أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صبري يوسف - [2]. النَّمل، قصَّة قصيرة














المزيد.....

[2]. النَّمل، قصَّة قصيرة


صبري يوسف

الحوار المتمدن-العدد: 6100 - 2018 / 12 / 31 - 15:07
المحور: الادب والفن
    


2. النَّمل

فيما كنتُ أشربُ فنجانَ القهوة في المطبخ، تسلَّلَتْ شمسُ الصَّيف الدَّافئة عبر النَّافذة المتعطِّشة لدفءِ الشَّمسِ، دفءِ الحياةِ .. ألقيتُ نظرة في أحدِ أركانِ مطبخي فوجدْتُ خطّاً رفيعاً يدبُّ فيهِ الحياة، اِنحنيتُ قليلاً .. قافلة كثيفة من النَّملِ الصَّغيرِ، تسيرُ بانتظام، متمتِّعة بأشعةِ الشَّمسِ الحنونة، تبحثُ لها عن زادٍ يكفيها للشتاءِ الطَّويل.
وبعدَ حوالي أُسبوعين من ظهورِ النَّملِ في مطبخي، زارني جاري زيارة خاطفة، وقعَ بصرَهُ على بعضِ النَّملاتِ الشَّاردة الّتي كانت قد تاهَتْ عن القافلة، فتوغّلَتْ في أرضِ المطبخِ تسيرُ على غير هدىً. صفّرَ جاري، ثمَّ أردفَ قائلاً:
لقد اِنتقلَ النَّملُ إلى مطبخِكَ أيضاً.
من أينَ اِنتقلَ؟
يبدو أنّهُ اِنتقلَ من مطبخي إلى مطبخِكَ، وسينتشرُ في الشُّقّةِ كلّها.
وما هو الحلّ برأيكَ؟
بسيطة، اِتّصل على الرَّقم كذا ... وهم مسؤولون عن القضاءِ على النَّملِ. وزوَّدني فعلاً بالرَّقمِ والعنوانِ. تمتمْتُ لنفسي، لا بأس اليوم وغداً عطلة .. اِتّصلْتُ صبيحةَ يوم الإثنين مع الجِّهةِ المسؤولة عن القضاءِ على النَّملِ، فردَّتْ عليّ أنثى، من صوتِها تشعرُ أنَّها طريّة الجَّسد والرُّوح! .. قلتُ لها: هناك موضوع يتعَلَّقُ بالنَّملِ أريدُ أنْ أناقشَهُ معَكِ .. فقاطعتني قائلةً: أيوه، أعطني العنوان. فقلتُ لها: عفواً لم أشرحْ لكِ الموضوع بعد. فقالت: يوجدُ عندكَ نمل في المنـزل وتريدُ القضاءَ عليه، أليسَ كذلك؟ .. فقلتُ: أيوه، ولكن ... إذاً اعطني العنوان. زوَّدتها بالعنوان ورقم الهاتف، ثمَّ قالت: غداً في تمام السَّاعة الثَّانية بعد الظّهر، سيأتي شخص لمعالجة هذا الأمر، والقضاءِ على النَّمل. وقبلَ أن أنتهي من مكالمتي معها، سألتها: هل من الممكن أنْ أسألكِ سؤالاً أخيراً .. فقالَتْ تفضَّلْ!
على حدِّ علمي أنَّ السُّويدَ تدافعُ عن الكائناتِ الحيّة غير الضَّارَة، والنَّملُ بالنّسبةِ لي كائنات غير ضارّة، مقارنةً بالعقاربِ والأفاعي .. حتّى أنَّ بعضَ البشرِ مضرّين لبعضهِم بعضاً أكثر من ضررِ النَّملِ، هذا إذا كانَ للنملِ ضرراً .. فهل من الممكنِ أنْ أتركَ النَّملَ تسرحُ في شقَّتي، شريطةَ أن يكونَ اِنتشارُها فقط في المطبخ؟!
أجابتْ بنبرةٍ ضاحكة: ولماذا تريدُ الاِحتفاظَ بالنَّملِ في مطبخِكَ؟
لأنَّ وجودَ النَّملِ في المطبخِ، يذكِّرُني بمطبخي في بيتي العتيق، الكائن في بلدتي الّتي عشْتُ فيها!
ضحكَتْ بصوتٍ عالٍ ثمَّ تساءَلَتْ باندهاش: أَولهذا تريدُ الاِحتفاظَ بالنَّملِ في مطبخِكَ؟
أيوه، وما الغرابة في ذلك؟
إنّ مجرّد وجود النَّمل في الغرفة، شيء غير مريح ثمَّ أنَّه يدخلُ في الطَّعامِ ويلوِّثه، لهذا فمن الغرابةِ أنْ تراودَكَ فكرةَ الاِحتفاظِ بالنَّملِ في منـزلِكَ.
موضوع الطَّعام مسألة محلولة، لأنَّني سأضعُ طعامي في البرّادِ، وسأتركُ لهم حصَّتهم في إحدى زوايا المطبخ.
عندما سمعَتْ جوابي، ضحكَتْ ضحكةً صاخبة وقالتْ بنبرةٍ إيقاعيّة ضاحكة، ولماذا اتَّصلْتَ معنا إذاً؟
اتَّصلتُ معكِ بخصوصِ النَّمل، ولكنَّكِ أنتِ مباشرةً عالجتِ المسألةَ كما تحلو لكِ؟
نحنُ نعلمُ سلفاً لمجرَّد وجود نمل في شقّة، يعني القضاء عليها.
أعودُ مؤكِّداً على سؤالي، هل بإمكانِكم حصر النَّمل بطريقةٍ أو بأخرى بحيث أنْ يكونَ اِنتشارَها فقط في المطبخ؟
ولماذا تريدُها منتشرة في المطبخ؟
لا أريدُها أنْ تدخلَ في غرفةِ نومي ولا في غرفةِ الاِستقبالِ، لأنَّني لا أرتاحُ لوجودِها إلَّا في المطبخِ .. هكذا تعوَّدْتُ، أوفّ، هل أنتِ أخت مراقي*؟
ضحكَتْ مرَّةً أخرى ثمَّ قالَتْ: نحنُ ليسَ لدينا حلّ سوى القضاء عليها، وأمّا موضوع أنْ نتركَها تنتشرُ فقط في المطبخ، فهذا ما لا نستطيعُ عليه.
طيّب هل لديكِ حلّ لاقتراحي؟
بالحقيقة لا يوجدُ لديّ أي حلّ لاقتراحِكَ، لكن .. واِنتابتها نوبة ضحك، ثمَّ أردفَتْ تقولُ: برأيي أفضل حلّ لهكذا أمر هو الاِتِّفاقُ معَ النَّمل!
الاِتِّفاق مع النَّمل! .. كيفَ سأتَّفقُ مع النَّملِ؟
هذا يتوقَّفُ على شطارَتِكَ.
على شطارتي.
نعم على شطارتِكَ.
انتابتني موجةُ ضحك ثمَّ تعالى الضُّحك من الجانبِ الآخرِ أيضاً!

