أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ميشيل زهرة - المنافقون .!















المزيد.....

المنافقون .!


ميشيل زهرة

الحوار المتمدن-العدد: 5326 - 2016 / 10 / 28 - 12:09
المحور: الادب والفن
    



قبل أن تبدأ بلاهة الفوران العربي ، والسوري بالتحديد ، كنا نلتقي في النادي السينمائي، كل أسبوع لنروّح عن أنفسنا عناء مرحلة كانت من أقسى ، و أعقد ، المراحل التي مرت علينا . كنا لا ندرك مباشرة ما الذي يجعلنا مكتئبين لهذه الدرجة ، بكل أطيافنا الاجتماعية . عدا بعض تفسيرات لا تتجاوز قشور الحالة ..! غير أن تراكمات كثيرة ، كانت تتكدس في الروح ، وفي الذاكرة ، دون أن نستطيع فعل شيء، أو تغيير شيء في الواقع. رغم أننا نتشدق بالعلمانية ، والتقدمية التي تطويها الدولة تحت جناحها ، كنا جميعا نرتدي أثواب المجاملات ، ونخدع أنفسنا أننا نعيش في مجتمع متجانس، ومتفاعل ..! لكن الملاحظ الدقيق ، لابد له أن يرى ارتفاع الجدران التي تفصلنا ، نحن أبناء المجتمع الواحد ، عن بعضنا البعض . كان بيننا جدران زجاجية ، ليست مانعة للرصاص ..و إن اقتربنا من بعضنا قليلا ..سرعان ما تصطدم بهذا الزجاج جباهنا ، لكي لا نلتقي ، أبد ، و نتفاعل . لكي لا يكون ثمة مجتمع ..! هذه حالتنا ، كانت ، قبل الفوران ..!!
****
كنت أراه دائما في الصالة أثناء شرب الشاي ، قبل دخولنا قاعة العرض ، قصير القامة ، نحيل ، مرن الحركة ينتقل من واحد لآخر، يقيم حوارات .. يطرح أفكارا .. وخاصة مع الفتيات السافرات . كان يناقش مسألة الحرية . شاهدته مرة يضع يده خلف إحدى الزميلات مداعبا شعرها دون أن تدري ، ليوحي لمن رآه من الزملاء ، أن علاقته بهذه الفتاة قد تجاوزت السرير . حتى أنك تستطيع أن تقرأ في عينيه حالة انتقامية من أحد ما بهذا السلوك . التقيته ذات يوم في مدخل الصالة مع فتاة محجبة ، سلم علي بطريقة من يعرفني من زمان . ( وينك يا رجل.. سمعت عنك الكثير ولم تتنازل لتتعرف علينا !!؟) صافحته بحرارة ، ومددت يدي لأصافح الفتاة فصعقني سلوكها، عندما سحبت يدها ووضعتها على صدرها . أحسست بإهانة حقيقية ، لكني كنت سأبرر لها بأنها مغلوبة على أمرها، لو لم يقل لي أنها خطيبته . في عينيها خجل مرضي ، يوحي لك لو دققت في وجهها ، انها تخاف الذكر ، لدرجة أنها لو وضعت يدها بيده لحبلت على الفور ، بتوأم ..! أربكه الموقف ، أيضا ، ولم يعد يعرف كيف يتصرف . لو لم يسعفه الحظ وتدخل إحدى الزميلات وتسلم مازحة : _ هذه خطيبتك ..؟ كثير عليك .! تعالي لنتعرف يا صغيرتي . عندئذ انفرج الرجل ، أو انمقت .. لست أدري شيئا عن مزيج المشاعر المتناقضة التي سيطرت على ملامحه ، واستأذن ليضع يديه خلف كتفيها ، كأنه يحميها من مكروه سيصيبها . و بعد أن اطمأن على جلوسها في المقعد الأخير و قربها الزميلة التي أخذتها، حاجزا لنفسه مقعدا بكتاب يوحي ، لمن يراه ، بأن صاحبه من العلمانيين . عاد ينفض كفا بكف كمن أنهى عملا مهما . وعلى وجهه ابتسامة غير مريحة ، وغامضة .
أي أستاذ .. محسوبك مهند ..! سمعت عن أفكارك من زمان ، و لا أخفيك أني معجب بك و بأفكارك ..ليكن بعلمك ، إننا نحن العلمانيون، إنما على أكتافنا تبنى المجتمعات . ونحن خير من يفهم عقد التخلف عند البشر ..! خذ هذه الفتاة المحجبة خطيبتي ، لقد وضعتني في موقف لا أحسد عليه مع حضرتك ، و أعتقد .. بل كلي ثقة ، أنك ستقول في سرّك : ما هذا الأستاذ مهند .؟ الا يستطيع بعبارة واحدة أن يدعها تسلم على الرجال ، وتخلع الحجاب .!! أقول لك نعم أستطيع ، و لكن ذلك لايتم بالقمع ، صدقني جربت ذلك ، مرة ، فجلست تبكي طوال الليل ، فقلت في نفسي : يا ولد ما بني من مئات السنين ، لا يهدم بلحظة . بعض الزملاء يعتبرون ذلك مأخذا علي..