|
مذكرات جنرال عربي ..!
ميشيل زهرة
الحوار المتمدن-العدد: 5269 - 2016 / 8 / 29 - 17:18
المحور:
الادب والفن
أذكر أني كنت جنرالا كبيرا من جنرالات المنطقة العربية . في فترة التغيرات التي أطاحت بكل ما هو قائم ..!! هذا قبل أن يتعرض موكبي للتفجير ، مع من يدعمون وجودي : تاجر يتاجر بكل شيء ، و صناعي كان شريكا لي في المصنع ..و أنا من يسن له ، و لي ، القوانين التي تحمي سلعتنا المنتجة ..! و إمام مسجد يقيم الصلاة لي ، و بعلمي بكل كلمة يقولها لأناس كالقطيع .. يرددون كلمة : آمين ..!! و لا يفقهون من الترداد شيئا . و مثقف منافق ، تارة يتقمص التقدمية ، و تارة في أقصى الرجعية ..! و كل ذلك بإرادتي أنا الأول ، و الآخر الذي تسجد له الكائنات ..و أنا عندما أشعر بأن القطيع بدأ بالثغاء ..أرتجف رعبا لأني مسكون بالخوف من قمة رأسي إلى أخمص قدمي ..! فأقف على الشرفة لأخطب خطبتي العصماء بعد أن أضع الإمام على يميني ، و الصناعي ، شريكي ، على يساري ، و المثقف المنافق خلفي ، ليدوّن خطابي التاريخي الذي قلت فيه : ( مجدني ..مجدني ..فأنا النقطة التي فوق باء البسملة ..! ) فيبدأ التصفيق و لا ينتهي ، حتى أشير بيدي المباركة : أن توقفوا ..و ابتسامتي التي تأخذ بألباب القطيع تزيدني أمانا ، و رغبة ، في أن أذبح كل الخراف التي أمامي في عيد مولدي ..! و لا أخفيكم أني كنت أقول في سري : توقفوا يا نعاج ..! و أكمل خطابي : ( مجدني يا من لا وجود لك بدوني ..و إن مرّت الريح قربي ..اجدع أنفها بحسامك يا ماليء الآذان بالأدعية و البركات ..! ) يقاطعني ذلك المثقف الذي لم أحترمه يوما بقصيدته العصماء التي يمجدني بها ..و التي أعرف ثمنها ، و ثمنه ..وجبة دسمة ، و بعض أثمال يجود بها مكتبي له و لأولاده .. و كم كان يزيد احتقاري له عندما كانت تسيطر عليه مشاعر انسحاق ، و جبن ، و خسّة ..! و إذا تعرّق أثناء إلقاء القصيدة ، و هاج به الانبطاح ، و ماج أكثر ..آمر رئيس مكتبي أن يصرف له شيكا بمبلغ زهيد ، يجعله يركع أمامي ، و يُقبل يدي دائما اعترافا بنعمتي عليه ، و على الناس ، الذين لم يدركوا يوما أني أبعثر الأموال التي تخصهم على ملذاتي و شراء من أريد ..فيخرج يسبح بحمدي ..و يبرر للقطيع تبذيري ، بأنه السخاء ، و الكرم ، المتوارث من الأسلاف الذين أعود بنسبي ، المقدس ، إليهم ..! و عندما كان يخرج من مكتبي ..بعد أن قدم لي مؤلفه الجديد : كتاب عن تاريخي ، و تاريخ أجدادي العظام ..!! يخيل إلي أنه يكذب . أو صدق الكذبة التي يكذبها ..و لكني أوجه الكذبة إلى القطيع الجاهز روحيا للتقديس ..! كان عندما يخرج من مكتبي ، لا يدير لي ظهره ..إنما يتراجع حتى يصطدم بالباب ..فأوشك أن أضحك بملء شدقي ..و لكني أتماسك ، و أظهر بمظهر المعتذر عما حدث له نتيجة رعبه مني ، و ولاؤه لي ..فيمد يده خلف ظهره ليفتح الباب و يقول : أرواحنا فداك سيدي ..! فأكافئه بابتسامة صفراء من تحت شاربي الذين كجناحي نسر . تيمنا بأجدادنا العثمانيين ، بطرابيشهم ، و صولجاناتهم ..! كنت أبعث الرعب في أوصال الجميع حتى الإمام ..! الوحيد الذي أتعامل معه بندّية ، هو شريكي الصناعي . هذا الوحيد الذي كان يدفع باب مكتبي بقدمه حين يدخل ..