|
سعدو متسولا .!
ميشيل زهرة
الحوار المتمدن-العدد: 5407 - 2017 / 1 / 20 - 14:13
المحور:
الادب والفن
أرسل لي عبودي قصته الجديدة ..و اكتفي أن يأمرني قائلا : انشرها بعنوان : سعدو تاجرا ، و ناقدا ، و دكتور في النقد المقارن . لكني فضلت أن أضع لها عنوانا أخر : سعدو متسولا .! فقال عبودي : أذكر أني ودّعت سعد الدين الحمصي ، ابن خالتي في المطار ، منذ زمن ..و أذكر أنه ذهب تاجرا إلى إحدى الدول الاشتراكية ، ليقايض ببضائع ، ابتاعها من الوطن ، مع بضاعة سيجلبها من هناك . و أذكر : إن الأحذية ، كانت عماد تجارته مع تلك الدول في مرحلة انهيارها . يوم عاد أطلقت خالتي ، أمه ، خبرا ، أظنه ، من ترتيب سعدو ، أن ابنها عاد حاملا شهادة الدكتوراه ، في الأدب المقارن . و قد علقت ما يشبه الشهادة بلغة أجنبية ، على جدار الصالون في بيتهم ..و لم تبخل في دعوة الجارات على فناجين القهوة ، لا لكرم في طبعها ، إنما ، لتُريهن الشهادة المعلقة في الصالون .و بما أن الساحة الأدبية عندنا ، خالية من النقاد فقد أعلن سعد الدين الملقب ( بسعدو ) ، نفسه ناقدا . و لكي يؤكد لكل من يهمّه الأمر من الوسط الأدبي في المحافظة ، أنه الدكتور الناقد : سعد الدين الحمصي . قام بعد عودته بسبعة أيام ، بدعوة كل من له قصاصة ورق منشورة في المحافظة ، في مزرعته ، على طاولات عامرات بما لذّ وطاب ، من اللّحوم ، و السلَطات ، و المتبّل ، و المشروبات الروحية . أذكر أنه ، يومذاك ، أعطاني هويته الشخصية ، قبل أن يلتقي العدد الكبير من أنصاف الشعراء ، و الشاعرات ، و القصاصين ، و الروائيين ، و أشباههم ، بساعة من الزمن ، و طلب مني أن أذهب إلى مركز البريد كي استلم له رسالة مضمونة ، من بلاد ( برا ) كما تقول خالتي أم سعدو عن البلاد الأجنبية . ففعلت ، لأني لا أستطيع مخالفته ، إذ أني صانع القهوة في مكتبه الذي يزوره فيه ، أعيان الثقافة ، و السياسة ، و التجارة في المحافظة . و لأني ممسوك من لساني ، و حاجة أهلي ، المرضى ، لي ، فلا مناص من أن أقول لسعدو : حاضر يا دكتور .! و لو أني لست واثقا من مقدرة سعدو الأدبية ، و لا حتى الثقافية . نسيت أن أقول لكم : إن سعدو قال لي : عندما تأتي بالرسالة ، اذهب بها حالا إلى المزرعة يا عبودي ..أنا هناك مع الشلّة . و لست أدري لماذا خاطبني : يا عبودي .؟ رغم أنه عادة ما يوبخني مازحا : يا عبدو الأجدب .! هذه المرّة عاملني بشيء من الاحترام ، و اللطافة . و لكثرة ما عاشرت الرجل ، صرت أعرف ماذا يعني أن يبدي احترامي .لا بد أن شيئا ما يريده مني لصالحه . عدت بالرسالة ، و أنا أدقق من هو المرسل من تلك البلاد البعيدة ..و الموجهة إلى سعدو ابن خالتي ، و لأني مغفل قليلا ، فقد سيطرت علي عاطفة انتشاء ، بأهمية ابن خالتي ، رغم اضطهاده لي . و رغم الشكوك التي راودتني ، بأن سعدو من أرسل الرسالة ( لشخصة الكريم ) قبل مجيئه من هناك ، من بلاد كان فيها . حين دخلت بوابة المزرعة ، كان صوت عزف العود قد اشتغل في أذني طربا ..و أنفي قد وصلته رائحة الشواء فاعتصرت معدتي جوعا..و أصوات الحضور المشاركين في الغناء ، حرك بنفسي الرغبة لو أني أجلس معهم و أكون لهم ندا. و نقلت الريح رائحة مشروب العرق اللذيذ ..و الويسكي ، إلى أنفي فزادت من عزلتي ، و إهانتي ، و اغترابي عن هؤلاء المفعمين بالفرح ، و النشوة . كانت الطاولات عامرات بما لذ وطاب ..و الفرح غامر في المكان ..الجميع كانوا يتملقون سعدو بمدائح ليست من خصاله . حتى أن أحدهم قال فيه بعض أبيات من الشعر ..