أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صبري يوسف - [7]. احمرار السَواقي، قصّة قصيرة














المزيد.....

[7]. احمرار السَواقي، قصّة قصيرة


صبري يوسف

الحوار المتمدن-العدد: 6094 - 2018 / 12 / 25 - 11:58
المحور: الادب والفن
    


7. اِحمرار السّواقي

كنّا نتواصل معهم عبر خيطٍ من الدُّموع .. نسمعُ نحيبهم المتواصل فتتلظّى قلوبُنا من الاِحتراقاتِ المتفاقمة هناك حولَ مهودِ الأطفال.
آهٍ وألف آه .. أيَّتها النّيران المتربِّصة بأرواحِ الشُّبَّان! وأنتِ أيَّتها المعارك الغادرة، لماذا أرخيتِ جسدَكِ الثَّقيل بوحشيّةٍ بربريّة على أقدامِ الأطفالِ الطَّريّة، تهشِّمينَ أصابعَهم الرَّفيعة تارةً، وتهرسينَ أجنحتَهم المخضوضرة تارةً أخرى.
توغَّلَ الحزنُ شيئاً فشيئاً في جذوعِ الأشجارِ، وارتعشَتْ شفاهُ الطَّبيعةِ من الغضبِ، والكهولِ! .. غاصوا في بحرٍ من القلقِ والغيظِ وأعلنوا حدادَهم، رافعين أيديهم للسَّماءِ، مستنجدينَ بالآلهةِ، لكنَّ الآلهة كانت منهمكةً بجنازاتِ هذا العالم!
تناهى نحيبُ النِّساءِ إلى مسامعِ الأشجارِ، الأشجار الَّتي تكسَّرَتْ أجنحتُها الشَّامخة وبدأتْ هي الأخرى تبكي كالأطفالِ، وترمقُ التُّرابَ المخضَّبَ بالدِّماءِ بحزنٍ عميقٍ .. عميق!
وقفَتِ الأمَّهاتُ بجانبِ إحدى السَّواقي الفائرة بدماءِ الشَّبابِ. الشَّباب الَّذين طحنَتْهم المعارك الحمقاء تحتَ عجلاتِها الثَّقيلة، تاركةً خلفها عيون الأمَّهات متورِّمةً ومحدِّقةً في الفراغِ .. الفراغ!
إزاء هذه السِّيمفونيّة الألميّة أعلنَتِ السَّماءُ بكاءَها المستديم، وغضبَتْ من الشَّراراتِ الملتهبة الَّتي أدمَتِ خاصرةَ المساءِ الحنون.
أشارَتْ إحدى النِّساء بيدِها المرتجفة نحوَ ساقيةٍ مخضّبةٍ بالدِّماءِ قائلةً:
هوذا ابني، هوذا ابني! ثمَّ توجَّهَتْ باندفاعٍ غامض نحوَ السَّاقية.
اِندهشَتِ النِّساءُ وغمرهنَّ البكاء متسائلات: أينَ هو اِبنكِ يا أختاه؟
أجابتْ بقلبٍ منكسر، أما رأيتم ذلكَ الشَّاب الَّذي كانَ يطفو فوقَ الدِّماءِ الجَّارية، مادَّاً يديهِ نحوَنا بتلهُّفٍ كبير؟
هزَّتِ النِّساءُ رؤوسهنَّ ناحباتٍ، وأخذهنَّ الشُّرودُ بعيداً. شعرَتِ الأمُّ في تلكَ اللَّحظة أنَّها روحٌ بلا جسد .. وجسدٌ بلا روح، ثمَّ اقتربَتْ من السَّاقيةِ وعيناها تقدحانِ ألماً .. رفعَتْ يديها للسماءِ مردِّدةً:
اللَّعنة عليكِ أيَّتها الحرب الغادرة .. الغادرة! .. وملعونٌ كل مَنْ كانَ سبباً في تشكيلِ اِحمرارِ السَّواقي. "اجتاحَتِ الأشجارُ موجةً من البكاءِ!".
كانتِ الطُّيورُ آنذاك مترامية على اِمتدادِ السَّاقية .. كم كانت عطشى! .. لكنّها أبَتْ أن تشربَ من مياهِ السَّاقية الممزوجة بالدِّماءِ السَّميكة!
مزَّقَتْ أصواتُ الدّبّابات والطَّائرات أغشية الآذان، وتوغَّلَتْ في مخِّ العظامِ. الشَّبابُ في خنادقِهِم الضَّيّقة يتخيَّلونَ شبحَ الموتِ يحومُ حولهم، ويتمنَّونَ العبور في باطنِ الأرضِ، بعيداً عن مخالبِ الإنسان!
وفيما كانَ الشَّباب ينتظرونَ الموتَ، كانت قامات آبائهم وأمَّهاتهم تتماثلُ أمامهم فتكتملُ معهم سيمفونيّة الموت على إيقاعاتِ هذا الزَّمن المجنون!
وأمَّا فراخُ الطُّيورِ! فكانتْ تفتحُ مناقيرَها الغضَّة، تنتظرُ أمَّهاتها كي تبلِّلَ ريقَها الجَّاف، ولكنَّ أمَّهات الطُّيور ماتَتْ وهي في طريقها إلى فراخِها.
مَنْ سيبلِّغُ الفراخَ على موتِ الأمَّهات؟
ومَنْ سيبلِّلُ ريقَها الجَّاف بعدَ موتِ الأمَّهات؟
فجأةً تكسَّرَتْ أغصانُ الأشجارِ وبدأتْ تتهاوى على الحشائشِ المحروقة، وسقطَتْ أعشاشُ الطُّيورِ وتكسَّرَتْ بيوضُها قبلَ أن ترى النُّور!
.. وعلى اِمتدادِ الأقبية العميقة، كانت الخرائطُ الطّبُّوغرافيّة ترتعدُ تحتَ الأيدي القاسية. أحدهم أشارَ إلى أحدِ الأمكنة يريدُ اِختراقه وإبادته تماماً. وآخرون ترتجفُ قلوبهم، ويهزُّون رؤوسهم نحو اليمينِ واليسار، ويتخيَّلون الأطفالَ الَّذينَ هناك، يمدُّونَ أعناقهم نحوَ أثداءِ أمَّهاتهم.
دقَّتْ أشجارُ النَّخيل ناقوس الموتى .. وأعلنَتْ نفيرَها العام بغضبٍ شديد. نهضَتِ الأمّهاتُ الثُّكالى وبدأنَ يرتِّلنَ ترتيلةَ الأحزانِ، فجاءَتْ ترتيلتهنَّ كأنَّها صدى لخريرِ السَّواقي الّتي تراكمَتْ فيها أجنحةِ الشَّبابِ المهروسةِ وجماجمِ الأطفالِ الغضَّة، مفقوءة العيون و ...
آهٍ يا أيُّها الزَّمن الأحمق! .. لماذا يأكلُ الإنسانُ بعضَهُ بعضاً؟!
وهناكَ! .. بجانبِ أحدِ الشَّواطئ البعيدة، وقفَ جنرالٌ أهوج يمسكُ "قصبةً" وينظرُ إلى وجهِ المياه .. ينتظرُ اِهتزازاتِ الخيطِ المتدلّي في الماءِ .. وعلى مقربةٍ منهُ راديو صغير. كانَ المذيعُ يقرأ نشرةَ الأخبارِ .. وكانَ الجنرالُ الأهوجُ يمعنُ النَّظرَ في صفحةِ المياهِ ويقهقهُ بأعلى صوتِهِ، وكأنَّ الجماجمَ البشريّة الَّتي أكلَتْها نيرانُ الحربِ، دُمى خشبيّة يتسلّى بها كما يتسلّى "بقصبتِهِ" على شواطئِ البحار!!