كيف لك وأنت العلماني أن تخطب فتاة كهذه .؟ و تربط مصيرك بمصيرها ، ألا تخجل من نفسك أن تصحبها معك و أنت تحاضر في الحرية و التقدم .؟ لا أخفيك أننا نحن العلمانيون ، يشار إلينا بالأصابع، وهناك الكثير ممن يرغبون في تشويه سمعتنا.. تصور وصلت بهم الوقاحة أن يتناولوا حتى أهل بيتي ..الأم . أحد الزملاء قاطعني لأن أمي لم تسلم عليه باليد ..لم يكتف بذلك بل قال: خذو حذركم من مهند ، إنه شيخ .. يخلع العمامة في النهار، و يلبسها في الليل ، ويمثل دور العلماني ..إنه منافق .! ماذا يعني أن يضع يده في يد كل امرأة تسلم عليه ، و لم يسمح حتى لأمه العجوز أن تضع يدها في يد فتى غريب كإبنها..! تصور حتى هذه الفتاة السافرة قاطعتني..هذه التي أخذت خطيبتي لتتعرف عليها .. صدقني يا أستاذ أخاف أن تشوه أفكار الخطيبة .! هي فتاة منطلقة جدا ، وهي من بيئة أخرى بسلامة فهمك .. لايبدو أنك فهمت علي ..! هي من طائفة أخرى ..وعندما جاريت الأستاذ العلماني حتى أضبطه متلبسا :
- لعلك تقصد أنها منهم ..؟
- نعم ..نعم يا صديقي ..!! وكأن الأستاذ قد اطمأن مخطئا ، وبإمكانه التصريح لي بما في داخله .
كانت نظراته تتابع الفتاة السافرة وخطيبته ، وفي عينيه خوف من أن تؤثر في أفكار الفتاة الثاذجة ، وتوجه نحوي بالحديث ، وكأنه يتقصد السرية : تصور ، تلك الفتاة السافرة ،كانت صديقتي ، وقد زارتني في البيت مرارا وتكرارا .. وقد كانت علاقتنا حميمة جدا ، لمدة خمس سنوات ، بسلامة فهمك ( و ابتسم ابتسامة خبيثة ) كل من رآنا كان يظن أننا زوجين ..! لكن في الحقيقة كنا ندرس بعضنا ..
- لمدة خمس سنوات ..؟؟
- أجل يا صديقي أجل . . نحن العلمانيون لا يجوز أن نترك شاردة أو واردة ، إلا وندرسها في الشريك ، فما بالك لو كان الشريك يختلف عنك في العادات ، والتقاليد ، و المعتقد ..؟ وإلا كيف لنا أن نكون علمانيين ، إذا لم نصل إلى قناعة تامة ..! لذلك افترقنا بعد أن اكتشفت بخبرتي ، أن بيننا شرخ عميق ، بسلامة فهمك ..! والهوة التي بيننا لا يمكن أن تردم .. هوة تاريخية كما تعلم ..! افترقنا كما يليق بمثقف علماني . و كم كنت أتمنى أن نبقى أصدقاء إلى آخر العمر وفاء مني لها.. حتى لو كنت متزوجا ..أين المشكل ..!؟ لكنها وليسامحها الله ، شهّرت بي : إن في جبهتي سماه غير مرئية ، من أثر السجود ، وأني علماني في النهار ، وشيخا في الليل ، أعطي المواعظ والفتاوى. تخيل أن يكون أحد ألأقرباء المقربين جدا لي ، من ألد الخونة لي .. تصور أنه قال لها وهذا من أهم أسباب خلافنا : إن مهند منافق ، ولا يمكن أن يتزوج منك ، لأنك كافرة في نظره..! حتى لو قلت ذلك في لحظة غضب .. أيجوز لابن عمك أن يخونك يا أستاذ .؟ بربك لو حدث ذلك معك هل تغفر له في حياتك .؟ قال يريد أن يخلص ضميره ، قال ..!!! فتصور يا رعاك الله .! أخذنا الوقت يا عيب الشؤم ، ولم أعطك مجالا لأن تحدثني عن حضرتك ، وعن مشاريعك الفكرية . ترى ، ما اسم الفيلم .؟ وما موضوعه ....
و لست أدري لماذا قفز من ذاكرتي هذا الاسم ، الذي لم يكن اسما للفيلم ..و لا هذه القصة التي ذكرتها ، قصته :
- عصمنلي ..!
- أهذا اسم الفيلم .؟
- نعم ..!
- ما موضوعه ..؟ سألني ..فقلت بلا إرادة ، و قد ألفت حكاية على الفور ..!
- قصة آغا تركي، في إحدى المستعمرات التركية ، يكون إماما لمسجد ، فيغوي غلاما من الغلمان الذين يتفقهون على يديه ، ثم يغتصبه . وعندما أوشك على انكشاف أمره ، قتله ودفنه في الغابة ....!! هل تحب هذه الأفلام يا أستاذ مهند ، أنت وخطيبتك المحافظة ..؟؟

