أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ميساء البشيتي - عَبس الوطن














المزيد.....

عَبس الوطن


ميساء البشيتي

الحوار المتمدن-العدد: 5582 - 2017 / 7 / 16 - 20:08
المحور: الادب والفن
    


عَبس الوطن
لن تهدأ ثورتك، لن تفلت من هذا الضجر الذي يحاصرك من كل الجهات، سينال منك القاصي والداني، ويعلنوك على الملأ زنديقًا كفر بتعاويذ الأجداد، ورمى خلف ظهره صورة باهتة للوطن!
لم يبقَ فيها حيًا إلا الخراب! إنه يكبر ويمتد وينتشر مع الشمس وذرات الهواء؛ لأنهما لا يجيدان القراءة بين السطور وخلف الأفق، ولا يمتدان إلى الزوايا العميقة ومنتصف الفؤاد، لا يعرفان ماء المحبة الذي شح وانقطع؛ فتربع الخراب على كتفيهما، وهبط بنعليه، ومشى.
في الماضي القريب كنتُ أعتبر صمتك داءً خبيثًا يجب أن يُجتث من جذوره، أن تُجفف مآقيه وسواقيه ونوابعه؛ فركضت أبحث عن الدواء، هرولت إلى الكتب القريبة والبعيدة، أفتش فيها كيف أداويك؟ كيف أصنع لك رفاقًا من الورق؟ كيف أرسم وطنًا على باطن الكف تشتهيه كل صباح وأنت ترتشف قهوتك؟ كيف أرسم ضحكاتهم الغائبة على جدار بارد كي لا تنساهم وتنسى كيف يكون الضحك؟
كانت الشمس أحيانًا لا تكرهني، تحنُّ عليَّ فجأة فتشرق في أعماقي، وكنتُ لا أكذب خبرًا؛ فأنفض الخريف عن قلبي، وأميط الضجر عن عينيِّ وأمضي في حقول الصباح؛ أقطف من كل حديقة بنفسجة، وياسمينة، وأذيبهم مع رحيق الزعتر، وأرتشفهم على الريق ثلاث مرات متوالية؛ فينتعش الوطن في قلبي، وأكتب إليه قصيدة من ألف بيت، تذوب أحرفها على الجسور والمعابر، وتتشتت قوافيها، ويلملمها الرفاق ويعلقونها على قبة الصخرة؛ فيبتسم المسجد الأقصى ويضحك كل "الحَرَم"؛ فيُجبَر خاطري الذي كُسر، وعمري الذي تصدع على بوابات الشمس.
لا ياسمينة حرَّة في حدائق الجوار، لا بنفسجة بِكرٌ، لا بقايا زعتر في أرجاء القلب، كل شيء فارغ حتى من الصور! والمطر هنا يأتي على استحياء، وفي آخر مرسوم صدر عن والي المدينة حرِّم فيه وجرِّم قطف حبات المطر؛ فلم أعد أستطيع أن أخبئ إليك بين كفيِّ حبات المطر، ولم أعد أستطع أن أزرعهما حدائقَ لترى الوطن فيهما، وتشتهيه كل صباح وعند الغسق، ولم يعد الوطن قابلًا كي أرسمه، أو أصوره لك؛ كي تحتسيه نبيذًا معتقًا عند كل مساء وقبل أن تهاجم عينيك براثن النَعَس.
الوطن أصبح بعيدًا، والمطر شحيحًا، والشمس أعلنت كراهيتها بالمطلق، وتواطئت مع الأكسجين على الفتك بكل قصيدة، وملاحقة الشعراء، والزج بهم إلى كهوف بعيدة؛ فالخيام أصبحت مبعث قلقٍ وأرقٍ، ونزفها ولو كان عشقًا خالصًا لوجه عفراء أو مادونا سيبقى مرفوضًا بلا سبب.
وأنا بين كل هذا الظلام أخرج في الصباح كعادة قديمة، أفتش في الحدائق الباردة عن نرجسة يابسة، أو ضلع ياسمينة مهجورة؛ فاتخذها صديقة!
لم يبقَ منهم أحد، فلنعلن الصمت معًا؛ فهذا الوطن مثخن بجراحه، محترق حتى أصابع قدمه، لن تشفيه صلاة، لن يرثيه دعاء.
عَبس الوطن، ولن يبتسم لقصيدة.



#ميساء_البشيتي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لم يعد ظلًا
- إعلان انتحار
- رسائل لم يزرها مطر خاطرة بقلم ميساء البشيتي
- طاب مساؤك خاطرة بقلم ميساء البشيتي
- سأصنع ثورة بقلم ميساء البشيتي
- وردة لأمي بقلم ميساء البشيتي (خاطرة)
- ملامح مستترة
- املأني حبًا
- حروفي اللاجئة
- الوجه الآخر لي
- القصيدة التي تنتظر
- أقدام عارية بقلم ميساء البشيتي
- لتشرق شمس الأحرار
- بقية حديث
- حديث الخريف
- في الذكرى الخامسة لرحيل أبي
- حنين العصر
- رماديٌّ ناصع البياض
- عيون جاهلية
- عيون جاهلية بقلم ميساء البشيتي


المزيد.....




- الاكشن بوضوح .. فيلم روكي الغلابة بقصة جديدة لدنيا سمير غانم ...
- رحلة عبر التشظي والخراب.. هزاع البراري يروي مأساة الشرق الأو ...
- قبل أيام من انطلاقه.. حريق هائل يدمر المسرح الرئيسي لمهرجان ...
- معرض -حنين مطبوع- في الدوحة: 99 فنانا يستشعرون الذاكرة والهو ...
- الناقد ليث الرواجفة: كيف تعيد -شعرية النسق الدميم- تشكيل الج ...
- تقنيات المستقبل تغزو صناعات السيارات والسينما واللياقة البدن ...
- اتحاد الأدباء ووزارة الثقافة يحتفيان بالشاعر والمترجم الكبير ...
- كيف كانت رائحة روما القديمة؟ رحلة عبر تاريخ الحواس
- منع إيما واتسون نجمة سلسلة أفلام -هاري بوتر- من القيادة لـ6 ...
- بعد اعتزالها الغناء وارتدائها الحجاب…مدحت العدل يثير جدلا بت ...


المزيد.....

- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ميساء البشيتي - عَبس الوطن