أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ميساء البشيتي - إعلان انتحار














المزيد.....

إعلان انتحار


ميساء البشيتي

الحوار المتمدن-العدد: 5490 - 2017 / 4 / 13 - 22:04
المحور: الادب والفن
    


إعلان انتحار
صديقي الذي غفا في أرجوحة المنفى، وصام دهرًا عن الكلام، استيقظ فجأة عندما أذن ديك الحيَّ معلنًا بدء النهار، ليعلن على الملأ: أنه قررَّ أن يتربص بالموت، وأن يفجر آخر قصيدة لديه على شرفات الانتحار!
لم ألتزم الصمت حين وصلني النبأ العظيم لكنه خِذلان الكلام! فاجأني -كما يفعل حين يجنُّ بعض الشعراء- بقصيدة أخيرة يحتفظ بها بين طيات ثيابه؛ ليفجرها قبل الممات، لتكون قصيدة رثاء له، يريد أن يرثي نفسه بنفسه؛ ليحقق حلمًا راوده طِوال الحياة: أن يسبق الموت بخطوة، ويضع إكليلًا من الغار على قبر القصيدة، ويكتب على شاهدها: وُلدت غريبة، عاشت غريبة، انتحرت غريبة.
صديقي الذي يخبئ في جوفه الكثير من الحكايات عن الفتيات اللواتي يعشقن الياسمين، ويشكلن ضفائرهن بأوراقه، ويخبئنه في دفاتر الحساب؛ ليقع الأستاذ في شِباك الغرام، فيبدأ بجمع براعم الياسمين على وسادته كل ليلة، ثم يقِسمهن بالتساوي على نوافذ الأحلام.
خبرني ذات يوم أنه كغيره من العشاق لديه ألف حكاية وحكاية مع أشجار الورد والجلنار، وأنه كتب كثيرًا من رسائل الغرام، لكنه خبأها تحت بلاطة مكسورة في بيته العتيق في غزة أو حيفا أو يافا، أو عكا، أو الكرمل، لم أعد أذكر بالضبط من أيِّ البقاع كان هو فكل حديثنا أصبح عن برودة الأحوال.
كان يكثر الحديث عن نفسه ليس لأنه يحب الثرثرة؛ بل لأنه لم يجد من تاريخ مولده إلى تاريخ الوفاة من يسأله كيف الحال؟! فكان يقف قرب الحروف التي يعشق، ويضمها إلى صدره بحنان، ثم يأخذ معها صورة للتذكار، ويقول فيما بعد: كنتُ هنا برفقة عصفور أو غزال.
ضحك كثيرًا عندما رأى الرفاق يتجمعون لأول مرة، يبكون صديقًا قضى على حين غفلة عند باب داره الموصد منذ أول نكبة، ولم يزره طِوال سنين الانكسار إنسيٌّ أو جانٌ أو حتى بنت الجيران!!
الآن يتسابقون في رفع صوره، وسرد ضحكاته، ولملمة دمعاته التي كان يخبؤها في قارورة جانب سريره كي لا تنسكب على دفاتر الأشعار؛ فتبللها، وتبهت حروفها التي كانت تبرق في ليالي آب، وتلمع في سماء كانون.
لم يبُح بحزنه على فراق صديقه لأنه يعلم جيدًا أن الحزن قليل عليه، وأن القصائد مهما علَت وسَمَت ستبقى حبرًا على ورق، وأن كل سنوات النضال والضياع والشتات لا يمكن أن تُختزل في دمعة وصورة وحرف.
صديقي قرر ألا ينتظر الموت كصديقه، قرر أن يوقف هذا الانتظار، أن يتحدى الموت، أن يسبقه بخطوة أو خطوات، أن يغادر السرير الأبيض دونما رجعة، أن يقبِّل يد الحياة مودعًا وقتما هو يشاء، أن يلقي برأسه على وسادة كتبه التي تحدث بها طويلًا عن أساطير الشجاعة والشجعان، عن سنوات النضال في شتى المنافي، عن ذلك الوطن البعيد الذي ينتظر أبناءه كل ليلة قبل النوم؛ ليقبِّلوا يديه وجبهته، ويدعون له بطول البقاء، ويضعون عند كل صباح على رأسه إكليلًا من أوراق الياسمين التي كانت بنات الحيَّ القديم يقطفنه ويخبئنه بدفاتر الحساب، صديقي قرر أن يباغت الموت في عقر داره، ويعلن الانتحار.



#ميساء_البشيتي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رسائل لم يزرها مطر خاطرة بقلم ميساء البشيتي
- طاب مساؤك خاطرة بقلم ميساء البشيتي
- سأصنع ثورة بقلم ميساء البشيتي
- وردة لأمي بقلم ميساء البشيتي (خاطرة)
- ملامح مستترة
- املأني حبًا
- حروفي اللاجئة
- الوجه الآخر لي
- القصيدة التي تنتظر
- أقدام عارية بقلم ميساء البشيتي
- لتشرق شمس الأحرار
- بقية حديث
- حديث الخريف
- في الذكرى الخامسة لرحيل أبي
- حنين العصر
- رماديٌّ ناصع البياض
- عيون جاهلية
- عيون جاهلية بقلم ميساء البشيتي
- الكلمة تُوَرَّث
- ماذا ينقص الفلسطيني؟!


المزيد.....




- تكريم الأديبة سناء الشّعلان في عجلون، وافتتاحها لمعرض تشكيلي ...
- ميريل ستريب تعود بجزءٍ ثانٍ من فيلم -Devil Wears Prada-
- ستيفن سبيلبرغ الطفل الذي رفض أن ينكسر وصنع أحلام العالم بالس ...
- أشباح الرقابة في سوريا.. شهادات عن مقص أدمى الثقافة وهجّر ال ...
- “ثبت الآن بأعلى جودة” تردد قناة الفجر الجزائرية الناقلة لمسل ...
- الإعلان عن قائمة الـ18 -القائمة الطويلة- لجائزة كتارا للرواي ...
- حارس ذاكرة عمّان منذ عقود..من هو الثمانيني الذي فتح بيوته لل ...
- الرسم في اليوميات.. شوق إلى إنسان ما قبل الكتابة
- التحديات التي تواجه الهويات الثقافية والدينية في المنطقة
- الذاكرة السينما في رحاب السينما تظاهرة سينما في سيدي بلعباس


المزيد.....

- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ميساء البشيتي - إعلان انتحار