|
[3]. نوال ودلال وعيدانيّة بالدَّين، قصّة قصيرة
صبري يوسف
الحوار المتمدن-العدد: 6098 - 2018 / 12 / 29 - 12:18
المحور:
الادب والفن
3. نوال ودلال وعيدانيّة بالدَّين
نهضْتُ صبيحةَ يوم عيد الفصح، مُهيَّأً نفسي لاستقبالِ الضِّيوفِ الأحبّةِ، بعدَ أنْ شربْتُ قهوةَ الصّباحِ وتناولْتُ كليجةَ العيدِ وقليلاً من شوربة الحليب الخاصّة بالعيدِ، جاءَت وردتان في غايةِ الأناقةِ والجّمالِ، دلال وأختها نوال، ابنتَا أخي نعيم، جاءَتا بفرحٍ كبيرٍ لمعايدتي في العيدِ الكبيرِ في منتصفِ الثّمانينيّاتِ، وهما متحمّستان لأخذِ العيدانيّة. بعدَ التّرحيبِ والقبلاتِ البهيجةِ، قدّمْتُ لهما ضيافةَ العيدِ والسَّكاكرِ والرَّاحةِ، ثمَّ انتظرَتَا عيدانيّتهما. بحثْتُ في جيوبي وفي كلِّ ما يمكنُ أنْ أعثرَ عليهِ من فلوسٍ كي أقدّمَ لهما هديّةَ العيدِ، فلمْ أجدْ أثراً لفلوسي في أيِّ جيبٍ من جيوبي، اختفَتِ الفلوسُ بقدرةِ قادرٍ، فلمْ أجدْ أجدى من إبداعِ حيلةٍ بديعةٍ كي أتخلّصَ من المأزقِ الَّذي أنا فيهِ، فأمسكْتُ ورقةً وقلماً وسألتُ نوال الأخت الكبيرة بكلِّ جدّيةٍ وثقةٍ، وكانت في حينها بحدود العاشرة من عمرِها، سألتُها، إسمُكُ بالكامل؟ فقالَت بكلِّ براءةٍ: نوال نعيم! فقلت لها، نوال نعيم شو؟ فقال نوال نعيم صاموئيل، فقلتُ لها، نوال نعيم صاموئيل شو؟ فقالت نوال نعيم صاموئيل يوسف، فقلت لها نوال نعيم صاموئيل يوسف شو؟ فقالت نوال نعيم صاموئيل يوسف شلو، فقلت لها حلو أن تقفليها بـ شلو! لأنَّ تثبيت شلو مهمّ وإلّا ممكن تروح عليكِ العيدانيّة بالكامل! سجّلتُ اسمها في ورقة وهي تنظرُ إليَّ مندهشةً من سلوكي وجدّيتي في تسجيلِ الدَّين، فقلْتُ لها، الآن ثبَّتُّ إسمكِ بالكامل، الإسم الخماسي معَ التَّركيز على لقبكِ شلو، بأنَّ لديكِ عندي عيدانيّة دين قيمتها 20 ليرة سوري بالتَّمام والكمال، تقبضينها منّي في أقرب فرصة أرى في جيوبي فلوساً! جحظَتْ عيناها واِبتسمَت اِبتسامة لم أفهمها تماماً، ربّما كانت ابتسامة دهشة منها على كيفيّة تصرُّفي في منحها العيدانيّة بالدَّين! يعني عمّو هلّة ماراح تعطيني عيدانيتي؟ راح أعطيك العيدانيّة، بس مو هلّة، بعيدن راح أعطيك العيدانيّة، ما شفتِ اشلون ثبّتُّ العيدانيّة عندي! طيّب ليش مو تعطيني عيدانيتي هلّة؟! لأنَّ أسلوبي الجّديد في إعطاءِ العيدانيّات هيك صار! بس قبل دائماً كنتَ تعطيني العيدانيّة في العيد! طيّب إذا أعطيتك العيدانيّة وضاعت منك في الطَّريق أو طلع شي حدا قدّامك وأخذها منك! لا عمّو