صبري يوسف
الحوار المتمدن-العدد: 6098 - 2018 / 12 / 29 - 15:41
المحور:
الادب والفن
كانَ عماد يسيرُ في أزقَّةِ المدينةِ على غيرِ هدى، وجدَ مشهداً غريباً .. مجموعة من النّسوةِ يولولْنَ وبعضهنَّ يضحكْنَ .. بعضُ الرِّجالِ تجاذبَ أطرافَ الحديثِ .. أحدُهم أشعلَ سيجارةً وآخرٌ بدأَ يضحكُ بصوتٍ عالٍ. وقعَ عماد بصرَهُ على رجلٍ ينظرُ إلى الأرضِ وهوَ صامتٌ وسمعَهُ يقولُ: سبحانَ الله! .. هازَّاً رأسَهُ يمنةً ويسرةً.
سألَ عماد أحدَ الرِّجالِ باللهِ عليكَ ماذا حصلَ؟
أجابَ الرَّجلُ: اِذهبْ واسألْ ذلكَ الطُّفل! .. كانَ الطُّفلُ في حضنِ أمِّهِ يبكي بحزنٍ عميقٍ. اِقتربَ من أمِّ الطُّفلِ ثمَّ سألَها:
ماذا حصلَ خالة؟
أجابَتِ الأمُّ: الّله سترَ اِبني!
ممَّنْ سترَهُ الله؟
قالَتْ وهيَ مرتبكة، لولا هؤلاء الرِّجال لكانَ اِبني الآنَ ميتاً. لم يفهمْ عماد ماذا قصدَتْ أمُّ الطُّفل، وكلّ ما فهمَهُ منها أنّ بعضَ الرِّجالِ ربَّما قدَّمُوا لها خدمَة ً ما وساعدوا اِبنَها وأنقذوهُ من مكروهٍ .. ولكنُ فضولُهُ الزَّائد دفعَهُ أنْ يستفسرَ عن السَّببِ؟ .. فأجابَتْ الأمّ، لقد كانَ اِبني في الغرفةِ لوحدِهِ، وعندما دخلْتُ، وجدْتُ أفعى غليظة ملتفّة حولَهُ، فاِقشعرَّ جسمي ووقفَ شعرُ رأسي مِنَ الخوفِ .. ما وجدْتُ نفسي إلَّا وأنا أركضُ كالمجنونةِ في الشَّارعِ، أستنجدُ النَّاسَ، لكي ينقذوا اِبني من الأفعى .. فجاءَتْ مجموعةٌ من الرِّجالِ، أمسَكَ أحدُهُم عصاةً غليظة ودخلَ الغرفةَ بسرعةٍ مدهشةٍ وأمسكَ ابني وأخرجَهُ مِنَ الغرفةِ، وأعطاني إيّاهُ.
تفحّصْتُهُ أنا ومجموعة من النِّسوةِ فلم نجدْ ما يوحي بأنّهُ ملدوغ. أغلقَ أحدُ الرِّجالِ بابَ الغرفةِ ثمَّ بدأَ يفتِّشُ أركانَها .. عندما رفعَ لحافَ اِبني، وجدَ الأفعى منـزويةً تحتَ اللِّحافِ، فانهالَ عليها ضرباً بعصاه الغليظة حتّى قتلَها، ثمَّ حملَها بعصاه وأخرجَها من الغرفةِ. صرخَتْ وولولَتْ النِّسوةُ وبعضهنَّ اِبتعدْنَ منها ذاهلات.
عندما وجدَ اِبني الأفعى ملقاةً على الأرضِ تنـزفُ دماً، اِزدادَ بكاؤه .. وكلَّما كنتُ أهدِّئِهُ قائلةً لهُ، لا تبكي لقد قتلناها، كانَ يزدادُ صراخاً وبكاءً .. لقد حيَّرني اِبني تماماً! .. جلبْنا لهُ قليلاً من الماءِ، لكنّهُ اِمتنعَ عَنِ الشُّربِ .. لقدْ خافَ اِبني خوفاً لا مثيلَ لهُ مِنَ الأفعى وأخشى أنْ ...
قاطعَ عماد الأمّ ثمَّ سألَها: أَلمْ تقولي بأنَّ أحدَهم قتلَ الأفعى؟
أيوه .. ذلكَ الرَّجل الّذي يقهقهُ معَ أصدقائِهِ هوَ الّذي قتلَها. أنظرْ أَلَا تراها؟
نظرَ عماد، فوجدَ الأفعى نائمة نوماً أبديّاً، اِندهشَ ــ هو الآخر ــ كما اِندهشَتِ الأمُّ، وقادَهُ فضولُهُ أنْ يسألَ الطّفلَ وهوَ يبتسمُ لهُ:
طالما الأفعى ماتَتْ فَـ (ليشْ عَمْ) تبكي عيني؟!
نظرَ الطّفلُ إلى عماد بعينينِ بريئتَينِ حزينتَين، وبصوتٍ خافتٍ أجابَ: لأنّني كنْتُ ألعبُ معها!
ديريك: 15 . 3 . 1986
* هوامش
(ليشْ عَمْ): عامّية تعني لماذا.
#صبري_يوسف (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