أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ميشيل زهرة - كأنه الأبدية ..!!














المزيد.....

كأنه الأبدية ..!!


ميشيل زهرة

الحوار المتمدن-العدد: 5378 - 2016 / 12 / 21 - 00:38
المحور: الادب والفن
    


في مدينة عربية شاهدت ذلك ..الشارع الرئيس في المدينة يقسمها إلى نصفين . ينغلق في نهايته ببناء قديم يمنع الشارع من أن يكمل طريقه إلى الشمس .! كأن البناء قصر أثري ، أو ضريح لرجل تاريخي تقدست رفاته..! لذلك لم تستطع البلدية ، أو الأصح ، أنها لا تريد أن تفعل ، لأن بقاء الضريح فيه شيء من الثواب يطيل عمر مديرها . لهذا السبب ، و لأسباب عديدة ، لم يُسمح باختراق البناء ، أو تهديمه لصالح الشارع ، المنكسر ، الذي يضطر أن ينشرخ إلى يمين فقط . مما يجبر المارة ، و العربات القادمة من الغرب ، أن تتجه ، قسرا ، إلى اليمين لتلتفّ حول الضريح بدائرة قطرها كيلومترات. أما القادم الملتفّ حول الضريح ، و القادم من الشمال ، فينعطف قسرا إلى اليمين ، أيضا ، ليكمل طريقه باتجاه الغرب . لكن اللافت للنظر أكثر من كل هذه الجبريّة في التوجه بسبب ذلك الأثر ( التاريخي ) ..! هو ذلك الشخص الغريب الشكل ، و الأطوار الذي يجلس قبالة المبنى التاريخي متوجها نحو الغرب ، دائما ، على أرومة شجرة سنديان اقتطعت من مكان ما . ذلك الكائن الغريب ، يجلس مقابلا الشارع المكتظ بالناس و العربات . يضع عكازه الذي يشبه عند مقبضه ، رأس طائر جارح ..أما جسد العكاز ، فيشبه مع تعرجاته ، و عقده الكثيرة ، جسد أفعى . يضع عكازه أمامه ، و قد وضع فوق مقبضه كفيه ، فتقعرت العليا ، لتحتوي السفلى المحدّبة . و قد أسند فوقهما ذقنه بلحيته الطويلة ، الشعثاء ، المغبرّة . كل ما يفعله في جلوسه أنه يبدل وضع كفيه ..فيرفع السفلى فوق العليا كأنه يتأفف مما يرى ، و يُحدّق مليا في الشارع المقابل لعينيه الجاحظتين الغريبتين . فتوحي لك نظرته ، لو نظرت إلى عينيه ، أنه يُحدّق بك شخصيا . فتدفع ، نظرته ، بهلع من نوع غريب ، في روحك الباحثة عن سرّه . لتكتشف أنه يُحدّق في كل شيء ، أو في اللاشيء . و لكن ما أنت متيقن منه ..أن لا شيء من الظواهر يفلت من تحت عينيه . حتى أن هناك من أسطره في المدينة الغارقة في وهمها ، و قال : إن ذلك العجوز ، رغم عيبه : إنه يدير قفاه للضريح دون أن يشيل لقدسيته بال . يجلس كتمثال في باحة ذلك البناء الأثري الذي يلوي عنق الشارع ، و يجبره على الانعطاف ، ما هو إلا كائن تنزل من مكان ما من النجوم . لأنه ثابت لا يتغير . كل ما يتغير فيه ، طبيعة ثيابه مع تبدل الفصول و وضعية كفيه. لكن ما تبقى فيه ثابت كالأبدية .
في ذلك الشارع كثافة بشرية ملحوظة ، كأنما العالم كله يتوالد هنا ، و يتوزع على البلدان الأخرى . في ذلك الشارع تجار الوقود ، الذين يبيعون المازوت ، و الكاز . يكدّسون المال في اكياس من خيش ..و يبتاعون كل شيء حتى النساء اللواتي يتحولن إلى عاهرات في داخل أكياس المال المُكدّس على رفوف مخازن الوقود. هناك قوادون من أصناف مختلفة . و أكثرهم خطرا ذلك الذي يبيع رحم أمه ، أو زوجته ، أو أخته ، يؤجرن أرحامهن من أجل عاقر أصيبت بمرض الزهري نتيجة عهرها مع سفلة مرضى من أصحاب أكياس الخيش المليئة بالرذيلة . في الشارع جنود نظاميين ، لكنهم لا يرتدون القبعات ، و لا يبكلون أزرار بذاتهم في عرواتها ..يحملون بنادقهم ..و يطلقون النار بسبب ، و بلا سبب في الهواء ، مصوبين فوهات بنادقهم نحو السماء ، كأنهم يقوسون الله . و هناك ميليشيات من عناصر بقياسات مختلفة الحجوم ، و الأعمار ، يحملون أسلحتهم أيضا ..و يطلقون النار على أعمدة الكهرباء ، و كابلات الهاتف ، و مواسير المياه دون رحمة بمواطن سوف ينام بلا ماء ، و لا هاتف ، و لا كهرباء . عربات محملة بمسروقات من بيوت هجّرت الحروب اصحابها من أماكنهم ..تظاهرة على تقاطع توحي لك للوهلة الأولى أنها على حق ..فتوشك أن تلتحق بها ، لولا أن يأتيك أحدهم قائلا : لا تنخدع ..إنهم سفلة يتظاهرون لتغطية سرقة البنك ..! جنازة محمولة على الأكتاف لشاب فقير قضى في خدمة أمراء الحرب ، وقد طلبوا من أمه أن تزغرد فرحا بمناسبة قتل ابنها .. فزغردت . عندئذ هُنئت بشهادته . محال ضخمة تبيع مسروقات الحروب ..و أسواق تباع فيها الفتيات المسبيات ، بمبلغ زهيد ، و هن ساهمات ، باكيات ، و مساقات إلى فُرش الاغتصاب تحت أنظار الاباء ، و الامهات ، و الأخووة . ثلاثة عبرن على عكاكيز و قد فقدوا بعض أطرافهم في المعارك القاحلة المعاني ، و الدلالات ، و الغايات . طفل أعمى يدفع به أخوه إلى مدرسة حدث فيها انفجار ، ذات جنون إلهي ، فتح جنته لعشاقه ، فافقده البصر . و أفقد بعض التلاميذ الحياة . طفلة تتسول في الشارع ، أغراها مكبوت عُصابيّ بحفنة حلويات ، فلحقته إلى بيته فاغتصبها ، و رماها في حاوية القمامة بين الموت و الحياة . أطفال جُندنَ في خدمة أمراء الحروب ، فكانوا غلمانا لهم ، يصنع بهم ما يراد . نساء عاريات ، مكبلات بجنازير ..التففن إلى اليمين، يقدنهن نساء بحبال مربوطة في أيديهن .! القائدات مسلحات ، و منقبات . مررن من أمام العجوز القابع مثل نمر أمام الضريح على أرومة الشجرة ..فلم يُدرْ لهن وجهه ، لكنه رأى المشهد بكليته و سجلته ذاكرته . أصوات رصاص صادر من مقصف قريب ، حمل بعده فتى مقتولا ، و آخر جريحا إلى المستشفى القريب ، قيل أنهما اختلفا على عاهرة جميلة و لعوب ، في المقصف ، لأن المقتول دفع لها رزمة ، إضافية ، من نقود جمعها من بيع أربعة سيارات مسروقات ، بعد قتل أصحابها على المفارق دون ذنب . حادث سير قتل فيه نصف ركاب الباص ، و جُرح من تبقّى ، بسبب رعونة ابن أمير المدينة المخمور ، و الذي اجتاز الإشارة الحمراء ، ملاحقا صبيّة ترفض العلاقة معه ، في سيارتها . فيلتفّ إلى اليمين ، بسرعة جنونية ، من أمام عيني العجوز الجاحظتين . ريح تعصف بقوة في المدينة ، فتخرب بيوت الصفيح للبؤساء ، و تجعلهم تحت رحمة سماء لا ترحم ..و صوت ميكرفون يشد عزيمة الناس الوطنية ..و آخر يرفع الاذان كي يدعوا الناس للصلاة في مدينة لا تعرف معنى الله ، و لا معنى الوطن . و يبقى العجوز جالسا على الأرومة دون أن يتحرك ، و كأنه يبتلع المدينة بعينيه الجاحظتين كالأبدية .



