أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - فاضل الخطيب - الدين أهم أسباب تخلفنا وغربتنا في هذا العالم















المزيد.....

الدين أهم أسباب تخلفنا وغربتنا في هذا العالم


فاضل الخطيب

الحوار المتمدن-العدد: 6038 - 2018 / 10 / 29 - 22:39
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


قد يكون السؤال الغريب بين الكثير من الأسئلة المنطقية، هو "لماذا يوجد سلام"؟ وهو رد على سؤال آخر، هو "لماذا توجد الحرب"؟
خلال التاريخ البشري يبدو كما لو أن الجنس البشري كان في حالة حصار مستمر. رائع الاعتقاد عن تاريخنا، أن الإنسان، الإنسانية، أصبحت متحضرة وإنسانية. جميل الاعتقاد بأن اليوم هناك معاناة أقل في العالم مما كانت عليه قبل 100 أو ألف سنة. إذا فكرنا في نتائج الاختراعات والاكتشافات العلمية، فيمكن القول فعلاً أننا سعداء. إذا فكرنا في القرن العشرين، أو في السنوات السورية الثمانية، فيمكننا أن نبكي على كل شيء، وعلى المليارات الثلاثة أو الأربعة التي تعيش في فقر مدقع، وعن المليارات من الحيوانات الجائعة التي تفقد مكانها المعيشي..
إن كان عندنا، أو عند بعضنا القدرة على الإجابة، آخذين بعين الاعتبار تلك التغيرات التي مرت بها أو تجاوزتها البشرية، من عصر المجموعات الدموية المتناحرة في القدم، إلى مجتمعات يومنا هذا، لكن هل فعلاً حدث كل ذلك حقاً كما ترويه كتب التاريخ والدراسات والأبحاث؟ وهل يتراجع العنف كما يدعي العديد من مفكري الغرب، أم أنه مجرد رؤية خيالية وقع بها هذا المفكر أو ذاك؟..
الحروب القبلية الأفريقية، والربيع العربي، ارتفاع منسوب إرهاب القاعدة أو داعش في أوربا ثم انحساره، الأسلحة النووية لكوريا الشمالية وضم شبه جزيرة القرم إلى روسيا، ومذبحة الروهينغا في ميانمار، التحرش الجنسي للأطفال والعبودية الجنسية، التلوث البيئي. قد تكون هذه بعض الأخبار العشوائية المتفرقة من حصاد السنوات العشر أو أكثر قليلاً الماضية- وهذا يدعونا وبحق إلى الاعتقاد، أننا فعلاً لا نعيش أفضل حقبة زمنية سلمية في تاريخ البشرية. يقول البعض في الغرب أنه اختفت من حياتنا الغرائز الأساسية التي كنا نعتقدها من مميزات البشر، ويمكن القول أنه إذا قمنا بفحص المجموعات البشرية ونسبة الوفيات غير الطبيعية، أي نتيجة العنف ولفترة زمنية طويلة، فإنه يمكننا القول، أن أوربا الغربية واسكندنافيا في بداية القرن الواحد والعشرين، هي أكثر منطقة تعيش بدون عنف ومنذ عشرة آلاف سنة، ويمكن تسميتها فعلاً بالحزام الخالي من العنف، وسكانها أكثر الجماعات البشرية التي تعيش في أمان وسلم، ويمكن أيضاً الاستنتاج، أنه منذ القرن التاسع عشر، صارت البشرية أكثر لطفاً وتعايشاً مع بعضها..
لقد أثرت أحداث العنف تاريخياً على التغيرات البيولوجية المعرفية والتطورية للإنسان، فبعد الانتقال من حياة ”الفوضى“ إلى حياة المجتمع، وتحول مجموعات الصيد إلى الزراعة في مرحلة استقرار وسلام نسبي، انخفضت عدد حالات الوفيات الناجمة عن العنف؛ وبعد أن ظهرت البنية التحتية المركزية وظهرت الحكومات والتجارة من أواخر العصور الوسطى إلى القرن السابع عشر، انخفض عدد جرائم القتل في الدول الأوروبية بشكل كبير، ومع حلول عصر التنوير وانحسار الخرافات والسحرة المشعوذين مع ظهور الطابع المؤسساتي للسلطة القضائية انحسرت، بل زالت تجارة الحروب والعبودية بشكل عام، وساد سلام طويل خلال فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية عندما انتهت حروب الدول العظمى، لينتهي العنف أو يضمحل أكثر بعد انتهاء الحرب الباردة عندما بدا أن العدائية ضد النساء والأطفال والمجموعات العرقية والمثليين والحيوانات قد تقلص كثيراً أيضاً..
