أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صبري يوسف - [5]. إيقاعاتُ الشَّخير، قصّة قصيرة















المزيد.....

[5]. إيقاعاتُ الشَّخير، قصّة قصيرة


صبري يوسف

الحوار المتمدن-العدد: 6098 - 2018 / 12 / 29 - 22:20
المحور: الادب والفن
    


5 . إيقاعاتُ الشَّخير

تأمَّلَ همهماتِ سكونِ اللّيلِ بشغفٍ غير مسبوق، كأنّهُ في اِنتظارِ أنْ يكتشفَ ما يخبِّئُهُ تحتَ عباءَتِهِ، أقبلَ اللَّيلُ فارشاً أجنحتَهُ فوقَ أحلامِ مدينةٍ وديعةٍ، هدوءٌ مسربلٌ بنسيماتٍ نديّة خيّمَ على أجواءِ المكانِ، تناهَتْ إلى أذنيهِ خشخشاتُ بعضَ الفئرانِ الَّتي خرجَتْ من جحورِها وعبرَتْ تحتَ أكوامِ عيدانِ الكرسبانِ، (أغصان الدّاليات) المجفّفة كحطبٍ للتنّورِ، خرجَتْ تبحثُ عن لُقيماتِ خبزٍ يابسةٍ أو حبّاتِ الحنطةِ المتسرّبةِ مِنْ أكياسٍ متموضعةٍ في زاويةِ الإيوانِ الصَّغيرِ، قطّتانِ تحومُ بحذرٍ شديدٍ حولَ الكرسبانِ، تنتظرُ خروجَ الفئرانِ كي تنقضَّ عليها في عتمِ اللَّيلِ، تكوَّرَ قنفذٌ في ركنٍ قصيٍّ من الممرِّ الَّذي ينتهي عندَ أبوابِ الأكواخِ القريبةِ من نافذتِهِ.
نظرَ نحوَ الزّقاقِ المتاخمِ لبيتِهِ، فرأى بعضَ الخفّاشِ يطيرُ بشكلٍ اعتباطي. تمتمَ متسائلاً نفسَهُ، هلْ لا يرى الخفّاشُ في دكنةِ اللّيلِ، أم يعتمدُ على حساسيّتِهِ خلالَ الطَّيرانِ. أمسكَ قلمَهُ ثمَّ استرخى على بطنِهِ على فراشٍ سميكٍ من الصُّوفِ، وضعَ وسادةً كبيرةً تحتَ صدرهِ ثمَّ فرشَ أوراقَهُ البيضاء وبدأَ يكتبُ ما تدفَّقَ عليهِ بعض الخواطر من خلالِ الهواجسِ الّتي راودَتْهُ أثناءَ النّهارِ.
غطَّتِ المدينةُ في سباتٍ عميقٍ، اِبتسمَتِ النُّجومُ للعشَّاقِ الّذينَ يلتقونَ خلسةً، ما أجملَ تلألؤاتها وسطَ عتمِ اللَّيلِ، تُشبِهُ كائناتٍ حيّة متعانقة معَ بعضِها بعضاً، بدَتِ النُّجومُ وكأنّها في حالةِ فرحٍ دائمٍ معَ سطوعِ ضياءِ القمرِ، من خلالِ بسمةِ تَلألؤاتِها المنبعثةِ مِنْ بهائِها الجميلِ!
آهٍ .. الكثيرون يبحثونَ عن الحبِّ والفرحِ الّذي ضاعَ بينَ ثنايا العمرِ، تاهَ العمرُ في مهبِّ الحياةِ، بعضُ الرِّجال يتوافدونَ إلى المقاهي وينـزوونَ وراءَ الكواليسِ، وهناكَ يتسرَّبُ الدُّخانُ إلى مساماتِ جلودِهم، يشربونُهُ بشراهةٍ، أحدُهم ينظرُ إلى ساعتِهِ وآخرٌ يطفِئ سيجارتَهُ بغضبٍ، لا يملُّونَ من الجلوسِ على الكراسي ساعاتٍ طوال. هذا يخرجُ مزهوَّاً وذاكَ رأسُه يدورُ.
قرعَ البابَ بغضبٍ، كعادتِهِ في أغلبِ اللَّيالي، كانَتِ الزَّوجةُ والأولادُ يحلمونَ أحلاماً متلاطمة. جفلَتِ الزَّوجةُ مذعورةً ونهضَتْ من فراشِها نصفَ نائمة ثمَّ هرعَتْ تفتحُ البابَ، دخلَ المنزلَ دونَ أنْ يلقي التّحيّةَ، ثمَّ بدأ يبربرُ باسطوانتِهِ المشروخة كلَّ ليلةٍ، نقاشٌ حادّ دارَ بينهما، تخلَّلَهُ إهانات متواصلة، ظلّتِ الزَّوجةُ تستكينُ لهُ، تعرفُ عادَتَهُ وفظاظاتهُ ولسانَهُ البذيء وسَكَرَهُ ومقامراتهِ وخسائرهِ وهزائمِهِ الّتي لا تُحصى في الكثيرِ من مجالاتِ الحياةِ، وأهمّها فشلَهُ الذّريعِ في رعايةِ أسرتِهِ والإشرافِ عليها، فقد أهملها إلى درجةِ أنّهُ مجرّد زوج بالإسم، وفي سجلّاتِ النّفوسِ لا أكثر. نظرَتْ الزّوجةُ إلى السّاعةِ المعلّقةِ في صدرِ البيتِ، كانَ الوقتُ يشيرُ إلى ما بعدَ منتصفِ اللَّيلِ.
جفلَ الأولادُ بخوفٍ كبيرٍ ثمَّ غاصوا في بحرٍ من العويلِ والصّراخِ والبكاءِ. طفلٌ رضيعٌ بكى بكاءً يمزِّقُ الأبدانَ وسعالٌ متقطِّعٌ كانَ يرافقُ البكاءَ. الابنُ الأكبرُ في العاشرةِ من عمرِهِ توسَّلَ لوالدِهِ قائلاً:
أرجوكَ يا بابا لا تضربْ أمِّي، التمسَ الرّجاءَ ببكاءٍ عميقٍ يمزِّقُ الأبدانَ، ووقفَ بينَهُ وبينَ والدتِهِ محاولاً الدِّفاعَ عنها، دفعَهُ والدُهُ فوقعَ أرضاً، ثمَّ بدأ يضربُ زوجتَهُ، مع أنّها لمْ تعملْ ما يغيظُهُ ولو بكلمة.
أمرَكَ غريب يا رجّال، بسْ بدّي أفهم شو عملت لحتّى تضربني وتمرمرني وتخلّي كل أولادي يبكون، أنتَ برّة حتّى أنصاصِ اللَّيالي، تلعب قمار، والله يعلم أين تروح وأين تجي، ثمَّ تأتي وتضربنا وتدخل الرُّعب في قلوب أولادك، ما هذه الحالة معك، كل يوم، كل ليلة نفس العذاب ونفس المشاكل. رفعت يديها للسماء وبدأت تقول، يارب تأخذ روحي مشان أرتاح من هذا الجحيم الّذي أنا فيه.
ماذا قلتِ؟ بالجحيم الَّذي أنتِ فيه!
أي نعم بالجحيم الَّذي أنا فيه، يعني حضرتك معيّشني في النّعيم، بذمّتك في أكثر من هيك جحيم!
ترفعينَ صوتَكِ عليّ، أنتِ نسيتِ أنّكِ مرتي!
لا لم أنسَ أنّني مرتك، وأم أولادك، لكنّك أنتَ نسيتَ أنَّني مرتك وأم أولادك وأخدمك ليل نهار.
والله صار عندك لسان وتردّين عليّ!
نعم سأردّ عليك، طفحَ الكيل طفحَ الكيل!
طفحَ الكييييييل، طيّب! سأريكِ كيفَ يطفحُ الكيلُ، سحبَ قشاطه الجلدي من خاصرتِهِ وبدأ يضربُها أينما جاءَ قشاطَهُ العريض إلى أن ازرقَّ جسمُها وهي تبكي وتحاولُ أن تحمي نفسَها بيديها لكن القشاط كان يأخذُ طريقه إلى لحمِها الطَّريِّ من دونِ رحمة. حاولَ وسط هذا العراك أن يتدخّلَ الابن الأصغر، يريدُ أن يتكلَّمَ معَ والدِهِ ولكنَّهُ لم يستطِعْ، عيناهُ كئيبتان ومغرورقتانِ بدموعِ القهرِ والألمِ، انعقدَ لسانُهُ وارتجفَتْ شفتاه وعبثاً لمْ يستطِعْ أن يفتحَ فمَهُ بكلمة. حالةُ رعبٍ هيمنَتْ على قلوبِ الأولادِ، الجوُّ كانَ مكثَّفاً بالألمِ والأنينِ، تجمَّدَ الدمُ في قلوبِهم.
سحبَ شهيقاً عميقاً بعدَ أنْ ضربَها ضرباً مبرّحاً، ثمّ قالَ لها، أكلْتِ نصيبَكِ، كي تتأدّبي مرةً أخرى ترفعي صوتَكِ علي وتقولي طفحَ الكيل، تفضّلي الآن اعملي لي عشاء وإلَّا سأزيد جسمك ازرقاقاً.
ذهبَتْ باِنكسارٍ إلى المطبخِ وهي تبكي بأسى، فهرعَ أولادُهَا نحوَهَا وهم يبكونَ، سألَها ابنُها الصَّغير لماذا ضربَكِ بابا كل هذا الضّرب، معَ أنّكِ حنونة جدّاً علينا يا ماما؟!!!
اِزادادَ بكاؤها بكاءً ثمَّ حضنَتْ أولادَها وبدأتْ تمسحُ دموعَهم، وتقبّلُهم بحنانٍ وتهدِّئُ من روعِهم، وبقلبٍ منكسرٍ حضّرَتْ عشاءً وقدّمَتْهُ لزوجِها.
تعشَّى الزّوجُ بشراهةٍ بشعةٍ، وكانَ الطَّعامُ يتطايرُ من فمِهِ بتقزُّزٍ.. وعندما اِنتهى من تناولِ العشاءِ، نظرَ إليها نظرةً غاضبة، وكأنّهُ يريدُ أنْ يقولَ لها، هل ستقولينَ مرّةً أخرى طفحَ الكيل، أو ترفعي صوتَكِ عليّ؟! ثمَّ توجَّهَ مباشرةً نحوَ فراشِهِ، وتوجَّهَتْ هي نحوَ أولادَها .. ألقَتْ نظرةً عليهم وغطَّتهم واحداً .. واحداً وظلَّتْ بجانبِهم إلى أنْ ناموا، وعادَتْ تمعنُ النَّظرَ بزوجِها الّذي أخذَ مساحةً كبيرةً مِنَ السَّريرِ. أرخَتْ جسدَهَا على مقربةٍ منْهُ تماماً، ومعَ كلِّ ما حصل، بدأتْ تلامسُ كتفَهُ وكلَّما كانَتْ تلامسُهُ، كانَ يزدادُ تواصلاً معِ "أهلِ الكهفِ"! .. تنفَّسَتْ بألمٍ وزفرَتْ زفيراً مكتوماً ثمَّ بدأَتْ كعادتِها تتواصلُ معَ دموعِها على إيقاعاتِ شخيرِهِ المتقطِّعِ، وكانَتْ تشعرُ أنَّ إيقاعات شخيرِهِ أشبهُ ما تكونُ بسيفٍ مسمومٍ يتوغَّلُ في أعماقِها ويعكِّرُ هدوءَ الّليلِ الجميل!

