|
مذكرات صوص ..رحلة حضارة .!!
ميشيل زهرة
الحوار المتمدن-العدد: 5867 - 2018 / 5 / 8 - 11:20
المحور:
الادب والفن
قد لا تصدقون أعزائي البشر ، لو قلت لكم أني أتذكر انسياباتي الكونية ، عندما كنت جزيئا في فراغ ، قبل أن أكون في بيضة ملقحة من ديك ودجاجة ..لا تندهشوا إذا قلت لكم أني كنت أهيم في فراغ غير متناهي الأبعاد .. مرة يحلّ فيه الظلام فأشعر بثبات ، يجعلني أغمض عيني ، مع إغماضة الكون ..و تارة يحل الضوء ، فيصيح الديك في داخلي الذي يشبه غلاف خلية مجهرية ..ربما كانت جزيئا من ضوء ، نصفه جزيء من ظلمة ..و فجأت شعرت أني مُساق بقدرة كونية ، لا خيار لي بها ، لأدخل مع شعاع دقيق ، نصفه ظلمة و نصفه نور في يخضور نبتة قمح . أنمو تحت الشمس . و أسير في خطى لا قرار لي به نحو البيادر فأدرس ، و أذرى ، و أغربل ، و أنقل إلى بيت أحدهم .. في حظيرته كائنات كثيرة منها الدجاج ..تنقرني دجاجة ، و تلتهمني ، فأغوص في ظلمتها ، لأدخل في تركيبة بيضة ..و عندما زغرد ديك فوقها ، أحسست بأن كوني قد اكتمل من ظلمة و نور ..! لا أخفيكم ، كنت خائفا ألا يصيح ديك قرب حاضنتي الأم ، ثم يفرد جناحيه استعراضا ، فتنحني له أمي الدجاجة بقرار كوني ، ليطلق فقاعتة الهوائه في ظلمتها كي آتي إلى هذا العالم بيضة سوية من ظلمة و نور . تتهيأ لأن تكون صوصا كامل الحياة ، و الأقانيم ..لكن ما حدث ، يفوق توقعاتي ..فقد قرر ابن صاحب البيت أن يطبق تجربة علمية على بيوض الدجاجات في زريبة العائلة ، فألغى أحد أقانيم الحياة ( الظلمة ) .. ليجعلني أتخلق في النور و حسب ..يا له من شرير ذلك الكائن الذي يقتل الحياة ..و أنا الكائن الذي ترمزت الظلمة في ذاكرته ، و النور معا . لن أستطيع نسيان ظلمة رحم أمي الدجاجة التي حملتني على حبل إباضتها ، و غذتني كي أكتمل بيضة طرية تتهيأ لفقاعة نور هوائية ، من أبي الديك .! ذلك تجذر في ذاكرة البيضة ..و ذاكرتي أنا الصوص ، الذي تلاعب البشر في مصيري .. ما جعلني أنتفض ، و أشعر أن سلوكا خطيرا يحصل لكينونتي و صيرورتي ، أني شعرت بدفء لا كالدفء الذي يشعر به الصوص تحت أمه ، مستأنسا بدفء صدرها و ريشها ..كان لدي إحساس عميق مقلق : إني لم أمر بمرحلة الظلمة بتاتا ..هو الضوء فوقي في كل حين ..مصباح كهربائي مضاء فوقي يؤمن لي حرارة الجسد الأمومي الأنثوي المزيف . لأكتمل بعد ثلاثة أسابيع ، و أخرج صوصا مكتمل الملامح الشكلية ، و لكني لا أمتلك روحانيتي التي فطرتني عليها الحياة ..يضخون في دمي مواد هرمونية مسرطنه ، فأكبر مغتصبا الزمن خلال شهر و نيف ، كي أصبح جاهزا للذبح ، لأعيد رحلتي عبر الظلمة تحت أضراس الإنسان ، و في معدات البشر . و لست أدري ، ما الذي فعلته جزيئاتي الدقيقة ، من غذيات ، امتصتها الأمعاء الدقيقة للإنسان ، و أنا أعبر ظلمتها لترسلني إلى سواقي حمراء يسميها البشر : الدم ..! و كنت جزيئات في تلك السواقي المنسابة بلزوجة إلى كل أجهزة الجسد البشري ، ليتشكل منها ذلك الجسم الذي يشبه كومة من دود أبيض ، يسميه البشر : الدماغ ..! ذاك العضو يفكر بواسطته البشر ..تلك الغذية الناقصة التي وصلت إليه عبر سواقي الدم ، هل تجعله يفكر بشكل سليم ، كما لو أني خلّقت تحت دجاجة ..؟؟ يمتصني ذلك الكائن هو و غيره من الأجهزة في الجسد البشري ، و بما أني صرت في جسد بشري ، صرت أتقن قراءة تطورات هذا الكائن البشري الخطر ..و بما أني خسرت ظلي .. و أنا الآن بلا ظل .. بلا جانب أنثوي..