غوثيمبورغ: صيف 1990



#صبري_يوسف (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- [6]. اللّص والقطّة، قصّة قصيرة
- [5]. قتل النَّاطور الحمامة، قصّة قصيرة
- [4]. حالات اِنفلاقيّة قُبَيْلَ الإمتحان قصّة قصيرة
- 3 رنين جرس المدرسة، قصّة قصيرة
- 2 . امطري علينا شيئاً يا سماء! قصّة قصيرة
- المجموعة القصصية الأولى، احتراق حافات الروح، استهلال، [1] اح ...
- خمس مجموعات قصصية المجلّد الأول، مدخل للقصص
- تصفّح العدد السّادس من مجلة السَّلام الدولية الصادرة في ستوك ...
- حملة تضامن مع الشاعرة المبدعة فاطمة ناعوت
- صباح الخير يا مالفا أيّها المرفرف فوق تاج الإرتقاء في سماء ا ...
- إصدار جديد للأديب التَّشكيلي السُّوري صبري يوسف بعنوان: ديري ...
- طفولةٌ مزدانةٌ بأريجِ النّعناعِ البرّي
- كتابةُ الشِّعرِ إنغماسٌ عميق في رحابِ أحزانِنا وأفراحنا
- الكتابة معراج العبور إلى فراديسَ الجنّة، حلمٌ متطايرٌ من مرا ...
- تمتلكُ الفنّانة جاهدة وهبة حنجرة حريريّة صافية من شوائب هذا ...
- قراءة تحليليّة لقصائد الشَّاعر القس جوزيف إيليَّا
- تورنيه كونسيرت مشاهير -في الظِّل- إلى أرقى مسارح السُّويد
- يغوصُ العالم رويداً رويداً نحوَ القاع
- مساجلة شعريّة بديعة بين الشَّاعر أحمد غراب والشّاعر القس جوز ...
- حوار حول السَّلام العالمي مع الكاتب والصّحافي السُّوري يعقوب ...


المزيد.....




- -كائناتٌ مسكينة-: فيلم نسوي أم عمل خاضع لـ-النظرة الذكورية-؟ ...
- مصر.. الفنان بيومي فؤاد يدخل في نوبة بكاء ويوجه رسالة للفنان ...
- الذكاء الاصطناعي يعيد إحياء صورة فنان راحل شهير في أحد الأفل ...
- فعالية بمشاركة أوباما وكلينتون تجمع 25 مليون دولار لصالح حمل ...
- -سينما من أجل غزة- تنظم مزادا لجمع المساعدات الطبية للشعب ال ...
- مشهور سعودي يوضح سبب رفضه التصوير مع الفنانة ياسمين صبري.. م ...
- NOW.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 154 مترجمة عبر فيديو لاروزا
- لماذا تجعلنا بعض أنواع الموسيقى نرغب في الرقص؟
- فنان سعودي شهير يعلق على مشهد قديم له في مسلسل باللهجة المصر ...
- هاجس البقاء.. المؤسسة العلمية الإسرائيلية تئن من المقاطعة وا ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صبري يوسف - [7]. احمرار السَواقي، قصّة قصيرة