|
تهافت الأمراء ..!
ميشيل زهرة
الحوار المتمدن-العدد: 5286 - 2016 / 9 / 15 - 11:36
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
دعونا نعود إلى الجذر التاريخي للمثقف العربي ، الذي تأسس على قاعدة دينية إسلامية ، بما فيه الأقليات الخاضعة نفسيا لثقافة المنطقة الدينية ، كالمسيحيين و غيرهم .! هذا المثقف العربي الذي بنى ثقافته على مداميك دينية غيبية ، كان مؤمنا عميقا في نصوصه الدينية و لم يتحرر منها ..! و من باب آخر تفنن في اقتناء الكتب العلمية ليزين صالون البيت ..الكتب التي تشير إلى أنه ابن الموضة العصرية ، محاولا تجاوز ركيزته الدينية و ثوابتها..!! و قد تشدّه الرغبة في الخروج من ثوبه ، في أن يبالغ في اقتناء الكثير من السمفونيات ، و المسرحيات ، و الروايات العالمية .. و قد يقتني بيانو لا يعرف العزف عليه ، ليس تفاعلا مع الحضارة ، و لا انسجاما حقيقيا معها ..بقدر ما هو رغبة مغتالة ، أو ناكصة في رحم الوعي العربي الراغب في التغيير الكسيح ، لإحياء الجثة الميتة في الروح ، و الذاكرة . لكنه غير قادر على إحداث هذا التغيير بفعل الركائز التي بنى عليها ثقافته . لذلك حاول هذا الوعي الناكص ، و الكسيح ، أن يتململ في بيضة المكان ، فأنتج الوعي القومي المرتبط جدليا ، و روحيا بالدين ..و اللغة التي تعتبر لغة السماء روحيا ، و ثقافيا ..و هذا سبب آخر هام من أسباب النكوص ، و عدم تجدد الفكر من خلال اللغة ..! و كمقارنة بين الديني العربي ، و الديني الأوروبي ..لا نرى هناك تشابه إطلاقا ..إذ أن روحانية الوعي العربي ليست على غرار الوعي القومي الأوروبي ، الذي ينتمي إلى أيديولوجية مسيحية واحدة ، كانتماء العربي لأيديولوجيته الاسلامية ، الواحدة . و لكن هذا الأوروبي بقي محافظا على انتماءاته القومية ، التي لم يسحقها الفكر المسيحي الداخل إلى القارة بسلام ، و المُتلقّى بسلام ، من قبل شعوب هذه القوميات الأوروبية التي حافظت على خصوصيتها الحضارية دون انسحاق ديني على حساب القومي ، و العلمي . و لكن الفارق بين العربي و بين الأوروبي : إن الفكر الديني العربي ، قد ألغى القوميات كلها ، و صهرها في خدمة الفكر الدخيل على هذه البلدان التي فقدت هوياتها القومية بالقوة ..حيث تربع الأمير الديني على صدور هذه الشعوب المنتمية إلى قوميات مختلفة ، لا علاقة لها ، حضاريا ، بالمحتل الروحي ، و الثقافي للمنطقة ..! و على هذه الخلفية بنى المثقف العربي وعيه ( العلمي ) على مداميك خرافية غيبية .. ( كما لو أن الحامل كجزيرة في بحر ..ظن المثقف أنها اليابسة ، و في النهاية نكتشف إن الجزيرة ، هي حوت متحرّك زلزل كل البناء في تحركه . فغرقت الثقافة و السياسة ..وبقي الحوت الديني ليعيث في المحيط فسادا و إفسادا ، و قتلا و تحطيما ..و قد يكون مقادا ) ..!! هتلر كان ديكتاتورا قوميا ، و مسيحيا ..لكنه كان علمانيا ، و قد تفوق القومي على الديني في طرح المثقف الألماني ..! في الوقت الذي لم يستطع الديكتاتور العربي أن يكون علمانيا ، و لا حتى المثقف الذي يدعمه فكريا..لذلك كرّس مثقفا على شاكلته لم يستطع التحرر من الديني ، و الانتماء الضيق ..! رغم أنه بتأثير الفكر القومي الغربي ، قد نادى بالعلمانية ، و فشل في تحقيق هذا الطموح ، لأنه ، كمثقف ، قد خرج من عباءة الامير الديني الإسلامي ، القومي ، إذ أراد أن يكون( عربيا مسلما ) .. و أحيانا يخرج هذا الأمير الديني ، متبوعا بالأمير السياسي ، و خلفه الأمير الثقافي العربي ، عن القومية ، و الوطنية في خدمة الفكر السلفي ، الإسلامي العالمي . كما نراه الآونة في ( الإسلام السياسي الأممي ) ..! هذا الأمير السياسي لم يستطع التحرر من قبضة الأمير الديني لكي ينتج مجتمعا ..