بالإضافة إلى التوقف عند ملامسة القوى التاريخية والنفسية للعنف، لابد من التأكيد على دور احتكار الدولة للعدالة من حيث المبدأ إلى جانب الدين، ضمان عمل التجارة مثلاً، ظهور مميزات عالمية مثل محو الأمية، التنقل، وسائل الإعلام، التضامن، وتوسع مفاهيم العقلانية وأهمية المعرفة، مثلاً العنف ليس مجزيا..
قد يكون عدم الشعور بانخفاض العنف اليوم هو بسبب انتشار وتأثير دور وسائل الإعلام. أما بالنسبة للتقارير الإخبارية، فيمكن القول أنه في كل يوم هناك جريمة قتل وهياج وإساءة معاملة الأطفال وإشعال الحرائق والتظاهر والصدام المسلح والسطو..إلخ. أي أن سفك الدماء على شاشاتنا أصبح يدخل حياتنا اليومية بشكل طبيعي، بل صارت الشاشة جزء من حياتنا. وأعتقد أن هذا هو السبب في أن مؤشرات السعادة تسقط ويزداد الشعور بالقلق لدى غالبية الناس، على الرغم من أن جودة الحياة تنمو في كل مكان. اليوم، وبشكل عام، لم نعد نخاف من حقيقة أنهم سيحرقون منزلنا، ويسرقوننا خلال ذهابنا للعمل، ويخطفون أطفالنا، ويقتلوننا فقط بسبب انتمائنا الديني أو الجنسي أو القومي، لكنه لا يمكن التنبؤ إلى متى يبقى هذا التفاؤل الذي يعكس نسبة كبيرة جداً في المجتمعات الغربية. رغم ذلك، نرى إلى جانب تجاربنا عن رعب الحياة/الواقع الذي نعيشه، هناك شعور بالشك حول إمكانية السير نحو "أفضل لهذا العالم" أو "نهاية التاريخ". وإذا أخذنا بجدية التلوث البيئي الذي يهدد الحياة في المستقبل على هذا الكوكب، فإن ذلك الشك والتشاؤم يصبح مشروعاً ويستحق التوقف عنده أكثر، سيما أنه تزداد الهوة بين سرعة التطور التكنولوجي العلمي وبين بطئ تطور الشعور بالمسؤولية لدى الإنسان..
قد يبدو ما أريد قوله في الفقرة التالية، وهو جوهر كل تلك المقدمة الطويلة، أن هذا الإقحام القسري لمسألتين متباعدتين يدعو للتسؤال غير البريئ عن نيتي الخبيثة التي تحاول ربط كل شيء بالإسلام، لكنني أعتقد، أن الجانب الديني في سلوك وحياة مليار ونصف مليار إنسان على هذا الكوكب، يساهم بشكل ملحوظ في رسم خريطة حياة البشرية لاحقاً، وهو يحدد ليس فقط موقفه من العالم، بل موقف العالم منه. وإن أردنا تبسيط الواقع الذي نعيشه، فإنه يمكننا القول اليوم أنه يقف الإسلام في خندق، والعالم في خندق آخر. كان رجال الدين هم الدولة والحكم، ثم تقاسموها مع السلطة، ثم تراجع دور الدين ورجاله عن السلطة والدولة، إلا الدين الإسلامي وغالبية معتنقيه يؤمنون أن الإسلام هو دين ودولة، أو على الأقل يحاولون مزاوجة الاثنين مع بعضهما، وهنا لا نستطيع استثناء أي دولة إسلامية من ذلك، بما فيه الأنظمة المستبدة العسكرية مثل نظام الأسد أو السادات أو السيسي أو أردوغان أو حكام الخليج والجزائر وغيرها..
لم يدخل الألمان حقبة العلمانية الديمقراطية إلا بعد أن أعلنوا إدانتهم الصريحة ورفضهم فكر النازية، أي أنهم لم يقوموا بلفلفة موقفهم واستخدام نخبتهم شروحات فاضية وهروب من مواجهة واضحة غير قابلة للتأويل حول محاربتهم للنازية كفكر وتثبيت ذلك في العقد الإجتماعي/الدستور، وفي خطابهم للعالم أجمع، بل هم اعتذروا عن تلك الجرائم التي تسببت بها شريحة من الألمان ودولتهم خلال الحرب العالمية الثانية. هذا ما يحتاجه المسلمين كي يتجاوزا أزمة الإسلام مع الحضارة والعصر..
