أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صبري يوسف - [2]. تسطعُ ديريك فوقَ خميلةِ الرُّوح، قصّة قصيرة














المزيد.....

[2]. تسطعُ ديريك فوقَ خميلةِ الرُّوح، قصّة قصيرة


صبري يوسف

الحوار المتمدن-العدد: 6098 - 2018 / 12 / 29 - 03:46
المحور: الادب والفن
    


2. تسطعُ ديريك فوقَ خميلةِ الرُّوح

إهداء: إلى ديريك، مسقط رأسي!

ملأت الزَّغاريدُ فناءَ الحوشِ، كليليليليلي! العرقُ والفرحُ يتصبَّبُ ويتعانقُ من جباهِ وأحضانِ الجّميعِ، يرقصونَ أمامَ العروسِ، وقبلَ أنْ تقتربَ من عتبةِ بابِ الزَّوجيّة، يفسحونَ المجالَ لواحدٍ من أهلِ العريسِ كي يكسِرَ "الشَّرْبةَ"، أمامَ العروسِ، عربونَ فرحِهم لقدومِها.
تنكسرُ "الشَّربة": جرّة صغيرة، فتتناثرُ السَّكاكرُ والفرنكاتُ، فيهجمُ الأطفالُ لالتقاطِ السَّكاكرِ والفرنكاتِ، ويحرصُ مرافقو العروس أنْ لا يتقدّمُ الأطفالُ عندَ بياضِ فستانِ الإكليلِ الجميلِ، لكن معَ هذا فجموحُ الأطفالِ وفرحُهم لا يمكنُ كبحه، فيرفعُ أحياناً طفلٌ حافّاتِ الثَّوبِ ليلتقطَ فرنكاً من هنا وحبَّاتِ السَّكاكرِ من هناك، ثمَّ يقفُ والبهجةُ مرسومة على محيّاه، ترقصُ الأمُّ وفي يدِها المغرفة، "ملعقة" خشبيّة كبيرة، وفي الأخرى رغيف خبز تنُّور، تنضحُ البهجة من عيونِ الأمِّ والإخوةِ والأخواتِ.
تعبرُ العروسُ متربّعةً صدرَ عشِّ الزَّوجيّة، تلمعُ عينا العريسِ فرحاً، يزدادُ قلبُهُ خفقاناً وسروراً، مشاعرٌ دافئة تغمرُ أجواءَ المكانِ، فسحةٌ صغيرةٌ للرقصِ أمامَ العروسَينِ، الطَّبلُ والمزمارُ يخيّمانِ على الفرحِ، فيمنحانِ الفرحَ فرحاً عميقاً، يعقدونَ الدَّبكاتِ والرَّقصُ يأخذُ مداهُ الحميم، هذا يلتقطُ صوراً للعروسينِ وذاكَ يرقصُ وآخرٌ يمتلِئ قلبَهُ بهجةً، أحدُ الشّبَّانِ يغمز فتاةً في مقتبلِ العمرِ، تتفاجأ، يحمّرُ وجهها خجلاً، يقتربُ منها، ترقصُ الفتاةُ بعدَ قليلٍ فينتهزُ الفرصةَ ويرقصُ معها على إيقاعاتِ "خانمان"، يضحكُ العريسُ والعروسُ هائمةٌ في رحابِ الفرحِ، والدا العريس يموجانِ سروراً.
