أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صبري يوسف - [1]. حيصة وسلال العنب، قصّة قصيرة














المزيد.....

[1]. حيصة وسلال العنب، قصّة قصيرة


صبري يوسف

الحوار المتمدن-العدد: 6098 - 2018 / 12 / 29 - 00:38
المحور: الادب والفن
    


المجموعة القصصيّة الثَّالثة
العلّوكة والطَّبّكات

الإهداء:
إلى روح أمّي مرّة ثانية وثالثة وألف
إلى روح والدي الَّذي زرع في قلبي روح الفكاهة والبساطة والتَّعاون مع البشر كلّ البشر!
إلى بيتي القديم في ديريك العتيقة، مسقط رأسي
إلى ديريك الَّتي قدّمتني للحياة بين أحضان السَّنابل!

1. حيصة وسلال العنب

إهداء: إلى كروم العنب

كانَ لنا أيام زمان، حمارة تعرجُ قليلاً، اِشتراها والدي بعشرةِ ليرات سوريّة من أحدِ الفلَّاحين الوافدين من القرى المجاورة لديريك، فيما كانَ والدي يتفاوضُ على سعرها مع صاحبِها، نظرَ إليها ولاحظَ أنَّ "صمّكتها" حافرها الأيسر طويل إلى حدٍّ ما، لهذا حسمَ صاحبها لنا من قيمتها، كانَتْ تعرجُ لأنَّ حافرَها ما كانَ يساعدُها على الاِرتكازِ على الأرضِ بشكلٍ جيّد، هزَّ والدي رأسَه متمتماً، عندَها مشكلة في "صمّكتِها" لكنّي سأحلُّ هذه المشكلة خلال فترة قصيرة، أفضل من أن أشتري حمارة بعشرين ليرة.
حالما أصبحَتْ ملكنا، خطَّطَ الوالدُ في اليومِ الثَّاني أنْ يلملمَ عدّتَهُ الَّتي يحتاجُها كي يبدأً بحفِّ نهاياتِ حافرِها، يقصُّهُ ويبْردُهُ على مراحل بهدوءٍ غير مسبوق في عالمِ الفلَّاحين، كنتُ أنظرُ إلى والدي من بعيد، كم كانَ شغوفاً في قصِّ ظلفِها بشكلٍ دقيقٍ وبصبرٍ منقطعِ النَّظير، وكلّما كانَ يجدُ لهُ وقتاً كانَ يحفُّهُ برغبةٍ متواصلة، كأنّهُ يكتبُ أبهى ما لديهِ من نفائسِ الأدبِ، جميلٌ أنْ يكونَ الإنسانُ مخلصاً، وفيَّاً معَ أهدافِهِ وعوالمِهِ في الحياةِ.
الآن! عندما أتذكَّرُهُ وأتذكَّرُ هذهِ الأحداث والمواقف بكلِّ تفاصيلِها، أهمسُ في سرّي قائلاً، يبدو أنَّ هذه الطَّاقات الصَّابريّة والتَّحمُّليّة اِستمدَّيتُها من ذلكَ الوالد الَّذي كانَ هادئاً وصبوراً وقادراً على الوصولِ إلى أهدافِهِ من خلالِ صبرِهِ واِستمراريَّتِهِ الدَّؤوبةِ في العملِ، شخصيّة عصاميّة فلّاحيّة بسيطة، عشقَ عمله وكل ما قامَ بهِ برغبةٍ عميقة وباستمراريّة مدهشة، وبعدَ فترةٍ أصبحَتْ حمارتنا تسيرُ من دونِ أنْ تعرجَ، فجمَعَنا والدي في حوشِنا الكبير في بيتِنا العتيقِ، وقالَ لنا اليوم سأطلقُ إسماً على حمارتِنا.
نظرْتُ إليهِ قائلاً: ماذا ستسمِّيها يا بابا؟
سأطلقُ عليها إسم "حيصة".
وماذا تقصدُ بهذا الإسم، وهلْ لهُ معنى ما لديكَ؟