حدا مو يأخذها منّي! قلت لك بلكي، بعدين ممكن تقع من جيبك. اشلون تتقع العيدانيّة من جيبي، طلّع عمُّو أش جيبي عميق مو تقع أبداً. إذا وقعت شو بدّي أعمل، بعدين بلكي جيبك يكون مبخوش أو فجأة ينبخش وتقع العيدانيّة! ضحكت نوال وقالت لا عمّو طلّع فستاني أحلى فستان، أمّي خيطته لي جديد وأحلى جيب عملت إلي. بس أنا أريد أعطيك العيدانيّة بعدين، اطمئنِّي عيدانيّتك صارت مسجلّة بالدَّفتر وراح تصلك قريباً! معليش عمّو متل ما تريد، اش أقل لأبوي وأمّي. قلي لأبوكِ عمُّو صبري باسني لمّا سلَّمتُ عليو ولمّا ودّعتو، وعطاني عيدانيّة بس بالدّين 20 ليرة. طيّب إذا قالّي أبوي أشلون أعطاكِ عيدانيّة بالدِّين، أش أقُلُّو؟ في هل الحالة تقدري تقولي لأبوك بس بابا أنا قدّام عيني عمُّو صبري سجّل في دفترو عيدانيتي وراح يعطيني العيدانيّة بعد كم يوم. وإذا دوَّخكي بالأسئلة والأخذ وعطا، قليلو بابا أنتَ اعطيني العيدانيّة مبدال عمّو، وبس يعطيني عمّو عيدانيتي ترجّع مصاريك! وإذا ما عطاني العيدانيّة مبدالك؟ إذا ما عطاكي العيدانيّة مبدالي معناها كصار فراسو متل ما صار فراسي؟ ليش أشْ صار فراسك عمُّو؟ إلِّي صار فراسي مابق فراسكي، أنتِ أش بدكي غير عيدانيتكي، مو قدّامكي ثبّتُّ العيدانيّة في الدّفتر! بلي والله عمُّو قدّامي سجَّلتا، بسْ اشقد كاريد تعطينيي هلّة! أنا كمان كان أريد هلّة أعطيك بس أنجبرت أغيّر برامج العيدانيّات! معليش عمّو، تطعتيني وتعطيني عيدانيتي، أشْ اليوم وأشْ بُكْرى! برافو عليك، هيك بدّي ياكي، شاطرة كما عمُّوكي! هلّة إجا دور الأمّورة دلال، انتقلْتُ إلى دلال، وكانت في حينها بحدود الثّامنة من عمرها، عيدكِ مبارك عيني، تعي تبوسكي أوَّل شي، ثمَّ أمسكْتُ قلمي وورقتي في يدي، وقلْتُ لها بكلِّ جدّية الإسم الكامل لو سمحْتِ! نظرَتْ إلي وقالت هوهوووووووووووووووه، يعني مو تعرف إسمي! أعرف إسمكي بس لازم أثبّت حقكي وعيدانيتكي! قالت: وين راح تثبّت حقِّي؟ أثبّتُه عندي في الدّفتر! أش قصدك عمُّو؟ راح أثبَّت عيدانيتكي كدين عندي في الدّفتر إلى وقت قريب بعدين راح أعطيكي دينكي! فأجابتني: شو هل العم الغريب العجيب، تعرف يا عمّو قمتو من الصّبح بكّير، أحلى لباس لبّستني أمّي، وجينا عندك مشان نأخذ العيدانيّة، وعم تقول اِلنا بدّي أسجّل عيدانيّة دين! أوّل مرّة أشوف في حياتي عيدانيّة بالدّين، شو أنتَ عندك دكّان وعم تبيع اغراض بالدَّين! يا عمُّو أنا جايي على العيد ماني جايي أتسوّق العيدانيّة بالدّين! طيّب مشان أضمن حقكي! اعطيني