تطيرُ الحمامُ فوقَ أرجاءِ المكانِ، فرحٌ يغمرُ قلوبَ الجميعِ، حتَّى الأزقّة اِمتلأتْ فرحاً، وأطفالُ الحيّ في حبورٍ عميقٍ، الدّبكاتُ تزدادُ ألقاً، يقومُ عازفُ المزمارِ بتلاوةِ عباراتِ "الشَّاباش" على رأسِ العريسِ، ثمَّ على رأسِ العروسِ فرؤوسِ أهلِ العريسِ والعروسِ والأصدقاءِ، تتناثرُ اللَّيرات فيلتقطُها عازفُ المزمارِ بإنحناءةِ شكرٍ واِحترامٍ، سؤالٌ لا يفارقُني، هلْ تمَّ تسجيلُ وقائع حفلِ الإكليلِ على شريطِ فيديو، كيفَ فاتَنا أنْ لا نسجِّلَ حفلاتِ زفافِ أيَّام زمان، أمْ أنَّ كاميراتِ الفيديو ما كانَتْ قد وصلَتْ آنذاك إلى ربوعِ ديريك؟!..
ديريك آهٍ يا ديريك، سأخبِّئكِ بينَ أجنحةِ القصائد، بين خميلةِ الذًّاكرة، بينَ حنينِ الرُّوحِ إلى تلكَ الأزقّة المزدانة بالطِّينِ والخيرِ الوفيرِ، كم كنْتُ أتمنّى لو تمّ اِلتقاطُ وتسجيلُ دورانَ النَّوارجِ، وهي تدرسُ "قوشات الحنطة"، كانَتْ أكداسُ الحنطة تملأُ البيادرَ فيوزّعُها والدي دوائر دوائر ثمَّ يدرسُها بالجَرْجَرِ: النَّورج، ساعاتٍ وساعات وأيّاماً وأسابيع تلو الأسابيع، وعندما تكتملُ، يكوّمُها كومات كبيرة، وفي ليلةٍ قمراء يهبُّ نسيمُ اللَّيل الغربي فيقومُ والدي بتذريةِ التّبنِ كي يفصلَ حبَّاتِ الحنطة عن التّبنِ، فيتشكَّلُ تبنٌ ناعمٌ جدّاً يسمُّونُهُ "العُوْر"، والتِّبنُ العادي ثمَّ الخشن، وكانوا يطلقونَ على هذا الأخير "القِسْرِهْ"، كانَتْ مخصَّصةً للتنّورِ معَ روثِ البقرِ: "الجلّة"!
كم يؤلمُني أنَّ لحظاتِ التَّذرية وذكرياتٍ كثيرة أخرى في منتهى الرَّوعة والبهاء غير مسجَّلة على شرائط فيديو، آلافُ الذّكريات كانَ لها من الجمالِ الخلَّابِ ما لا أتخيَّلُهُ، كيفَ تتحمَّلُ الذَّاكرةُ كلّ هذه الحميميَّات، تبكي ذاكرتي شوقاً إلى معالم دفءِ الطُّفولةِ واليفاعةِ، حفلات الأعياد، حفلات الأعراس، بهجة الرَّحلات والمشاوير ..
تزغردُ أمُّ العريسِ مرَّةً أخرى ثمَّ يزغردْنَ بقيّة الأمَّهاتِ وتقومُ التَّهاني ركباً ما بينَ الأمّهاتِ، كانَتْ لأمّي تهلهيلة ولا كلَّ التَّهاليلِ، تهلهلُ بنَفَسٍ طويلٍ وصوتٍ نقيٍّ ومفتوحٍ على خدودِ اللَّيلِ.
آهٍ لو تمَّ تسجيلُ صوت تهاليلِها، أشعرُ أنَّ كلّ قصائدي باهتة أمامَ رنينِ تهاليلِها، مَن يدري ربَّما اِستمدّيْتُ رحيقَ شعري من حبقِ زغاريدِها، من نقاوةِ تلكَ التَّهاليلِ، وقصصي! .. ربّما نبتَتْ من بركاتِ منجلِ والدي الَّذي كانَ يحصدُ باقاتِ الحنطة على اِيقاعاتِ بهجةِ الطَّبيعةِ، ترقصُ النُّجومُ مشاركةً فرحةَ العروسينِ، ينامُ اللَّيلُ على إيقاعِ الفرحِ، تدورُ الأيَّامُ والشُّهورُ والسُّنونُ وتبقى ديريك بكلِّ أفراحِها وأتراحِها ساطعةً فوقَ خميلةِ الرُّوحِ!