ضحكَ والدي وبدأ يسخرُ منّي، قائلاً أنا أدخلتُكَ في المدارسِ كي تتعلَّمَ شيئاً ما وتفيدُنا بهِ، لا أنْ تسألَني عن معنى حيصة؟!
يا بابا أنا الآن في الصَّف الأوَّل وهذه الكلمة جديدة علي، فنوّرنا أنتَ ما تعنيه بـ "حيصتِكَ؟!
نظر والدي نحوي وهو يضحكَ ضحكة خفيفة وقالَ، حيصة يا ابني تعني سريعة مثل الحصاية، أي كالحصى.
لكنَّها ليسَتْ سريعة مثلَ الحصاية.
بالنِّسبةِ لي هي مثلَ الحصاية فهيَ أسرع منّي ومنكَ ومن إخوتكَ ومن نساءِ ورجالِ الحيِّ وهي محمَّلة بأربعةِ سلالٍ من العنب!
نظرْتُ إلى والدي مندهشاً بأفكارِهِ، وطريقةِ تحليلِهِ، أتذكَّرُ جيّداً أنَّني كنتُ أركبُ على حمارتِنا عندما كنّا نذهبُ إلى كرمِنا، نلمُّ عناقيد العنب بمتعةٍ كبيرة في الصَّباح الباكر، ونملأُ أربعةَ سلالٍ خلال وقتٍ قصير، وعندما كنّا نعودُ إلى سوقِ المدينة كي نبيع العنب، ما كانَ والدي يسمحُ لي أنْ أركبَ عليها، لأنَّها كانت محمّلة بسلالِ العنبِ، فكنْتُ أقولُ لهُ، لماذا يا بابا لا تسمحُ لي أنْ أركبَ عليها؟ فكانَ يجيبُني: خطيّة، الدّابة حيوان الله، تتعبُ هي أيضاً، فأربعُ سِلالٍ مملوءة بالعنبِ وأنتَ لو ركبْتَ عليها، سيصبحُ حملها ثقيلاً، ثمَّ أنّكَ تستطيعُ أنْ تمشي أكثرَ منّا، فلماذا لا تمشي وتتركُها مرتاحةً في حملِها؟! أعجبني تعاطف والدي معها، فما كانَ يحمِّلُها فوقَ طاقتِها كي تسيرَ مرتاحة بحملِها وتكونَ مُهيَّأة للعملِ في كلِّ الأوقات!
أتساءَلُ، كم من السِّلالِ حملَتْ حيصتُنا على اِمتدادِ سنواتٍ وسنوات، وكمْ مِنَ الخدماتِ الجانبيّة قدّمته لنا ولغيرنا، وما كانَتْ تتأفَّفُ أبداً، تكتفي بقليلٍ من العشبِ والعلفِ، بينما الآن أجدُ بعضَ قادة العصرِ ونحنُ في بدايةِ القرنِ الحادي والعشرين، يهطلونَ وابلَ سمومِهم على البلادِ والعبادِ، ولا يقلقونَ على موتِ آلافِ بل ملايين البشر في هذا الكونِ الفسيحِ. أنا متأكِّدٌ أنَّ حمارتَنا حيصة ذات الحافر المتطاول قدَّمَتْ خدمات لنا، للإنسانِ أكثر ممّا يقدِّمُهُ بعض هؤلاء القادة، لأنَّي أرى جنون الحروب والصِّراعات تتفاقمُ خلال حكمهم عاماً بعد عام! وسؤالي المفتوح، ماذا تفيدُنا تقنيّاتهم وتكنولوجيَّاتهم وعلومهم وطائراتهم، طالما يهطلونَ سمومَهم على أطفالِ وكهولِ وشيوخِ بلدانٍ مشتعلةٍ بالنّارِ، دونَ أنْ يرمشَ لهم جفن؟! مع أنّهم يستطيعوا بكلِّ بساطة إيقاف هذه الحروب ووضع حدٍّ لهذه الويلات.
أنا أرى أنَّ حمارتنا حيصة، نعم حيصة تقدِّمُ خدمات أفضل من هكذا سياسات ومن كلّ مَنْ يفكِّر بهذا الشَّكل الوحشي الأهوج في دمار البشر في الكثير من بلدان العالم، لأنَّ الكثير من توجّهاتهم تصبُّ في تناحراتٍ وصراعاتٍ مميتة، تنتهي بشكلٍ مخيف في بُركِ الدَّم، وكأنَّهم من فصائل وحوشِ البراري!