ورقة لك اعطيني نص ورقة أعطيني أش ما تعطيني، بس لا تكون عيدانيتي بالدَّين! عفواً، لحظة دلال، نوال عيني اشقد سجَّلت عيدانيتك علي بالدّين! 20 ورقة عمّو! حلو، دلال عفواً ممكن الإسم الكامل! رجع يقولّي الإسم الكامل! طبعاً، لازم أثبّته! ثبّتو عمّو ثبّتو، مين مسكك، ليش مو تعرف إسمي أحسن منّي، يعني شو راح تعمل لو تثبّتو. شوفي دلال عيني، نوال مرصود لها عيدانيّة دين 20 ليرة بينما أنتِ مرصود اِلك 30 ليرة عيدانيّة دين! لك اعطيني عيدانيّة ورقة بس هلّة هلّة مو بالدَّين! بعدين ليش سجّلت لنوال 20 ليرة عيدانيّة ولي 30 ليرة، مو نوال أكبر منّي! نوال أكبر منك مظبوط، بس لا تنسي أنّك أطول منها ولو أنتِ أصغر، ومدلّلة عندي أكتر! والله كتير مدلّلة أنا عندك، يا ما شاء الله اشقد أنا مدلّلة عندك إلى درجة عيدانيتي صارت بالدَّين! عفواً انتهى تسجيل عيدانيّة الدّين علي لكلّ من نوال ودلال، عفواً دلال تعي أبوي بدّي أبوسكِ قبل ما تروحين. بس بستني عمُّو أكتر من أربع بوسات أوّل ما سلّمت عليك. بعرف عيني بستوكي، بس هلّة بدّي أبوسكي بوسات الوداع! بس هيك لمّا تعرف تبوسنا، لازم تحط في أيدينا حق هل البوسات! بدِّي أحط بس طولي بالك، عفواً دلال أجاني معايدات جديدة! إن شاء الله هادول كمان راح تعطين عيدانيّة بالدّين! طبعاً، هذا برنامجي في هذا العيد وراح يمشي البرنامج على الجميع! بربرت وقالت امشي نوال امشي، وهي تقول لي بسخرية مبروك عمُّو برنامجك الجديد، ألف مبروك! الله يبارك في عمرك، ثبّتُّ العيدانيّة في الدَّفتر! بعرف والله بعرف ثبّت العيدانيّة! بعد حوالي اسبوع ذهبْتُ إلى بيت دلال ونوال، عيَّدتهم مرَّة أخرى، ثمَّ أخرجْتُ من جيبي ورقة، وقرأتُ نوال نعيم صاموئيل يوسف شلو 20 ليرة، تفضَّلي عيدانيتك. ثمَّ قرأتُ أسماء بقيّة البنات ولم أقرأ اسم دلال! نظرتُ إليها وإذْ بها تنظرُ إليّ وتقلبُ شفَّتها وهي تسألُني! اش معناتا قريت أسماء كلّ خواتي وعطيتن عيدانيّة وما قريت اسمي وعطيتني عيدانيتي! العفو معك حق، عندي قائمة تانية بالدّيون وأخرجْتُ ورقة أخرى من جيبي وبدأتُ أقرأ دلال نعيم صاموئيل يوسف شلو! أي نعم، بس ليش هيك عم اِطّولها، قلّي دلال وخلاص، ليش في دلال غيري هون! لا ما في غيرك دلال هون، تفضّلي خذي عيدانيتك 50 خمسييييييييييييييييييين ليرة! قامت وهي فرحانة وقالت أبوسك عمّو، دائماً لمّا آجي عندك على العيد حط عيدانيتي بالدَّين! وليش بقا أحطها بالدّين؟! لأنّها عم تزيد وتزيد! ثمَّ قهقهنا بعذوبةٍ تنعشُ القلب!