أو يعمل على تحقيق ذلك ، و بالتالي لم يستطع أن ينتج وطنا ، بسبب أن ثمة عَقد ، غير معلن ، بين الأميرين السياسي ، و الديني ، ومن خلفهما الأمير الثقافي الذي يقوم بكل الطقوس التي ترضي هذين الأميرين . هذا المثقف لم يكن فاعلا في يوم من الأيام ، عبر التاريخ الثقافي العربي ، ( ما عدا بعض استثناءات سُحقت بلا رحمة ..) و التي قام بسحقها الأمير الديني في خدمة الأمير السياسي في عملية الاجهاض الاجتماعي الدائمة نحو النكوص ، و الارتداد إلى الخلف ..! و أحيانا يقوم الأمير السياسي بذلك السحق متهما المثقف الخارج عن السرب ، بالكفر ، لتجييش الأمير الديني خلفه ( كما حدث في زمن الماركسيين ، و بعض العلمانيين من المثقفين العرب ..! ) و لأن الأمير السياسي اطمأن لفعل الأمير الديني . و العكس صحيح ، فقد شاركا في عملية اغتيال المجتمع مع المثقف المتهافت على أقدام السلطان ، و المتعلق روحيا بأذيال الأمير الديني ..!! ( وما حدث في هذه الفترة الانتقالية من التاريخ العربي دليل صارخ على دعم الأمير الديني الخفي ، للسياسي مع المثقف المشروخ نفسيا و المتهافت على أقدام السلطان ..! لقد انقسم هذا المثقف نفسيا مابين ثلاثة جهات : الديني ، و السياسي ، و الرغبة في مجاراة العصر المتغير ، و الوميض الأخاذ للحضارة الغربية ..! فقد تشظّى هذا المثقف ، و تهافت في بؤرة التغيرات العميقة في المرحلة ..فسقط المحمول الثقافي العلمي ببساطة ..ليبقى الحامل الديني و حسب ..ليسقط هذا الأمير الثقافي في أقذر مكان هو الوحل الطائفي ، و الديني ، في مرحلة التغيرات العميقة في كل مناحي الحياة العربية ..و التي تعتبر من أعقد مراحل التغيير التي تحبل بها المنطقة ..! ليس الأمير الثقافي فقط من تهافت ..بل الأمير الديني ، و السياسي أيضا ..! الأمراء الثلاثة في مأزق الآونة ..و القادم من الزمن لا يتقبل التقليدي سواء سياسيا ..أو دينيا ، أو ثقافيا ..! فلو أخذت نصا أدبيا لمثقف أميري ، لم يستطع أن يتحرر من الأميرين ( السياسي ، و الديني ) ، و غيلان وعيه ..! سترى بوضوح مدى الانكسار في الوعي ، و عملية النكوص في ذات الوعي ، حيث أنه يشبه إلى حد بعيد صوصا في بيضة فاسدة ، و قد التفّ حول نفسه و أخذ يلفظ أنفاسه المتبقية في هذا الجسد الخاوي و المتهافت ..وما ينطبق على الأمير الثقافي ، ينطبق على الأميرين الآخرين ..!!
#ميشيل_زهرة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أنا المكتوم بلا انتماء ..!
-
السيدة الغامضة ..!
-
الصورة ..!
-
قراءة في رواية الشرنقة و الفراشة للروائي محمد زهرة ، للدكتور
...
-
عبدو على تخوم المستحيل ..!
-
داعش ، ربيع العرب ..!
-
مذكرات جنرال عربي ..!
-
العقم الفكري ..!
-
الوحش ..!!
-
قطب واحد ..!
-
الكذب المقدس ..!
-
الكذب المقدس ..!!
-
الحمير تفكر .. و تعشق أيضا ..!
-
الملفّ ..!
-
الأميران : السياسي و الديني ، و خصوصية الحكم العربي ..!
-
قبل الفيس بوك ..!
-
السقوط ..!
-
قصة قصيرة
-
عندما تضيق أمة بسؤال بريء ..!
-
تساقط الرموز ..سقوط الأمة ..!
المزيد.....
-
حميدو الولد الشقي.. ضبط تردد قناة طيور الجنة بيبي على القمر
...
-
من بينهم باسم يوسف وإليسا وفضل شاكر.. هكذا علّق نجوم عرب على
...
-
أردوغان بعد سقوط نظام بشار الأسد: نقف إلى جانب السوريين بكل
...
-
اسلامي: إيران تحظى بقدرات متكاملة في صناعة الطاقة النووية
-
ما هو موقف حركتي الجهاد الاسلامي وحماس من تطورات سوريا؟
-
القيادة العامة للفصائل السورية تعلن القبض على أشخاص ينشرون ا
...
-
ثبت تردد قناة طيور الجنة الان على القمر الصناعي وفرجي أطفالك
...
-
سلاف فواخرجي: -لن أتنكر لما كنت عليه سابقا- وأتمنى -سوريا ال
...
-
-يهود مصر-.. إسرائيل تنشئ مشروعا ضخما وسط تل أبيب
-
“اضبط الآن ترددها الجديد” سلي ولادك ومتعهم مع قناة طيور الجن
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|