#ميشيل_زهرة (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عدالة السكارى ..!
- الخديعة العظمى ..!
- أنثى بلا ضفاف ..!
- الحلم الحكاية ..!
- منارات في الذاكرة ..!
- صحوة متأخرة ..!!
- المنافقون .!
- حوار الآلهة ..!
- أبو خليل ..!
- صانع العاهرات ..!
- المعبد الأول ..!!
- الاسطبل ..!
- الشموع ..!!
- الأنا ، و النحن ، و الشخصية .!
- الزيف الإنساني ..!
- أم رمضان و ساكو ..!
- الخبر الذي يهز البشرية الآن ..!
- النثر ، و الشعر ..!
- شطحة خيال ..!
- تهافت الأمراء ..!


المزيد.....




- شارك في -ربيع قرطبة وملوك الطوائف-، ماذا نعرف عن الفنان المغ ...
- اللغة الروسية في متناول العرب
- فلسطين تتصدر ترشيحات جوائز النقاد للأفلام العربية في دورتها ...
- عُمان تعيد رسم المشهد الثقافي والإعلامي للأطفال
- محمد نبيل بنعبد الله الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية يع ...
- -الحب والخبز- لآسيا عبد الهادي.. مرآة لحياة الفلسطينيين بعد ...
- بريطانيا تحقق في تصريحات فرقة -راب- ايرلندية حيّت حماس وحزب ...
- كيف مات هتلر فعلاً؟ روسيا تنشر وثائق -اللحظات الأخيرة-: ما ا ...
- إرث لا يقدر بثمن.. نهب المتحف الجيولوجي السوداني
- سمر دويدار: أرشفة يوميات غزة فعل مقاومة يحميها من محاولات ال ...


المزيد.....

- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد
- رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية ... / أكد الجبوري
- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ميشيل زهرة - كأنه الأبدية ..!!