و أقسم أن هذه الأبيات لم تقل لأحد قبل الدكتور العبقري سعد الدين الحمصي ، كما وصفه الشاعر المداح . و علاوة على ذلك ، فقد قال عنه : نعقد عليك الأمل في إعادة بناء صرح النقد في البلاد يا دكتور .! بغير اهتمام ، و دون أن ينظر في وجهي ، مدّ سعدو ، لي يده ليأخذ الرسالة القادمة من بعيد . نظر إلى غلافها .. وغمغم بلا مبالاة مفتعلة ، بعد ن شمر شفته العليا اشمئزازا : ( مازالوا لاحقين طيزي ، أولاد العاهرات ..قلنا لهم وطني أهم من الذي خلقكم ..خذ اقرأ الرسالة يا عبودي ..أنا أحتاج لنظارة مكبّر للقراءة ..) و عندما قدم له أحدهم نظارته المكبرة ، تذرع بأنه لا يريد أن ينشغل عنهم بقراءة رسالة غير مهمة لديه ..فلندع عبودي يقرؤها ، قال.! و الغريب أنها كانت من الخارج بلغة أجنبية ، و من الداخل بالعربية ..و هذا ما أثار شكي أكثر أنا عبدو ، الذي صدق أنه أجدب لكثرة ما ناداني سعدو : يا أجدب ..! حضرة الدكتور سعدو الموقر ، و المحترم جدا .. عندئذ كان سعدو ينظر في وجوه الحاضرين الذين كانوا كالبلهاء اندهاشا . حتى من لم يصدق ذلك ، فقد أبدى إعجابه تملقا ، و تزلفا . لأن الناقد سعدو سيضعه تحت ( مقصّه النقدي ) عاجلا ، فهو الذي أعلن منذ أسبوع : إنه يعمل على نشر كتاب نقدي ضخم ، سيتناول فيه كل الأدباء ، و الأديبات في البلد . و عندما قال لي : أكمل يا عبودي . بعد أن ، مضغ ، هضم تعابير وجوه الحضور ، على عبارة : الدكتور الموقر ، و المحترم جدا . فأكملت : يُشرّفنا يا حضرة الدكتور المتمكن من مادتك في النقد المقارن ، أن تتكرم علينا ، و توافق مشكورا على طلبنا إليك في العودة إلى المعهد الذي كنت تعلم فيه ، لأن طلابك في حزن شديد لغيابك ..و هم بأمس الحاجة لعقلك الكبير ، و تمكنك ..... قاطعني سعدو ، وكأنه اكتفى بما قرأت ، و ليزيد الموقف زخما . وكأن الغرض من الرسالة قد اكتمل فيما ذكر . فقال لي : يكفي يا عبودي ..يكفي ..هؤلاء الأوغاد ، يبدو أنهم لا يفهمون ..لقد أفهمتهم مرارا ، أني لن أعود ..لن أعود ..اللعنة عليهم ..و هل نترك ساحتنا الأدبية فارغة من النقد ، لنغني بلاد الناس .. بلادنا ، و شعبنا بحاجة لنا..؟؟ و توجه إلى الحضور المخمورين : أجيبوني يا سادة ..بربكم هل يجوز من رجل وطني ، مثلي ، أن يتخلى عن شعبه في هذه الأزمة الثقافية ..؟؟ و انهال عليه المديح . و ارتفعت الكؤوس تحية لسعد الدين الحمصي ..و السيدات ابتسمن بإعجاب فيه اشتهاء . فرفع سعدو كأسه و شربه كله . و دقه على الطاولة ، و أمرني : املأ الكؤوس يا عبدو يا أجدب ..! و راح سعدو يلقي محاضرته على الجميع ، أن يخبروا كل من كتب حرفا في الرواية ، أو الشعر ، أو القصة ، أو المقالة . أو في أي صنف من صنوف الأدب ، و الثقافة ، أن يرسلوا إليه المواد المنشورة ليتم وضعها في كتابه النقدي الضخم الذي سيصدر خلال مدة قصيرة جدا ، لأن لديه أغلب المواد النقدية جاهزة في جهازه المحمول ، كما قال . و سيقام حفل توقيع في صالة ( المركز ) للكتاب . وقد طبع بطاقات دعوة للجميع بدون استثناء . و أذكر ، و ليتني لم أتذكر ، أن حفل التوقيع كان مهرجانا حقيقيا ، بيعت فيه كل النسخ المطبوعة بسعر خيالي ، قياسا لأسعار تلك الفترة . و لكن خيبتي ، و خيبة من اشترى الكتاب ، أنه منقول عن الأنترنيت . و ما كتب عن تلك الكتب من نقد ، سواء أكان قدحا ، أو مدحا . لم يكن من إنتاج سعدو .. كانت مهمة الناقد الدكتور : سعد الدين الحمصي ، ابن خالتي ، أن يُعرّف على الكاتب بعبارات قليلة ، و يضع تحت اسمه ما أخذه من النت . فتذكرت على الفور : إن سعدو ابن خالتي كان تاجرا للأحذية ، و عاد دكتوراه في النقد المقارن .