**عندما أطفئت الأضواء ، شاهدت صديقي العلماني..!!!! يدفع بخطيبته أمامه على ضوء ولاعة ، خارجا من القاعة . وعندما اندلع الفوران السوري ، سمعنا في الاعلام ، أن الأستاذ مهند : أصبح قائدا لكتيبة ذبح الكفرة في بلاد الشام .



#ميشيل_زهرة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حوار الآلهة ..!
- أبو خليل ..!
- صانع العاهرات ..!
- المعبد الأول ..!!
- الاسطبل ..!
- الشموع ..!!
- الأنا ، و النحن ، و الشخصية .!
- الزيف الإنساني ..!
- أم رمضان و ساكو ..!
- الخبر الذي يهز البشرية الآن ..!
- النثر ، و الشعر ..!
- شطحة خيال ..!
- تهافت الأمراء ..!
- أنا المكتوم بلا انتماء ..!
- السيدة الغامضة ..!
- الصورة ..!
- قراءة في رواية الشرنقة و الفراشة للروائي محمد زهرة ، للدكتور ...
- عبدو على تخوم المستحيل ..!
- داعش ، ربيع العرب ..!
- مذكرات جنرال عربي ..!


المزيد.....




- مسلسل البراعم الحمراء الحلقة 26 مترجمة بجودة hd قصة عشق
- -نيويورك بوست-: تأجيل إصدار الحكم بحق ترامب في تهم صمت الممث ...
- مصر.. إحالة الفنان عمرو دياب إلى المحاكمة العاجلة
- الروائي الفائز بكتارا يوسف حسين: الكتابة تصف ما لا تكشفه الص ...
- الموسيقى تواجه أصوات الحرب في غزة
- بسبب المرسوم 54.. عمران: رقابة السلطة تكبل الكاريكاتير في تو ...
- أشبه بالأفلام.. هروب 43 قردًا من منشأة أبحاث والشرطة تحاول ا ...
- 50 دولة تشارك في المهرجان السينمائي الطلابي الدولي الـ44 في ...
- فرح قاسم: فيلم -نحن في الداخل- وثائقي شخصي عن الحب والوداع ب ...
- العثور على جثة نجم كوري شهير وسط شبهات حول انتحاره (صور)


المزيد.....

- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ميشيل زهرة - المنافقون .!