|
الرموز ...و تساقط الأمة ..!!
ميشيل زهرة
الحوار المتمدن-العدد: 5236 - 2016 / 7 / 27 - 19:54
المحور:
الادب والفن
الرموز ... و تساقط الأمة..!!
هاجس يقلق التفكير فيه .. ولطالما طرحت على نفسي تساؤلات ، لم أجد لها إجابات شافيات . من المعروف ، بين أصحاب الفكر و الثقافة ، أن المجتمعات ، عندما تصاب بهزات عنيفة ، كالذي حدث بالغرب ، من حروب ، و كوارث . و كما يحدث هذه الآونة في بلادنا العربية ، من كوارث ، و إن تعددت أسبابها . عندما كان يسقط كل شيء ، من قيم ، و أخلاق ، و مؤسسات ، في الدول المنكوبة .. كانت الرموز الفنية ، و الأدبية ، و الفلسفية ، و الدينية ، أيضا ، تنتفض في الذاكرة الجمعية لهذه المجتمعات ، لتكون الرافعة التي تحفظ الإنسان من الانهيار الروحي ، و المعنوي . إذ ليس هناك في الغرب من لم يعرف من هو بيتهوفن ..أو موليير ..أو هيوغو ..وماركس ، أو آرغون .. و الفنانين العظام الفلورنسيين . الذين يجتمع الناس على حبهم و الاعتزاز بهم ، رافعين أنوفهم ، و رؤوسهم شموخا عند ذكرهم . تلك الرموز التي جمعت الشعوب الغربية حول محورها ، و أعادت ترميم ما تهدم في الروح ، و أكملت مسيرتها الحضارية بثقة ، بذلك الحامل الثقافي العلمي و بهديه ، لأنه متجذر في الذاكرة الاجتماعية لتلك الشعوب .فتعيد بناء ذاتها ..روسيا مثالا ..!! لقد اهتزت ، البلاد السوفيتية ، و لكنها لم تسقط روسيا الأمة ذات التاريخ المكتظ بالعظماء ، و المبدعين مثل : ( بوتشكين ، و تولستوي ، و ديستويفسكي ، و غيرهم كثر ) ، و الكثير من العلماء الذين فتحوا آفاق الفضاء من الرموز الرائعة في المجتمع الروسي . ولكن عندنا في الشرق العربي تحديدا ، و نحن نتعرض ، في هذه الآونة ، إلى اخطر منعطف تاريخي ، و أخطر هزة عرفتها المنطقة ، بدأت بمطالب اجتماعية ، سياسية ، و انتهت بلعنة التاريخ التي تختبيء في الذاكرة الروحية لهذه المجتمعات ، المبتلية بذاكرتها . وليس ذلك و حسب ..بل أستطيع أن أقول : إنها مبتلية برموزها أيضا. الآن يتساقط كل شيء ..الدين ، و السياسة ، و الثقافة ، و العلم ..!! فهل لدينا من الرموز العظيمة مايجعلنا ندور حول عظمتها في الذاكرة ..؟؟ ثمة من يقول لدينا رموزنا الدينية ..ولكن ماذا لو جاء الرد : إن تلك الرموز هي وراء ما يحدث من دماء ملأت الساحات الفارغة من تماثيل عظماء كالحلاج ، و المعري ، وإبن عربي ، وابن خلدون ، و فرج فودة ، و حسين مروة ، و الفلاسفة ، و المفكرين ، المغاربة ، و اللبنانيين ، و السوريين ، و العراقيين ، و المصريين ، و الفلسطينيين ، و الأردنيين ..!! الذين قضي على بعضهم ، على مذبح رموزنا الدينية ، التي نتغنى بها ، و بهديها . نا هيك عن أنها رموز متحاربة في الذاكرة ، و متصارعة ، و هذا ما جعل الذات العربية ، و من دار في محورها ، مشروخة .. و بالتالي لم تستطع أن تنتج وعيا ينقذ أمة من الضياع ..!! عدا أشخاص قلة استطاعوا بو عيهم الذاتي ، و بتجاربهم المتفردة ، و احتكاكهم المباشر مع العقل الغربي ، أن يخرجوا من شرنقة الموت..؟؟ ماذا عن رموز كنا نتفاءل بفكرها العلمي ، ولا داعي لذكرها الآن ، لأنكم تعرفونها . تلك الرموز الثقافية التي كانت للأسف ، تحمل ثقافاتها على الحامل الديني في قاع ذاكرتها . و ما إن اهتز الواقع الروحي ، الحامل ، لهذه الفئة من المثقفين ، حتى سقط المحمول ، و نهض الحامل . و كأن الثقافة كانت طاريء عابر . فأطلقوا اللحى ، و عادوا إلى المنظومة الفكرية الدينية ، التي حملها الآباء ، و الأجداد ..! و رغم ذلك لا أحد ينفي أن هناك الكثير من النساء ، و الرجال الذين حافظوا على إنسانيتهم ، و تمسكوا بقراءة صحيحة و علمية للظواهر ..وهم موجودون في المنطقة الشامية ، و المغاربية ، و المصرية أيضا . ولكن هل سمحت الأنظمة السياسية ، المتعاونة مع المنظومة الدينية ، بتحويلهم إلى رموز تلتف حولها شعوب المنطقة بالأزمات ..؟؟ ماذا نقول عن الغالبية العظمى من الشعب البسيط ، الذي يتخذ من الدين نهجا ، و قد كان ضحية لهذا الصراع التاريخي المرعب ، بين أجداد ليسوا من نسيج الحضارات المستعمرة ، تصارعوا يوما على سدة الحكم . وحملونا أمانة الثأر و الانتقام من بعضنا على مساحة هذه الأرض المنكوبة مع شعوبها . لقد تخندق الجميع في خندقين ، للأسف . حتى المثقف ( إلا القليل ) تساوى مع الجاهل ، وبلا خجل من نفسه ، و تاريخه ، و الناس التي كانت تعقد عليه الأمل . أمامنا فرصة أخيرة ..إن لم نضع الذاكرة الروحية جانبا ، و نعمل على تفكيكها لنخرج من شرنقة الأجداد ، و نبدأ بمعزل عنها ، و عن تناقضاتها ، في بناء مجتمع علماني ، بعيد عن الدين ، سوف تحل الكارثة الكبرى ، ألا وهي الموت الروحي ، و الفكري الكامل ، للشعوب التي اغتيل فيها انتماءها لحضاراتها . السورية ، المصرية ، و المغاربية .
#ميشيل_زهرة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
-
اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
-
نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم
...
-
هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية
...
-
بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن
...
-
العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
-
-من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
-
فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
-
باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح
...
-
مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل
...
المزيد.....
-
صغار لكن..
/ سليمان جبران
-
لا ميّةُ العراق
/ نزار ماضي
-
تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي
/ لمى محمد
-
علي السوري -الحب بالأزرق-
/ لمى محمد
-
صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ
...
/ عبد الحسين شعبان
-
غابة ـ قصص قصيرة جدا
/ حسين جداونه
-
اسبوع الآلام "عشر روايات قصار
/ محمود شاهين
-
أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي
/ بدري حسون فريد
-
أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية
/ علي ماجد شبو
المزيد.....
|