ديريك: 2. 2. 1987 صياغة أولى
ستوكهولم: 16. 11. 2016 صياغة نهائيّة



#صبري_يوسف (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- [4]. الطُّفل والأفعى، قصّة قصيرة
- [3]. نوال ودلال وعيدانيّة بالدَّين، قصّة قصيرة
- [2]. تسطعُ ديريك فوقَ خميلةِ الرُّوح، قصّة قصيرة
- [1]. حيصة وسلال العنب، قصّة قصيرة
- [10]. ترتيلة الرّحيل، قصَّة قصيرة
- [9]. حنين إلى تلاوين الأمكنة والأصدقاء، قصَّة قصيرة
- [8] عمّتي تشتري عظامها من الله، قصّة قصيرة
- [7]. اللّحية واللّحاف، قصّة قصيرة
- [6]. الذَّبذبات المتوغِّلة عبر الجدار، قصَّة قصيرة
- [5]. حنين إلى ديريك بعقلائها ومجانينها، قصّة قصيرة
- [4]. أنا والرَّاعي ومهارتي بِبَيعِ العدس، قصّة قصيرة
- [3]. الكرافيتة والقنّب، قصّة قصيرة
- [2]. الّذكرى السَّنويّة، قصّة قصيرة
- [1]. فراخ العصافير، قصّة قصيرة
- [10]. استمراريّة القهقهات الصَّاخبة، قصَّة قصيرة
- [9]. وللزهور طقوسها أيضاً! ، قصّة قصيرة
- [8]. مشاهد من الطُّفولة، قصّة قصيرة
- [7]. احمرار السَواقي، قصّة قصيرة
- [6]. اللّص والقطّة، قصّة قصيرة
- [5]. قتل النَّاطور الحمامة، قصّة قصيرة


المزيد.....




- تابع HD. مسلسل الطائر الرفراف الحلقه 67 مترجمة للعربية وجمي ...
- -حالة توتر وجو مشحون- يخيم على مهرجان الفيلم العربي في برلين ...
- -خاتم سُليمى-: رواية حب واقعية تحكمها الأحلام والأمكنة
- موعد امتحانات البكالوريا 2024 الجزائر القسمين العلمي والأدبي ...
- التمثيل الضوئي للنبات يلهم باحثين لتصنيع بطارية ورقية
- 1.8 مليار دولار، قيمة صادرات الخدمات الفنية والهندسية الايرا ...
- ثبتها أطفالك هطير من الفرحه… تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- -صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...
- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صبري يوسف - [5]. إيقاعاتُ الشَّخير، قصّة قصيرة