#ميشيل_زهرة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
سعدو متسولا ..!
-
عشق الوهم ، و جنون الحب في الصحارى .!
-
للبالغات ، و البالغين ..!
-
كأنه الأبدية ..!!
-
عدالة السكارى ..!
-
الخديعة العظمى ..!
-
أنثى بلا ضفاف ..!
-
الحلم الحكاية ..!
-
منارات في الذاكرة ..!
-
صحوة متأخرة ..!!
-
المنافقون .!
-
حوار الآلهة ..!
-
أبو خليل ..!
-
صانع العاهرات ..!
-
المعبد الأول ..!!
-
الاسطبل ..!
-
الشموع ..!!
-
الأنا ، و النحن ، و الشخصية .!
-
الزيف الإنساني ..!
-
أم رمضان و ساكو ..!
المزيد.....
-
ثبتها الــــآن .. تردد قناة ناشونال جيوجرفيك لأعظم الأفلام ا
...
-
الفائزة بنوبل للآداب هان كانغ: لن أحتفل والناس يقتلون كل يوم
...
-
علاء عبد الفتاح: الناشط المصري يتقاسم جائزة -بن بنتر- الأدبي
...
-
اعلان 1 .. مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 167 مترجمة Kurulu? Osma
...
-
-مندوب الليل- يحصد جائزة الوهر الذهبي واحتفاء بالسينما الفلس
...
-
عفيف: من المؤسف ان بعض وسائل الاعلام في لبنان تصدق الرواية ا
...
-
روسيا تسلم سوريا قطعا أثرية اكتشفها الجيش الروسي في تدمر
-
الإمارات العربية إلى جانب 6 دول أخرى تشارك في مهرجان -أسبوع
...
-
دور قبائل شرق ليبيا في الحرب العالمية الثانية
-
الاستشراق البدوي.. الأساطير المؤسسة لرؤية الغرب للشرق
المزيد.....
-
إيقاعات متفردة على هامش روايات الكاتب السيد حافظ
/ منى عارف
-
الخلاص - يا زمن الكلمة... الخوف الكلمة... الموت يا زمن ال
...
/ السيد حافظ
-
والله زمان يامصر من المسرح السياسي تأليف السيد حافظ
/ السيد حافظ
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل مسرحية "سندريلا و ال
...
/ مفيدةبودهوس - ريما بلفريطس
-
المهاجـــر إلــى الــغــد السيد حافظ خمسون عاما من التجر
...
/ أحمد محمد الشريف
-
مختارات أنخيل غونزاليس مونييز الشعرية
/ أكد الجبوري
-
هندسة الشخصيات في رواية "وهمت به" للسيد حافظ
/ آيةسلي - نُسيبة بربيش لجنة المناقشة
-
توظيف التراث في مسرحيات السيد حافظ
/ وحيدة بلقفصي - إيمان عبد لاوي
-
مذكرات السيد حافظ الجزء الرابع بين عبقرية الإبداع وتهمي
...
/ د. ياسر جابر الجمال
-
الحبكة الفنية و الدرامية في المسرحية العربية " الخادمة وال
...
/ إيـــمـــان جــبــــــارى
المزيد.....
|