ستوكهولم: 25 . 9 . 2005



#صبري_يوسف (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- [1]. حيصة وسلال العنب، قصّة قصيرة
- [10]. ترتيلة الرّحيل، قصَّة قصيرة
- [9]. حنين إلى تلاوين الأمكنة والأصدقاء، قصَّة قصيرة
- [8] عمّتي تشتري عظامها من الله، قصّة قصيرة
- [7]. اللّحية واللّحاف، قصّة قصيرة
- [6]. الذَّبذبات المتوغِّلة عبر الجدار، قصَّة قصيرة
- [5]. حنين إلى ديريك بعقلائها ومجانينها، قصّة قصيرة
- [4]. أنا والرَّاعي ومهارتي بِبَيعِ العدس، قصّة قصيرة
- [3]. الكرافيتة والقنّب، قصّة قصيرة
- [2]. الّذكرى السَّنويّة، قصّة قصيرة
- [1]. فراخ العصافير، قصّة قصيرة
- [10]. استمراريّة القهقهات الصَّاخبة، قصَّة قصيرة
- [9]. وللزهور طقوسها أيضاً! ، قصّة قصيرة
- [8]. مشاهد من الطُّفولة، قصّة قصيرة
- [7]. احمرار السَواقي، قصّة قصيرة
- [6]. اللّص والقطّة، قصّة قصيرة
- [5]. قتل النَّاطور الحمامة، قصّة قصيرة
- [4]. حالات اِنفلاقيّة قُبَيْلَ الإمتحان قصّة قصيرة
- 3 رنين جرس المدرسة، قصّة قصيرة
- 2 . امطري علينا شيئاً يا سماء! قصّة قصيرة


المزيد.....




- قطر.. افتتاح مركز لتعليم اللغة الروسية في الدوحة
- نجم فيلم -سبايدرمان-: الفلسطينيون في غزة هم الأهم ويجب تركيز ...
- محمد منير يثير تساؤلات بسبب غيابه عن تكريم مهرجان الموسيقى ا ...
- -جوكر: جنون مشترك-.. لعنة السلاسل السينمائية تُجهز على فيلم ...
- من هو مختوم قولي فراغي الذي يشارك بزشكيان في ذكرى رحيله بترك ...
- أحداث تشويقية لا تفوتك.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 167 مترجمة ...
-  الممثل الخاص لوزير الخارجية يلتقي مع المسؤولين الإعلاميين ف ...
- صور أم لوحات فنية؟ ما السر وراء أعمال هذا الفنان؟
- الإعلان الثاني لا يفوتك.. مسلسل صلاح الدين الأيوبي الموسم 2 ...
- فرحي الأطفال بمغامرات توم وجيري..حدث تردد قناة نتورك CN لمشا ...


المزيد.....

- إيقاعات متفردة على هامش روايات الكاتب السيد حافظ / منى عارف
- الخلاص - يا زمن الكلمة... الخوف الكلمة... الموت يا زمن ال ... / السيد حافظ
- والله زمان يامصر من المسرح السياسي تأليف السيد حافظ / السيد حافظ
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل مسرحية "سندريلا و ال ... / مفيدةبودهوس - ريما بلفريطس
- المهاجـــر إلــى الــغــد السيد حافظ خمسون عاما من التجر ... / أحمد محمد الشريف
- مختارات أنخيل غونزاليس مونييز الشعرية / أكد الجبوري
- هندسة الشخصيات في رواية "وهمت به" للسيد حافظ / آيةسلي - نُسيبة بربيش لجنة المناقشة
- توظيف التراث في مسرحيات السيد حافظ / وحيدة بلقفصي - إيمان عبد لاوي
- مذكرات السيد حافظ الجزء الرابع بين عبقرية الإبداع وتهمي ... / د. ياسر جابر الجمال
- الحبكة الفنية و الدرامية في المسرحية العربية " الخادمة وال ... / إيـــمـــان جــبــــــارى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صبري يوسف - [2]. تسطعُ ديريك فوقَ خميلةِ الرُّوح، قصّة قصيرة