ستوكهولم: 7 . 8 . 2006



#صبري_يوسف (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- [10]. ترتيلة الرّحيل، قصَّة قصيرة
- [9]. حنين إلى تلاوين الأمكنة والأصدقاء، قصَّة قصيرة
- [8] عمّتي تشتري عظامها من الله، قصّة قصيرة
- [7]. اللّحية واللّحاف، قصّة قصيرة
- [6]. الذَّبذبات المتوغِّلة عبر الجدار، قصَّة قصيرة
- [5]. حنين إلى ديريك بعقلائها ومجانينها، قصّة قصيرة
- [4]. أنا والرَّاعي ومهارتي بِبَيعِ العدس، قصّة قصيرة
- [3]. الكرافيتة والقنّب، قصّة قصيرة
- [2]. الّذكرى السَّنويّة، قصّة قصيرة
- [1]. فراخ العصافير، قصّة قصيرة
- [10]. استمراريّة القهقهات الصَّاخبة، قصَّة قصيرة
- [9]. وللزهور طقوسها أيضاً! ، قصّة قصيرة
- [8]. مشاهد من الطُّفولة، قصّة قصيرة
- [7]. احمرار السَواقي، قصّة قصيرة
- [6]. اللّص والقطّة، قصّة قصيرة
- [5]. قتل النَّاطور الحمامة، قصّة قصيرة
- [4]. حالات اِنفلاقيّة قُبَيْلَ الإمتحان قصّة قصيرة
- 3 رنين جرس المدرسة، قصّة قصيرة
- 2 . امطري علينا شيئاً يا سماء! قصّة قصيرة
- المجموعة القصصية الأولى، احتراق حافات الروح، استهلال، [1] اح ...


المزيد.....




- قطر.. افتتاح مركز لتعليم اللغة الروسية في الدوحة
- نجم فيلم -سبايدرمان-: الفلسطينيون في غزة هم الأهم ويجب تركيز ...
- محمد منير يثير تساؤلات بسبب غيابه عن تكريم مهرجان الموسيقى ا ...
- -جوكر: جنون مشترك-.. لعنة السلاسل السينمائية تُجهز على فيلم ...
- من هو مختوم قولي فراغي الذي يشارك بزشكيان في ذكرى رحيله بترك ...
- أحداث تشويقية لا تفوتك.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 167 مترجمة ...
-  الممثل الخاص لوزير الخارجية يلتقي مع المسؤولين الإعلاميين ف ...
- صور أم لوحات فنية؟ ما السر وراء أعمال هذا الفنان؟
- الإعلان الثاني لا يفوتك.. مسلسل صلاح الدين الأيوبي الموسم 2 ...
- فرحي الأطفال بمغامرات توم وجيري..حدث تردد قناة نتورك CN لمشا ...


المزيد.....

- إيقاعات متفردة على هامش روايات الكاتب السيد حافظ / منى عارف
- الخلاص - يا زمن الكلمة... الخوف الكلمة... الموت يا زمن ال ... / السيد حافظ
- والله زمان يامصر من المسرح السياسي تأليف السيد حافظ / السيد حافظ
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل مسرحية "سندريلا و ال ... / مفيدةبودهوس - ريما بلفريطس
- المهاجـــر إلــى الــغــد السيد حافظ خمسون عاما من التجر ... / أحمد محمد الشريف
- مختارات أنخيل غونزاليس مونييز الشعرية / أكد الجبوري
- هندسة الشخصيات في رواية "وهمت به" للسيد حافظ / آيةسلي - نُسيبة بربيش لجنة المناقشة
- توظيف التراث في مسرحيات السيد حافظ / وحيدة بلقفصي - إيمان عبد لاوي
- مذكرات السيد حافظ الجزء الرابع بين عبقرية الإبداع وتهمي ... / د. ياسر جابر الجمال
- الحبكة الفنية و الدرامية في المسرحية العربية " الخادمة وال ... / إيـــمـــان جــبــــــارى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صبري يوسف - [1]. حيصة وسلال العنب، قصّة قصيرة