بدل استخدام أموال النفط لنهضة شعوب المنطقة وتطويرها والانخراط بالعالم، استخدمت دول النفط العربية وإيران ثرواتها في تسويق البداوة في الغرب، وهذا عكس أخطاراً مضاعفة على شعوب تلك الدول وعلى غيرها أيضاً، بل ساهم في خلق مزاج ديني للتكفير والاستعلاء على الآخرين، سرعان ما ارتد بقسوة فظيعة على شعوب تلك البلدان وعلى الدين الإسلامي وربطه بالبداوة في نظر العالم..
ليس كل المسلمين متشددين، وليس كل المسلمين المتشددين إرهابيين وتكفيريين، لكننا نرى اليوم ومنذ عقود تقريباً، أن غالبية الإرهابيين التكفيريين في العالم مسلمين، سواء كانوا سنة أو شيعة، وفي الغرب لا يستطيعون التمييز بين حجاب الشيعية أو السنية، بين لحية الشيعي ولحية السني..
أنا هنا لا أريد إقناع أحد، أو تغيير موقفه، ولا أعتب على أي واحد لم يستطع التخلص من لوثة التكفير والاستعلاء التي رضعها وهو طفل صغير، ومازال. بدل أن يخجل المسلم، وأكررها أن يخجل كل مسلم مؤمن بالإسلام من نفاياته التي يحملها ويحافظ عليها بكل أمانة ملايين شيوخ دينهم ومؤسساتهم الدينية التعليمية التثقيفية، يحاول غالبيتهم الساحقة، إما تجاهل ذلك، أو محاولة الشرح والتفسير، أو محاولة الهروب الغبي بتردادهم أن تلك ومثلها موجودة عند الجميع، والكارثة، أن ذلك لا يقتصر على الغلابة متابعي هؤلاء الشيوخ وجمهور "آمين"، بل يطال غالبية أساتذة جامعاتهم ومفكريهم وفلاسفتهم، ولا يستطيع أيّ منهم الاستشهاد بأمثلة وأدلة عصرية حول "عند الجميع"، لكنهم غالباً يستشهدون بإبادة الهنود الحمر، بملك بلجيكا والإبادة التي قادها في أفريقيا، بهتلر وستالين، وكأن الرحمة والمحبة والتعايش انتفض في عروقهم وتناسوا ثقافة التكفير، والمضحك المبكي، أن الكثير من غير المسلمين في بلادنا، يشاطرونهم الموقف، يعني يبرر "الذميّ والزنديق والمرتد القرمطي الكافر" ذلك التكفير وتلك اللوثة المحمولة في لوح محفوظ، بل في جماجم محفوظة، وكأن إجرام هتلر وملك بلجيكا وستالين وغيرهم، يعطي تبريرات إرهابية لهم!. عند تناول اسم إبن تيمية مثلاً، كما حاول أحد صحافيي قناة الجزيرة تسويقه قبل فترة، وبطريقة تستهزئ بعقول أتباعهم، وتؤكد للعالم تمسكهم بثقافة عدم التعايش مع الآخر من خلال التمسك بتلك الثقافة والدفاع عن رموزها، ونادراً جداً أن تجد من المسلمين من يقول، أن فتاوى التكفير التي يتم الدفاع عنها وتدريبسها في الجامعات والثانويات والجوامع أو تبريرها، مخجلة وعار يصيب كل من قال لا إله إلا الله محمد رسول الله، بل نرى اللف والدوران في البحث عن مفردات لا تعلنها صراحة إدانتها ورفضها وعدائها لهذه الثقافة التكفيرية، وغالباً يكون الدفاع عن ذلك بدون أي حرج أو خجل..