ستوكهولم: 15. 9. 2015
#صبري_يوسف (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
[2]. تسطعُ ديريك فوقَ خميلةِ الرُّوح، قصّة قصيرة
-
[1]. حيصة وسلال العنب، قصّة قصيرة
-
[10]. ترتيلة الرّحيل، قصَّة قصيرة
-
[9]. حنين إلى تلاوين الأمكنة والأصدقاء، قصَّة قصيرة
-
[8] عمّتي تشتري عظامها من الله، قصّة قصيرة
-
[7]. اللّحية واللّحاف، قصّة قصيرة
-
[6]. الذَّبذبات المتوغِّلة عبر الجدار، قصَّة قصيرة
-
[5]. حنين إلى ديريك بعقلائها ومجانينها، قصّة قصيرة
-
[4]. أنا والرَّاعي ومهارتي بِبَيعِ العدس، قصّة قصيرة
-
[3]. الكرافيتة والقنّب، قصّة قصيرة
-
[2]. الّذكرى السَّنويّة، قصّة قصيرة
-
[1]. فراخ العصافير، قصّة قصيرة
-
[10]. استمراريّة القهقهات الصَّاخبة، قصَّة قصيرة
-
[9]. وللزهور طقوسها أيضاً! ، قصّة قصيرة
-
[8]. مشاهد من الطُّفولة، قصّة قصيرة
-
[7]. احمرار السَواقي، قصّة قصيرة
-
[6]. اللّص والقطّة، قصّة قصيرة
-
[5]. قتل النَّاطور الحمامة، قصّة قصيرة
-
[4]. حالات اِنفلاقيّة قُبَيْلَ الإمتحان قصّة قصيرة
-
3 رنين جرس المدرسة، قصّة قصيرة
المزيد.....
-
قطر.. افتتاح مركز لتعليم اللغة الروسية في الدوحة
-
نجم فيلم -سبايدرمان-: الفلسطينيون في غزة هم الأهم ويجب تركيز
...
-
محمد منير يثير تساؤلات بسبب غيابه عن تكريم مهرجان الموسيقى ا
...
-
-جوكر: جنون مشترك-.. لعنة السلاسل السينمائية تُجهز على فيلم
...
-
من هو مختوم قولي فراغي الذي يشارك بزشكيان في ذكرى رحيله بترك
...
-
أحداث تشويقية لا تفوتك.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 167 مترجمة
...
-
الممثل الخاص لوزير الخارجية يلتقي مع المسؤولين الإعلاميين ف
...
-
صور أم لوحات فنية؟ ما السر وراء أعمال هذا الفنان؟
-
الإعلان الثاني لا يفوتك.. مسلسل صلاح الدين الأيوبي الموسم 2
...
-
فرحي الأطفال بمغامرات توم وجيري..حدث تردد قناة نتورك CN لمشا
...
المزيد.....
-
إيقاعات متفردة على هامش روايات الكاتب السيد حافظ
/ منى عارف
-
الخلاص - يا زمن الكلمة... الخوف الكلمة... الموت يا زمن ال
...
/ السيد حافظ
-
والله زمان يامصر من المسرح السياسي تأليف السيد حافظ
/ السيد حافظ
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل مسرحية "سندريلا و ال
...
/ مفيدةبودهوس - ريما بلفريطس
-
المهاجـــر إلــى الــغــد السيد حافظ خمسون عاما من التجر
...
/ أحمد محمد الشريف
-
مختارات أنخيل غونزاليس مونييز الشعرية
/ أكد الجبوري
-
هندسة الشخصيات في رواية "وهمت به" للسيد حافظ
/ آيةسلي - نُسيبة بربيش لجنة المناقشة
-
توظيف التراث في مسرحيات السيد حافظ
/ وحيدة بلقفصي - إيمان عبد لاوي
-
مذكرات السيد حافظ الجزء الرابع بين عبقرية الإبداع وتهمي
...
/ د. ياسر جابر الجمال
-
الحبكة الفنية و الدرامية في المسرحية العربية " الخادمة وال
...
/ إيـــمـــان جــبــــــارى
المزيد.....
|