بلا ظلمة ..أليست الظلمة للأنثى و النور للذكر كأقنومي حياة..؟؟ إذا ، لقد اغتيلت الظلمة ..اغتيل السالب في صيرورتي ..فاغتيلت الأنثى في ثقافة الإنسان ..أنا ذكر وحسب ، بلا نصفي الآخر الذي يحدث التوازن في جسدي ..يستطيع الذكر أن يتخلق بدونها ..هذا صحيح ..و لكن هل يستطيع أن يضمن النتائج التي تتمخض عن قتل أقنوم الحياة الأنثى في الجسد البشري..؟؟ هل اختل ميزان العالم ، فأصبح البشر ينفلتون في التعامل مع الحياة ..؟ ما الذي سيفعله الدماغ البشري الناقص التركيب ، و ماذا سينتج عنه من تفكير سيدمر العالم بو حسية ذكرية محضة ..من يوقف الميل الوحشي غير أقنوم الأنثى في وعي العالم ..؟؟ أني خائف جدا ، أنا الصوص الذكري المطلق من ضوء اغتيلت في تكوينه الظلمة .. لكني ما زلت أحمل ذاكرة أمي الدجاجة ..و قد بدأت تنهار ، في داخلي ، الأقانيم الفطرية التي نهض على دعائمها الكون ..!! فهل من سوف يأتي ليرمم ما أفسده الضوء الشمسي ، في جدران الظلمة الأم .؟؟
#ميشيل_زهرة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مذكرا صوص ..!
-
الفخّ .!!
-
الشيخ نسيم .!
-
البيتكوين ..العملة الرقمية العالمية .!
-
القميص .!!
-
نصّ بلا ضوابط .!
-
الوحل .!!
-
سقوط الحلم ..!
-
الابداع جمعي ..!
-
القبلة بوابة المدينة ..!!
-
الأذن و اللسان .!
-
النافذة الواحدة .!
-
العقيدة ، و اغتيال روح النص ..!!!
-
جنون التعاويذ .!
-
غزل .!
-
حكاية من رفوف الذاكرة .!
-
قالت سعدى لأخيها سعدو .!
-
العقل المعارض العربي ..!
-
سعدو متسولا .!
-
سعدو متسولا ..!
المزيد.....
-
ثبتها الــــآن .. تردد قناة ناشونال جيوجرفيك لأعظم الأفلام ا
...
-
الفائزة بنوبل للآداب هان كانغ: لن أحتفل والناس يقتلون كل يوم
...
-
علاء عبد الفتاح: الناشط المصري يتقاسم جائزة -بن بنتر- الأدبي
...
-
اعلان 1 .. مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 167 مترجمة Kurulu? Osma
...
-
-مندوب الليل- يحصد جائزة الوهر الذهبي واحتفاء بالسينما الفلس
...
-
عفيف: من المؤسف ان بعض وسائل الاعلام في لبنان تصدق الرواية ا
...
-
روسيا تسلم سوريا قطعا أثرية اكتشفها الجيش الروسي في تدمر
-
الإمارات العربية إلى جانب 6 دول أخرى تشارك في مهرجان -أسبوع
...
-
دور قبائل شرق ليبيا في الحرب العالمية الثانية
-
الاستشراق البدوي.. الأساطير المؤسسة لرؤية الغرب للشرق
المزيد.....
-
إيقاعات متفردة على هامش روايات الكاتب السيد حافظ
/ منى عارف
-
الخلاص - يا زمن الكلمة... الخوف الكلمة... الموت يا زمن ال
...
/ السيد حافظ
-
والله زمان يامصر من المسرح السياسي تأليف السيد حافظ
/ السيد حافظ
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل مسرحية "سندريلا و ال
...
/ مفيدةبودهوس - ريما بلفريطس
-
المهاجـــر إلــى الــغــد السيد حافظ خمسون عاما من التجر
...
/ أحمد محمد الشريف
-
مختارات أنخيل غونزاليس مونييز الشعرية
/ أكد الجبوري
-
هندسة الشخصيات في رواية "وهمت به" للسيد حافظ
/ آيةسلي - نُسيبة بربيش لجنة المناقشة
-
توظيف التراث في مسرحيات السيد حافظ
/ وحيدة بلقفصي - إيمان عبد لاوي
-
مذكرات السيد حافظ الجزء الرابع بين عبقرية الإبداع وتهمي
...
/ د. ياسر جابر الجمال
-
الحبكة الفنية و الدرامية في المسرحية العربية " الخادمة وال
...
/ إيـــمـــان جــبــــــارى
المزيد.....
|