لا أريد إفساد تفاؤل أحد، لكن السوري الذي سار بعشرات المسيرات تأييداً للأسد وعلى مدى عقود، ثم تظاهر ضد الأسد في الشهور الأولى للثورة، ثم تظاهر للدفاع عن جبهة النصرة والإسلام السياسي، ثم تظاهر ضد جبهة النصرة، ثم عاد يتظاهر ضد النظام، وخلال تلك الانعطافات المتعددة ربما تظاهر مرتين تلاثة رافعاً صور ”الرئيس“ بشار الأسد في مناطق "مصالحاته"، يعني هيك مواطن وطني لا طائفي، سوري وبس، قديش بيطلع منه دسم ثوري؟!. يحاول البعض تأكيد أن الثورة منتصرة بالاستشهاد أن الثورة الفرنسية استمرت عشر سنوات وبقيت قرابة مائة عام حتى انتصرت أفكارها، الثورة التي استندت إلى أفكار روسو ومونتسكيو وفولتير، أو عصر التنوير، يعني يا جماعة صلّوا على النبي، أيّ مقارنة بين شعارات الثورة الفرنسية قبل 230 سنة و"فكر الأنوار"، وبين أحمد الجربا والعرعور وهيثم المالح وعلوش، وشعارات "سأدوس على الديمقراطية بقدمي" و"الدم السني واحد" و"جبهة النصرة تمثلني" وغيرها الكثير؟. الثورة منذ عام 2012 صارت تمثل أفكار 1400 سنة خلت، يعني تبعد أفكار الثورة الفرنسية التي كانت قبل 230 سنة 1600 سنة عن ثورة المجاهدين. للديمقراطية اليوم أربعة أركان: علمانية، عقد اجتماعي، تنوير، ليبرالية. الليبرالية جاءت في القرن 19، جذور العلمانية من القرن 16، ظهر ما يسمى العقد الاجتماعي في القرن 17، في الليبرالية سلطة الفرد أقوى من سلطة المجتمع، يعني تحتاج شجاعة كبيرة، التنوير هو تحرير العقل من كل سلطة إلا سلطة العقل..
يا أخي متى تملك الشجاعة للاعتراف والإشارة بالإسم للذين اغتصبوا الثورة وحولوها من مشروع للحرية والانعتاق إلى مشروع ديني نصرة لدينك؟ يا أخي متى تملك الشجاعة لفضح كل الذين تعمشقوا على الثورة حتى رموها تحت شواليخهم الأفغانية؟ يا أخي متى تطالب كل أخوتك "المنشقين" الذين خدموا الأسد عشرات السنين بتقديم كشف حساب "ثوري" أو حتى ديني/طائفي؟ يا أخي متى تعترف أن مباركة داعش والدفاع عنها هو هبلنة وعداء للوطن؟ يا أخي متى تطالب جماهيرك التي تنتمي حضرتك إليها وصدحت الدنيا بشعار "جبهة النصرة تمثلني" أن يقدموا استقالاتهم ويلتحقوا بجبهة النصرة التي تمثلهم؟ يا أخي هل تستطيع الاستشهاد بموقف واحد خدم ثورة 2011 من قبل المجلس الوطني والإئتلاف وغيره من هياكل الخشب الثوري؟ يا أخي هل تستطيع المطالبة بفتح كشف حساب للفساد والسرقة والنهب الذي فعله بعض زعماء المعارضة بأموال الإغاثة؟ يا أخي كيف لثوري أو ثورية أن يجمع من نضاله الثوري ملايين الدولارات ويشتري بيوتاً في أميركا؟ يا أخي هل تستطيع فضح التبعية لتركيا وقطر والسعودية وغيرها؟ يا أخي هل تعرف حضرتك ماذا تبقى من ثورة 2011؟ . أنا هنا أتحدث عن نصفك الثوري وليس عن نصفك الأسدي الآخر. بربك ونبيك لو قام ربع ربع الأقلية بربع ربع تلك الجرائم الأخلاقية والوطنية بحق الثورة والوطن ماذا كنت تفعل مع أخوتك بهؤلاء الخونة؟. مجرد أسئلة بسيطة حاول يا أخي في المواطنة أن تقلع عيني وتجيبني على ربعها..