ستوكهولم: آب (أغسطس) 1997

*مَرَاقي: كلمة عامّيّة تعني مزاجي.



#صبري_يوسف (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- [1]. حفلة موسيقيّة في الهواء الطَّلق، قصّة قصيرة
- [10]. العلّوكة والطَّبّكات، قصّة قصيرة
- [9]. رحيل امرأة من فصيلةِ البحر، قصّة قصيرة
- [8]. يذكِّرني يوسف، ابن كابي القسّ بالخبز المقمّر، قصّة قصير ...
- [7] . الشّروال، قصّة قصيرة
- [6]. خوصة وخلّوصة، قصَّة قصيرة
- [5]. إيقاعاتُ الشَّخير، قصّة قصيرة
- [4]. الطُّفل والأفعى، قصّة قصيرة
- [3]. نوال ودلال وعيدانيّة بالدَّين، قصّة قصيرة
- [2]. تسطعُ ديريك فوقَ خميلةِ الرُّوح، قصّة قصيرة
- [1]. حيصة وسلال العنب، قصّة قصيرة
- [10]. ترتيلة الرّحيل، قصَّة قصيرة
- [9]. حنين إلى تلاوين الأمكنة والأصدقاء، قصَّة قصيرة
- [8] عمّتي تشتري عظامها من الله، قصّة قصيرة
- [7]. اللّحية واللّحاف، قصّة قصيرة
- [6]. الذَّبذبات المتوغِّلة عبر الجدار، قصَّة قصيرة
- [5]. حنين إلى ديريك بعقلائها ومجانينها، قصّة قصيرة
- [4]. أنا والرَّاعي ومهارتي بِبَيعِ العدس، قصّة قصيرة
- [3]. الكرافيتة والقنّب، قصّة قصيرة
- [2]. الّذكرى السَّنويّة، قصّة قصيرة


المزيد.....




- العمارة التراثية.. حلول بيئية ذكية تتحدى المناخ القاسي
- صدور -الأعمال الشعرية الكاملة- للشاعر خلف علي الخلف
- القدس تجمع الكشافين.. فعاليات دولية لتعزيز الوعي بالقدس وفلس ...
- زوار المتنزهات الأميركية يطالبون بسرد الوقائع الحقيقية لتاري ...
- استجابة لمناشدتها.. وفد حكومي يزور الفنانة المصرية نجوى فؤاد ...
- -أنقذ ابنه من الغرق ومات هو-.. تفاصيل وفاة الفنان المصري تيم ...
- حمزة شيماييف بطل العالم للفنون القتال المختلطة.. قدرات لغوية ...
- لتوعية المجتمع بالضمان الاجتماعي .. الموصل تحتضن اول عرض لمس ...
- -شاعر البيت الأبيض-.. عندما يفتخر جو بايدن بأصوله الأيرلندية ...
- مطابخ فرنسا تحت المجهر.. عنصرية واعتداءات جنسية في قلب -عالم ...


المزيد.....

- نقوش على الجدار الحزين / مأمون أحمد مصطفى زيدان
- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى
- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صبري يوسف - [2]. النَّمل، قصَّة قصيرة