|
خلفيات استقالت هرست كوهلر المبعوث الشخصي للامين العام للامم المتحدة في نزاع الصحراء الغربية
سعيد الوجاني
كاتب ، محلل سياسي ، شاعر
(Oujjani Said)
الحوار المتمدن-العدد: 6238 - 2019 / 5 / 23 - 17:38
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
تناقلت وكالات الانباء العالمية ، خبر استقالة المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة ، الألماني هرست كوهلير في نزاع الصحراء الغربية ، وارجعت سبب الاستقالة ، الى وضعه الصحي الذي لم يعد يقوى على مواصلة المهمة . فهل حقا الوضع الصحي هو سبب استقالة السيد كوهلير ، ام ان هناك أسباب أخرى هي من تقف وراء الاستقالة ؟ بداية ليس هذه هي المرة الأولى التي يستقيل فيها مبعوث اممي مكلف بنزاع الصحراء ، بل هناك مبعوثون سبقوه في الاستقالة ، وكان ابرزهم ممثل الأمين العام السابق ، وزير الخارجية الامريكية في عهد بوش السيد جميس بيكير الذي كان وراء اتفاق الاطار ، الذي يتمحور على شقين ، وفي مرحلتين : 1 ) المرحلة الأولى وهي منح الأقاليم المتنازع عليها حكما ذاتيا لمدة خمسة سنوات . 2 ) والمرحلة الثانية وبعد انقضاء مدة الخمس سنوات ، يشرع مباشرة في تنظيم استفتاء عام ، وتحت اشراف الأمم المتحدة ، يُمكّن الصحراويين من تقيرير مصيرهم ، سواء بالانضمام الى المغرب ، او بالقبول بالحكم الذاتي انْ راقهم ، او الانفصال وإعلان الجمهورية الصحراوية . والمتمعن في اتفاق الاطار هذا سيستنتج سريعا انه مقلب منصوب للمغرب ، لان القول بالاستفتاء يعني الحكم بالانفصال ، وتأسيس دولة جديدة ، رغم ان الجزائر أنشأت الجمهورية الصحراوية في سنة 1976 ، ومنذها أحرزت على اعتراف العديد من الدول الافريقية ، حيث أضحت عضوا بمنظمة الوحدة الافريقية ، وبعدها بالاتحاد الافريقي ، ناهيك عن بعض الدول العربية ، كالجزائر ، وموريتانية ، وسورية ، واليمن الجنوبي ، ومنظمة التحرير الفلسطينية ، والصومال . كذلك نذكر باستقالة المبعوث كريسوفر رووس الموالي للجزائر ، والذي كان يشتغل على مخطط شبيه بمخطط جميس بيكر . فهل الوضع الصحي للسيد كوهلير ، كما تداولت جميع الوكالات ، هو سبب الاستقالة ؟ أولا ، ان التدرع بالسبب الصحي لتبرير الاستقالة ، هو أسلوب مجاملة لإخفاء السبب الحقيقي الذي يقف وراء الاستقالة ، والذي قد يكون محرجا لاحد اطراف النزاع الأساسيين . لذا فسبب الاستقالة ، هو شعور الممثل الشخصي للأمين العام ، بانه يدور في حلقة مفرغة لا بداية ولا نهاية لها ، وانّ وضعه التّعيس في معالجة المشكل ، لا يختلف عن وضع من يصارع الطواحن الهوائية ، وانّ الحل الذي كان يُعول عليه ، وكان يشتغل من اجله ، اضحى مستحيل التحقيق ، بل يمكن الاعتقاد بعودة گودو مسرعا ، من لا عودة الحل المخطط له من قَبْل ، والذي جوبه بوضع العصا في العجلة من قبل المغرب . لقد ادرك السيد كوهلير استحالة الوصول الى نتيجة منطقية حسب تصوره ، واضحى نوع السلام الذي يخطط له ، من ضروب المستحيلات ، وقد لمس هذا عن كثب من خلال فشل مفاوضات جنيف ، مثل فشل مفاوضات أمريكا بسبب تباعد الأطراف ، وبسبب تمسك كل منهما بمواقفه ، دون تقديم تنازل من كلا المتصارعين ، لإنهاء صراع دام أربعة وأربعين سنة مضت ، حتى اصبح يعرف بالنزاع المنسي بالقارة الافريقية . فعند تيقن السيد مبعوث الأمين العام باستحالة الوصول الى نتيجة ، فان الاستمرار رغم ذلك في عقد اللقاءات ، لن يكون غير مضيعة للوقت ، يوظفه اطراف النزاع لجرجرة المشكل ، ما دام ان الجميع غير متعجل من امره . ثانيا ، حين جاء السيد كوهلير بعد بانكيمون كمبعوث شخصي جديد ، ظن انّ إمكانية اختراق اطراف النزاع ، واجبارها على القبول بمقترحاته التي كانت تسيء الى القضية الوطنية ، هي من السهل بمكان ، وان القدرة في تطويع احد طرفي النزاع ، أضحت في المتناول ، ولا تحتاج غير جلسات ماراطوني ، لاستئناس الطرف المعني بها ، حتى يجد نفسه وبدون شعور يُوقع على شهادة مماته ، وهنا فان السيد كوهلير حين كان يخاطب الأطراف ، كان يتصرف كأمير ، او سلطة ، او وصي عليهما ، وانّ مجرد كونه مبعوثا شخصيا للأمين العام ، سيخلق منه شخصية تُحظى بثقل ودعم المنتظم الدولي ، وعلى رأسه مجلس الامن . وللشروع في خطته ، بدأ يوجه لأطراف النزاع ، دعوات كأوامر يجب احترامها ، وهنا فعندما وجه الدعوة لأطراف النزاع لحضور اجتماع برلين ، حيث المانيا التي كان رئيسها ، تدفع باتجاه توسيع صلاحيات المينورسو لتشمل مادة حقوق الانسان ، رفض المغرب الحضور الى برلين ، واشترط الحضور بجنيف ، وهذا ما كان له بخلاف جبهة البوليساريو ، والجزائر ، وموريتانية الذين حضروا الى برلين . ثالثا ، يلاحظ ان الأسلوب الذي ناور به لتقديم استقالته بسبب المرض ، لا يعكس حقيقية السبب الذي يقف وراء الاستقالة ، والسؤال لماذا تقديم السيد كوهلير استقالته في هذا الظرف ، الذي تزامن مع صدور قرار مجلس الامن 2468 الذي شكل لطمة في وجه جبهة البوليساريو، وفي وجه عرابها الجزائر . ان استقالة السيد كوهلير ، كانت نوعا من الغضب المعبر عنه من طرفه ، في كون القرار الذي أصدره مجلس الامن ، لا علاقة له بموضوع التقرير الذي قدمه السيد كوهلير الى الأمين العام للأمم المتحدة الذي عرضه بدوره على مجلس الامن ، فجاء القرار 2468 محبطا للمخطط الذي اشتغل عليه المبعوث الشخصي ، والذي كان يوصي بتوسيع صلاحيات المينورسو لتشمل مادة حقوق الانسان . لقد كان للتوجه الأمريكي وللدور الفرنسي بليغ الأثر وراء صدور القرار 2468 الذي لا علاقة له بالتقرير الذي اعده السيد كوهلير ، والمدعم والمساند مباشرة من قبل انجيلا ميركل مستشارة المانيا . رابعا ، فشل السيد كوهلير في فرض الاتحاد الافريقي كطرف أساسي في معالجة نزاع الصحراء ، وهو الاجراء الذي رفضه المغرب ، بسبب ان النزاع هو بيد مجلس الامن ، وبيد الأمم المتحدة . فلو نجح السيد كوهلير في فرض وساطة الاتحاد الافريقي الذي يعترف بالجمهورية الصحراوية التي هي عضو من اعضاءه ، فهذا يعني ان السيد كوهلير يكون قد نجح في غرس سكين مسموم في الظهر المغربي ، ويكون قد سهل إجراءات معالجة مجلس الامن النزاع المطروح ، بما يعاكس مغربية الصحراء . ان الرفض المغربي لحشر انف الاتحاد الافريقي في النزاع ، مرده الى ان الاتحاد غير محايد ، ويتخندق الى جانب طرف ، على حساب طرف آخر ، وهو ما يعني في ما لو نجح المخطط التي تضمنه التقرير ، ان يكون القرار الذي سيصدره مجلس الامن ، بمثابة رصاصة الرحمة التي ستقضي نهائيا على مغربية الصحراء . خامسا ، السيد كهلير ، ومثل المبعوث السابق كريستوف رووس ، والمبعوث جميس بيكر ، يعمل بدون حياد ، ويتجاهل الشروط الموضوعية ، والقانونية ، والتاريخية، والجغرافية التي تتحكم في تحديد الاطار القانوني للصحراء ، كما انه في كل خرجاته ، كان يبدو عليه مُناصرة الجزائر بطرح فكرة الانفصال ، لان المخطط الذي كان قد برمجه ، يشبه مخطط جميس بيكير ، ومخطط كريستوفر رووس ، أي إرضاء اطراف النزاع ، بتمكين الأقاليم الصحراوية من حكم ذاتي مدته قد لا تتعدى خمس سنوات ، وبإشراف الأمم المتحدة ، ثم يلي الحكم الذاتي مباشرة بعد انقضاء الخمس سنوات ، الاستفتاء وتقري المصير . وهنا فان المخطط في كل حيثياته ، هو مقلب للمغرب ، ولمغربية الصحراء ، لان مجرد القول الاستفتاء بعد مدة الحكم الذاتي ، يعني قبول الانفصال . فإذا كان جميس بيكير قد فشل في مقلبه ، فكيف لكوهلير ان ينجح فيه ؟ فلو نجح مخطط جميس بيكير ، هل كان لكوهلير ان يعيد طرح ما ابطله الزمن ، وفنده الواقع ، والحقيقية المرة ؟ سادسا ، واكبر سبب في فشل مخطط كوهلير ، هو ان الصراع الدائر بالمنطقة ، ليس بين المغرب وبين جبهة البوليساريو ، بل ان النزاع هو بين المغرب وبين الجزائر ، التي نجح المنتظم الدولي في فرضها كطرف رئيسي في الصراع ، وليس طرفا ثانويا . وهنا فان تعنت الجزائر في مواقفها من النزاع ، وتجاوزها لمطالب الجمهورية الصحراوية ، بالوصول الى مياه المحيط الأطلسي ، شغلها الشاغل ، وعقدتها الأبدية ، قد جعل من المفاوضات الدائرة بين المغرب وبين جبهة البوليساريو ، عبارة عن سينما تعكس مشاهد لا علاقة لها بإشكالية الصراع الذي تعقّد اكثر ، واصبح خوضه مجرد ملهات للوقت . لقد اطيح بجميس بيكر ، واطيح بكريستوفر رووس ، واليوم أطيح بهانس كوهلير ، وغدا سيطيح بمبعوث شخصي آخر .... والسؤال : الى متى سيبقى المسلسل مجرورا ؟ هل سيبقى الى ما لا نهاية ؟
#سعيد_الوجاني (هاشتاغ)
Oujjani_Said#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
10 مايو 1973 / 10 مايو 2019 / تأسيس الجبهة الشعبية لتحرير ال
...
-
جبهة البوليساريو ومحكمة العدل الاوربية
-
الرئيس دونالد ترامب -- حماس -- قطر -- تركيا : Le président D
...
-
تحليل قرار مجلس الامن 2468 بخصوص نزاع الصحراء الغربية
-
ضابط سلاح الجو سابقا مصطفى اديب ، والامير هشام بن عبدالله ال
...
-
مسيرة الرباط الثانية
-
الحركة النقابية المغربية
-
الجيش
-
تأكيد الاحكام في حق معتقلي حراك الريف وفي حق الصحافي حميد ال
...
-
تصريح الامين العام للامم المتحدة حول نزاع الصحراء الغربية
-
لماذا يجب مقاطعة الانتخابات ؟
-
تقرير المصير
-
هل المغرب فعلا مقبل على هزّة شعبية ؟
-
تنظيم وقفات احتجاجية امام قصور الملك -- النقد الذاتي --
-
حراك الجزائر
-
دور الاتحادات النسائية في الدفاع عن حقوقهن
-
هل بدأت فرنسا تنحاز الى امر الواقع في نزاع الصحراء الغربية ؟
-
رئيس كوريا الشمالية السيد كيم جونگ _ Le président de la Coré
...
-
الدستور -- La constitution
-
lhumiliation du régime -- إهانة النظام .
المزيد.....
-
ماذا قالت إسرائيل و-حماس-عن الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين ف
...
-
صنع في روسيا.. منتدى تحتضنه دبي
-
-الاتحاد الأوروبي وسيادة القانون-.. 7 مرشحين يتنافسون في انت
...
-
روسيا: تقديم المساعدات الإنسانية لقطاع غزة مستحيل في ظل استم
...
-
-بوليتيكو-: البيت الأبيض يشكك بعد تسلم حزمة المساعدات في قدر
...
-
-حزب الله- يعرض مشاهد من رمايات صاروخية ضد أهداف إسرائيلية م
...
-
تونس.. سجن نائب سابق وآخر نقابي أمني معزول
-
البيت الأبيض يزعم أن روسيا تطور قمرا صناعيا قادرا على حمل رأ
...
-
-بلومبرغ-: فرنسا تطلب من الاتحاد الأوروبي فرض عقوبات جديدة ض
...
-
علماء: 25% من المصابين بعدم انتظام ضربات القلب أعمارهم تقل ع
...
المزيد.....
-
الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة
...
/ ماري سيغارا
-
الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي
/ رسلان جادالله عامر
-
7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة
/ زهير الصباغ
-
العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني
/ حميد الكفائي
-
جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023
/ حزب الكادحين
-
قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية
/ جدو جبريل
المزيد.....
|