و يجلس على طاولتي ، و ليس على الكرسي ..! كنت أشعر باحتقاره لي ..و لكني لا أستطيع فعل شيء ، أكثر من ابتسامات سخية ، دون أن يرى أسناني التي لم أظهرها لكي لا أقلل من هيبتي ..! ابتسامتي أقدمها كعربون وفاء للشراكة في جوع القطيع ، و دمه ..! كم كنا أنا و صديقي الصناعي نتلذذ في إذلال الإمام ، و ذلك المثقف النتن ، أثناء طلبهم لمقابلتي .. لا لشيء فقط لأنهما أذلاء أصلا ، و أنذال يبيعون نساءهم ببساطة ..! ندعهم يومين أو ثلاثة ينتظرون عند الحراس ، بحجة أن لدي وفد أجنبي أبحث معه شؤون المنطقة ، و العالم ، في حين يكون صديقي التاجر قد أدخل عاهرتين إلى مكتبي الباذخ التصميم ، من الباب الخلفي . كل ذلك أذكره قبل أن ينفجر موكبي ..يومذاك ..كل ما ذكرته أني سمعت صوت انفجار ..و رأيت فقاعات صفراء تتقافز أمام عيني ..ثم تجانست الفقاعات ، و أضحى المدى أصفر كله ..ثم ازرقّ ، و تحول إلى ظلام دامس ..و همت ، مع كل من في الموكب ، في فراغ أسود مريب ..! ما رأيته في ذاك الظلام الحالك أضواء تنوس كعيني القطط ..هي الأرواح الهائمة إذا ..! و قد كان لدي إيمان عميق أني ساعود إلى جسدي في الأرض ..ربما أنا في مشفى ..و لابد ان أطباء العالم انشغلت بي ، و بمن معي ..نقترب من الأرض أكثر ..أرى البلاد العربية كلها تحترق ..و عندما اقتربنا أكثر ..رأيت المشافي ، و المساجد ..و بعض حظائر الخنازير ، و النعاج ..! أيقنت أن روحي ستعود إلى جسدي ..ها أني أتعافى إذا ..و عندما رأيتني أخرج من مؤخرة خنزيرة ..أيقنت ألا عودة لجسدي البشري بعد اليوم ..!
#ميشيل_زهرة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
العقم الفكري ..!
-
الوحش ..!!
-
قطب واحد ..!
-
الكذب المقدس ..!
-
الكذب المقدس ..!!
-
الحمير تفكر .. و تعشق أيضا ..!
-
الملفّ ..!
-
الأميران : السياسي و الديني ، و خصوصية الحكم العربي ..!
-
قبل الفيس بوك ..!
-
السقوط ..!
-
قصة قصيرة
-
عندما تضيق أمة بسؤال بريء ..!
-
تساقط الرموز ..سقوط الأمة ..!
-
الرموز ...و تساقط الأمة ..!!
المزيد.....
-
بفيلم لجوني ديب وتكريم فيولا ديفيس.. مهرجان البحر الأحمر الس
...
-
اقتراح بترجمة قوائم الطعام في مطاعم موسكو إلى اللغة العربية
...
-
-بيروت-.. فيلم يروي أحداث اختطاف دبلوماسيين سوفييت عام 1985
...
-
ببالغ الأسى والحزن وفاة الفنان التونسي فتحي الهداوي عن عمر ي
...
-
وفاة الممثل التونسي فتحي الهداوي عن عمر 63 عاما
-
مغني الراب الأمريكي بي ديدي يواجه تهما جديدة بالاعتداء الجنس
...
-
موقع عبري يقدم رواية جديدة بشأن مسار هروب كبار المسؤولين الأ
...
-
هيئة الأدب والنشر والترجمة السعودية تطلق معرض جدة للكتاب
-
تونس تودع الفنان فتحي الهداوي بعد مسيرة امتدت 40 عاما
-
مريم شريف تفوز بجائزة أفضل ممثلة في مهرجان البحر الأحمر السي
...
المزيد.....
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
المزيد.....
|