أوربا قادمة، ستظهَر أنيابها، بل ستُظهر لأعداء ديمقراطيتها وثقافتها تلك الأنياب، أوربا قادمة، وستتعامل معكم وفق ثقافتكم وأخلاقكم، لن يُعيبها ترحيل بعض الهمج، لن تكترث لامتشاق أخوان بن لادن شعارات حقوق الإنسان، لن يفرض أردوغان عثمانية التخلف والهمجية في جوامع أوربا وساحاتها. أوربا قادمة، وستتعامل معكم بطريقة تليق بكم، ستعلمكم ما لم تتعلموه خلال قرون طويلة، ستتعلمون ما لم تستيطعوا تعلمه خلال قرون طويلة. أوربا قادمة، ولن تخجل منكم، بل ستعاملكم حسب قانون "العين بالعين والسن بالسن، والثقافة الهمجية بثقافة همجية مخصصة لكم"، نعم ستُظهر لكم أوربا عنصريتكم تجاهها، وعندها ستشعرون بفظاعة عنصريتكم. أوربا قادمة، وستؤكد لكم ما اخترعتموه حول نظرية المؤامرة، وستتأكدون بأنفسكم فظاعة سذاجتكم، ستقول لكم بصراحة ما كنتم تقولونه لها منذ قرون، وستتعلم منكم بعض "مقدساتكم" كأسلحة لها ضدكم، وستقول لكم "والبادي أظلم". أوربا قادمة، ليس فقط في أوربا، بل في شرق أوسطنا، بل أوسطكم، أم شرق أوسطها؟!. أوربا قادمة، وستخلع الحجاب والنقاب والجلباب، ستفتح حدودها باتجاه خروجكم، ولن تكترث لصراخ أطفالكم، ستواجهكم بكل العهر الذي تمارسونه فيها، ستواجهكم بتعدد الزوجات بأسماء "صديقات"، ستواجهكم بسحب المساعدات، ستلغي ثقافة "شعرة من طرف الخنزير حسنة"، ستعودون تعوون وبحرفية الكلمة، تستنجدون التاريخ، وستكتشفون بعد فوات الأوان حقيقتكم، وسيكتشف غالبية مثقفيكم حجم قاماتهم ومحفوظاتهم وشجاعاتهم ودرجات أخلاقهم. أوربا قادمة، وستفهمون معنى "يوم تبيض وجوه وتسود وجوه"، ستعودون إلى حجمكم بعد أن يحاول البعض بينكم تفريغ آخر سهامه وأحزمته الناسفة، ستعيدكم صرخات التكبير إلى العالم عراة، ستكونون أنتم الرواد في دفن تلك الثقافة العدوانية العنصرية التكفيرية، وستضعون البيتون على قبور شيوخكم، وستقفلون ذلك التاريخ في المتاحف، لأنكم ستعترفون بكل خفاياها. لم تنفع تحذيراتنا وانتقاداتنا وفضحنا ثم عدائنا الصريح للشعارات الإسلامية التي خنقت وهزمت الثورة وأنصارها وأعطت الأوكسيجين للأسد، لم تنفعهم شروحاتهم وتبريراتهم وتفسيراتهم السيكولوجية الهروبية من إنقاذ كيلومتر مربع واحد يكون أفضل من كيلومترات الأسد. تحالفهم مع أردوغان في احتلال عفرين وفي إقامة إمارات الجهاد واستماتتهم للحفاظ على إمارة إدلب من جهة، ثم مكافأتهم في الجهة الثانية بوزارة أوقاف عثمانية أسدية، هي ترجمة فعلية للتقسيم. نعم، التقوا مع الأسد في منتصف الطريق، بل كانوا يسيرون جنباً إلى جنب على نفس الطريق ..
خلط الأوراق، هو أحد أشكال الهروب من مواجهة الاستحقاقات العصرية. قد يكون تعبير بعض الناس عن هواجسها التي كانت تلك المجموعات الطائفية والعشائرية والوطنية والقومية تخفيه أو تخشى تناوله بين العامة، هو ظاهرة صحية كمادة للنقاش والحوار، على أمل أن نتخلص منه يوماً. غالبية القضايا المطروحة تلك ومهما كانت تافهة وصغيرة، هي جزء أساسي من مشكلاتنا ومن أسباب تخلفنا. من الصعب الاقتراب من تأسيس دولة المواطنة الحديثة الديمقراطية والتي تشبه النموذج الأوربي، ما لم نطرح كل هذه المشكلات وغيرها على طاولة النقاش والبحث على أمل تجاوزها. هناك بعض الاستنتاجات التي يمكن قراءتها حتى الآن، وهي: أن ما ظهر على سطح نهر الثورة الذي تحوّل إلى "مطخ"/مستنقع راكد، لا يحتاج الاستعانة بعلم الاجتماع وعلم النفس في قراءة بعض "العيّنات" التي تعكس مزاج شرائح أو ظواهر من المجتمع السوري، ويقال أنه عند الغضب الشديد يظهر ما يخفيه