون انفسهم أيضا ، البشر المعرّفين بالعمل ، والإنتاج ، وصنع الأدوات ، وبالتالي بالعقل ، والمعرفة ، والحرية ... البشر الذين اثناء انتاجهم الاجتماعي لحياتهم ، يدخلون في علاقات محددة ، وضرورية ، ومستقلة عن ارادتهم ، وهي علاقات انتاج ، تُطابق درجة معينة من تطور قواهم الإنتاجية المادية . ويشكل مجموع علاقات الإنتاج هذه ، البنيان الاقتصادي للمجتمع ، أي يشكل الأساس الحقيقي الذي يقوم فوقه صرح عُلوي قانوني ، وسياسي ، واشكال اجتماعية . فأسلوب انتاج الحياة المادية ، هو شرط العملية الاجتماعية ، والسياسية ، والعقلية للحياة بوجه عام ، وهنا ليس وعي الناس هوالذي يحدد وجودهم ، ولكن جودهم الاجتماعي هو الذي يحدد وجودهم ، ووعيهم . ان هذا التحديد اللغوي يلقي ضوءً على مفهوم العلمانية كنمط من الحياة ، حيث الدين مقابل الدنيا ، وحيث استقلال العقل عن المسبقات الدينية ، وحرية الفكر ضد احتكار التقليد الديني للمعرفة ، كل ذلك في اطار نظرة الى الانسان على انه مقياس القيم ، وهدف كل تقدم ، ومحور العالم . وحسب الإبتمولوجيا ( علم أصول الكلمات ) فان كلمة Laicos ، اليونانية تعني الشعب ككل ، ما عدا رجال الدين ،أي بعيدا عن تدخلهم في حياته . في لاتينية القرن الثالث نجد Laicus تعني الحياة المدنية ، او النظامية كما كانوا يقولون في ذاك الحين .. وهكذا يحصل التمييز ما بين الشعب الذي يعيش حياته الخاصة بكل معطياتها ، وبين رجال الدين الذين يتدخلون في هذه الحياة من اجل ضبطها بطريقة Riguler ما . المعنى اليوناني ، وكذلك اللاّتيني للكلمة يحيل الى التعارض بين أكثرية الشعب التي لها ثقافتها الشفهية ، وبين اقلية ذات ثقافة " رفيعة " او عالمة ، اقلية تستخدم الكتابة التي كان لها بعد سحري ، ديني ، ومقدس . ان امتلاك الكتابة كان يتيح لرجل الدين سلطة حقيقية ، سلطة الهيمنة والتدخل في حياة الشعب . ان هذا التناقض بين الأكثرية والأقلية ، هو مظهر فرعي من مظاهر التناقض الأساسي الذي يحكم الصيرورة الاجتماعية . ان المحتوى الاكثري ، الشعبي للعلمانية ، ورهانها التاريخي ، يتكشفان في مواجهة التضامن الوظيفي ، بين الدولة المركزية ( السلطة ) والكتابة ، والثقافة الحضرية العَالمة ، والأرثدوكسية المؤسسة للسيادة العليا والمشروعية . هذا التضامن الذي يحاول ضبط وتنظيم حياة الشعب ( العامة ، الرعاع ، الاوباش ، الحثالات ، الرعايا ، سواد الناس ... ) ، وفق مصالح واهداف الأقلية السائدة والحاكمة . ان التناقض بين رجال الفكر ، والعلم ، والمفكرين العقلانيين من جهة ، وبين التيولوجيين ، والمدافعين عن التقديس وعن الدين ، سدنة الحقيقة المطلقة ، ومن جهة ثانية ، تعبير عن الصراع الاجتماعي السياسي الذي يخترق التاريخ البشري ، ومن هذا الصراع بالذات تستمد العلمانية مقوماتها ومشروعيتها كنظام ، وليس كشرح للمفردات والمصطلحات والمرادفات . لذا فحين نتحدث عن الدولة العلمانية ، فالمفروض اننا نتحدث عن الدولة الديمقراطية ، ولا نتحدث عن الدول الدينية ، ولا الدولة القومية الشوفينية ، ولا الدولة الاديويولجية في حلتها الستالينية ، او الماوية ، او اللينينية . ان الدولة الدينية وبخلاف الدولة العلمانية هي دولة عنصرية وفاشية ، والدولة القومية الشوفينية هي دولة عنصرية بامتياز تنتصر الى العرق ، اما الدولة الأيديولوجية الطبقية فهي دولة دكتاتورية ، وكل هذه تختلف عن الدولة العلمانية في المسألة الديمقراطية . إذن الدولة العلمانية هي دولة الشعب ، بل كل الشعب ، ولا تهتم بسلوكيات الأشخاص التي تعني الأشخاص ، ولا تعني دولة الشعب . من هذه الحقيقية اليس الدولة العلمانية هي دولة نظام ؟ بل اليس العلمانية نظام معين في الحكم ؟ ان هذه الحقيقية التي يشتغل عليها معظم المفكرين والسياسيين ، لا تعني تناول العلمانية النظام ، بشرح المصطلحات والمفردات المتعلقة بالعِلمانية والعَلمانية واللاّئيكية ، لان ما يغيب عن ذهن هؤلاء ، وربما بسبب الجهل ، انّ مادة علم السياسة ، ومادة العلوم السياسية ، ومادة علم الاجتماع السياسي تستعمل الاستقراء ، وتستعمل القياس لتحديد حقيقية الأنظمة وأنواع الديمقراطية ، ومن ثم فهي تهتم بالمضمون قبل الشكل الذي هو البناء الصخرة ، وليس الشرح وتأويل المرادفات والمصطلحات . ( يتبع )
#سعيد_الوجاني (هاشتاغ)
Oujjani_Said#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
العلمانية – اللاّئيكية ( 1 ) La laïcité
-
جبهة البوليساريو في مفترق الطرق
-
أية نكسة اصابت الجمهورية الصحراوية ؟
-
تناقضات النظام المغربي
-
L’échec de l’autonomie interne – فشل الحكم الذاتي
-
في أسباب هزيمة يونيو 1967
-
بعض ( المعارضة ) تنهش لحم الامير هشام بن بعدالله العلوي
-
لا حركة ثورية بدون نظرية ثورية
-
La visite du conseiller principal du président Donald Trump
...
-
شروط الإمام المفتي في السعودية
-
عصر الشعوب / Le temps des peuples
-
خلفيات استقالت هرست كوهلر المبعوث الشخصي للامين العام للامم
...
-
10 مايو 1973 / 10 مايو 2019 / تأسيس الجبهة الشعبية لتحرير ال
...
-
جبهة البوليساريو ومحكمة العدل الاوربية
-
الرئيس دونالد ترامب -- حماس -- قطر -- تركيا : Le président D
...
-
تحليل قرار مجلس الامن 2468 بخصوص نزاع الصحراء الغربية
-
ضابط سلاح الجو سابقا مصطفى اديب ، والامير هشام بن عبدالله ال
...
-
مسيرة الرباط الثانية
-
الحركة النقابية المغربية
-
الجيش
المزيد.....
-
فيديو رائع يرصد ثوران بركان أمام الشفق القطبي في آيسلندا
-
ما هو ترتيب الدول العربية الأكثر والأقل أمانًا للنساء؟
-
بالأسماء.. 13 أميرا عن مناطق السعودية يلتقون محمد بن سلمان
-
طائرة إماراتية تتعرض لحادث في مطار موسكو (صور)
-
وكالة: صور تكشف بناء مهبط طائرات في سقطرى اليمنية وبجانبه عب
...
-
لحظة فقدان التحكم بسفينة شحن واصطدامها بالجسر الذي انهار في
...
-
لليوم الرابع على التوالي..مظاهرة حاشدة بالقرب من السفارة الإ
...
-
تونس ـ -حملة قمع لتفكيك القوى المضادة- تمهيدا للانتخابات
-
موسكو: نشاط -الناتو- في شرق أوروبا موجه نحو الصدام مع روسيا
...
-
معارض تركي يهدد الحكومة بفضيحة إن استمرت في التجارة مع إسرائ
...
المزيد.....
-
7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة
/ زهير الصباغ
-
العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني
/ حميد الكفائي
-
جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023
/ حزب الكادحين
-
قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية
/ جدو جبريل
-
شئ ما عن ألأخلاق
/ علي عبد الواحد محمد
-
تحرير المرأة من منظور علم الثورة البروليتاريّة العالميّة : ا
...
/ شادي الشماوي
المزيد.....
|