المرء في داخله خلف قناع الإتيكيت والآداب العامة والأعراف الاجتماعية والعادات وأيضاً ما تفرزه الخلفيات العصبية والدينية وتراكماتها أو ترسباتها طويلة الأمد في قاع ذلك "المطخ". ساذج، بل مغفل من يتجاهل تلك الإشنيات التي ظهر بعضها على ذلك السطح، وغبي من يتعامل أو يستعمل نفس مفردات الأمس غداً، وطفولي من يتمسك بكامل ألعابه التجاملية النفاقية، وذو جمود عقائدي من يبقى سانداً الحيط العايب. علينا قراءة السنوات السبع، بل السبعين الماضية بعيون جديدة وروح جديدة، وهذا يتعلق بقراءة كامل الشعب السوري، قراءة مناطقية وطائفية وثقافية بدون لف ودوران، أعتقد أن الكثير مما يثار حول الطائفية والعشائرية والوطنية والقومية، هو ظاهرة إيجابية وقد تكون صحية. إنه نتيجة تراكمات عقود، وربما قرون من القمع/الديني والقومي والسياسي والثقافي والاجتماعي، وأحياناً "قمعاً ذاتياً". علينا تسمية الأشياء والأفعال بأسمائها، علينا التخفيف من التجامل والإكثار من الصراحة، علينا وضع رؤية جديدة تتناسب وتغيرات الواقع وتنسجم مع العالم وتحاكي الغد الذي نتحمل مسؤولية عن وضع ركائزه اليوم..
كلمة أخيرة: لم يساهم الدين في نهضة اسرائيل وفي انتصاراتها، بينما ساهم الدين في هزائم العرب وفي تخلفهم وغربتهم عن العالم وركب الحضارة، وجعل الطغاة يركبوننا منذ قرون...
فاضل الخطيب، شيكاغو، 30 أوكتوبر 2018...



#فاضل_الخطيب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- خربشات -فيدرالية-..
- كي لا يتكرر نفس الموقف، الموقف من حركة رجال الكرامة في السوي ...
- مازال البحث مستمر...
- سورية فوق الأسدية والإسلام السياسي
- سورية التي تشبه الغد..
- من كان نظيفاً لا يخشى التفتيش على النظافة
- -تطلع عليها بالسما، لاقاها عالأرض-
- متى يعتذر الدروز من ابن تيمية؟...
- ماذا بعد؟!..
- لا تتحسسوا من حساسيتنا..
- رد على درزي جولاني يتهجم على الدروز تقرباً للأورينت..
- أسلمة الثورة ليست تفاصيل
- كيف نعتب أو تعتبون؟..
- ماذا يبقى في الذاكرة عن الثورة؟:
- مسؤولية -ذميّتنا- عن هزيمة -الأمة-...
- في أزمة الإسلام التي نأكل جميعاً حصرمها...
- في البحث عن كبش فداء!..
- التخلف قتل ثورة الحرية...
- في العتمة كل اللحى مثل بعضها؟!..
- تلك الصلوات لا يكفيها هذا الوضوء من أجل بقايا الثورة السورية ...


المزيد.....




- أطلقوا 41 رصاصة.. كاميرا ترصد سيدة تنجو من الموت في غرفتها أ ...
- إسرائيل.. اعتراض -هدف مشبوه- أطلق من جنوب لبنان (صور + فيدي ...
- ستوكهولم تعترف بتجنيد سفارة كييف المرتزقة في السويد
- إسرائيل -تتخذ خطوات فعلية- لشن عملية عسكرية برية في رفح رغم ...
- الثقب الأسود الهائل في درب التبانة مزنّر بمجالات مغناطيسية ق ...
- فرنسا ـ تبني قرار يندد بـ -القمع الدامي والقاتل- لجزائريين ب ...
- الجمعية الوطنية الفرنسية تتبنى قرارا يندد بـ -القمع الدامي و ...
- -نيويورك تايمز-: واشنطن أخفت عن روسيا معلومات عن هجوم -كروكو ...
- الجيش الإسرائيلي: القضاء على 200 مسلح في منطقة مستشفى الشفاء ...
- الدفاع الروسية تعلن القضاء على 680 عسكريا أوكرانيا وإسقاط 11 ...


المزيد.....

- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل
- شئ ما عن ألأخلاق / علي عبد الواحد محمد
- تحرير المرأة من منظور علم الثورة البروليتاريّة العالميّة : ا ... / شادي الشماوي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - فاضل الخطيب - الدين أهم أسباب تخلفنا وغربتنا في هذا العالم