أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ميساء البشيتي - ماذا ينقص الفلسطيني؟!














المزيد.....

ماذا ينقص الفلسطيني؟!


ميساء البشيتي

الحوار المتمدن-العدد: 5223 - 2016 / 7 / 14 - 01:11
المحور: الادب والفن
    


ماذا ينقصني؟!
في سباقٍ مع القدر، أركض من زاوية لأخرى، أرتب حروفي وأرواقي، أعيد النظر بتاريخ ومكان ولادتي؛ قبل أن تهاجمني أصابع الريح العاتية فتبعثر آخر ملامحي، أقف على حافة الفوضى وخراب الديار لأفجر السؤال: هل ينقصني شيء؟!
قبل عقودٍ من الزمان كنتُ أعرف أن "إسرائيل" هي عدوي وعدوكم وعدو كل هذا العالم، كنتُ لا أرى إلا دبابات الجيش الإسرائيلي تقف على باب منزلي، وفي الشارع، وعلى باب المدرسة، وحول باحات المسجد الأقصى وأدراجه.
كنتُ لا أعرفُ جيشًا غيره، لا أسمع دعاءً يخرج من الصدر بحرقة ومرارة إلا وكان منصبًا عليه، بدأتُ أعرفُ في حينها أن بلادي وقعت في براثن المحتل، وأن علينا أن ندفع ثمن هذا الاحتلال؛ فكانت أولى خطوات الشتات، والمنفى هو العنوان.
كنتُ في سن صغيرة وقتها، لا أعلم أي شيء عما يحدث خارج وطني فلسطين أو داخله، فقط علمتُ فيما بعد أنه أصبح يوجد في بلادي فلسطين (الغرباء) وهم "اليهود"!!!
أهلي، أهل فلسطين، شعبي، أبناء وطني الجميع يحبهم، أما "اليهود" فالجميع يكرههم، هذا كان حين كنتُ طفلة غرة في السابعة من عمري.
لم تمضِ فترة بسيطة ربما لم تتجاوز العدة شهور حتى علمتُ ورأيتُ بأم عيني أن أهل فلسطين، أهلي، شعبي، يوجد من يكرههم أيضًا، كاليهود تمامًا. وكذلك يوجد هناك جيش آخر غير الجيش الإسرائيلي، ودبابات أخرى غير تلك التي تخص "اليهود"، ويوجد خوف، وحقد، وقلق، ودعاء مكتوم، لكن هذه المرة ليس على "اليهود"!
مضت سنة، سنتان، ربما أكثر أو أقل، بدأت أرى وبأم عيني أنَ الكراهية لشعبي الفلسطينيِّ أخذت تتسع دائرتها من جهة، وتخف من جهة أخرى تجاه ذلك المحتل المتمرس في قلب وطني فلسطين! أصبحتُ أرى جيوشًا غير تلك الإسرائيلية، دبابات ومدافع وطائرات حربية غير تلك التي بحوزة عدونا الأوحد إسرائيل وربما كانت تفوقه عدة وعتادًا!
وكانت تتسع رقعة الدعاء لكن ليس على اليهود، ربما كانت علينا! لم أكن أدري، ربما كنت أدري ولا أفهم بالضبط كل هذا ماذا يعني؟!
كنتُ أتابع نشرات المساء، أستمع كل يوم إلى نشرة الأخبار ذاتها، ذات الأخبار تتكرر كل يوم كأنها لم تمرُّ عنها أشعة الشمس أو تلفحها نسمة الهواء، تعيد النشرة وتكرر: أنَّ عدونا الأوحد هو إسرائيل.
إذا لماذا أخاف أن أغادر باب شقتي طالما أن عدونا الأوحد إسرائيل، وإسرائيل ليست هنا؟! لم أكن أفهم، أو ربما كنتُ أفهم ولكن لا أجرؤ على البوح.
كبرتُ، في كل يوم كنتُ فيه أَكبرُ كانت تطاردني اللعنة _ أني فلسطيني_ مع أن نشرات الأخبار كانت تصرُّ على نفس القول: عدونا الأوحد إسرائيل! فلا عجب أن أكبر وسط المتناقضات، وأن أعرف شيئًا وأرى خلافه، وأحس شيئًا وأخفيه في صدري، وتصبح خطواتي معدومة، وأنفاسي معدودة، وأمانيِّ وأحلامي متقزمة، أما نشرات الأخبار فهي كما هي لا تراها الشمس ولا تمرُّ عنها نسمة الهواء.
كبرتُ أكثر، اللعنة ما زالت تطاردني، الجيوش غير الإسرائيلية بازدياد، الحروب كثرت وتفاقمت، وأنا لا أجرؤ أن أغادر جلدي حتى لا أجلد! ونشرات الأخبار تصيح بملء اليقين: عدونا الأوحد هو إسرائيل، وفلسطين على طريق التحرير والنصر الأكيد.
اليوم أنا في الخمسين من عمري، عدد النكبات التي عشتها بعدد شعرات رأسي ، بلادي تآكل ياسمينها، زيتونها تدوسه أقدام "اليهود"، حجارتها أصبحت تعرض في متاحف العالم وتباع بالمزادات، وترابها رحل إلى بيوت المستعربين والمستعمرين الغزاة.
على الضفاف الأخرى جيوشًا لا حصر لها، أعتدةً لا نهاية لها، ولعبة الموت بألف لون ولون، على كل الموائد وبأبخس الأثمان، والفلسطيني لعنة تُطارد إلى أبد الآبدين، أما نشرة الأخبار فهي كما هي منذ ألف عام: إسرائيل هي عدونا الأوحد.
خُلقت في هذه الحياة قبل خمسين عام، كنتُ أعرف ساعتها أن لي وطن واحد وعدو واحد، أما اليوم فأنا لا وطن لي، ولي ألف عدو يتربص بأنفاسي، ولائحة من الدعاء المعلن والمكتوم تطولني من رأسي حتى أخمص قدمي، وأنا لا أفهم شيئًا، صِدقًا لا أفهم شيئًا، لكن من باب الاحتياط أنا لا أغادر باب شقتي!
فهل ينقصني شي؟!




#ميساء_البشيتي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كيف الخلاص؟
- أمطار النور
- سَوْرَةُ الأبجدية الضالة
- فارسة من حيفا
- حبات الخير
- عودة في الانتظار
- عازف الناي
- يسألني الياسمين ؟
- وجعي أنتَ
- موعد مع الفراغ
- تكتبني يدك
- بين شفتيِّ الكلام
- زمن العجاف
- لوحة غير مكتملة
- للياسمين زوابع
- موعد الشموع
- اعترافات تاء
- مقدمة كتابي - بين شفتيْ الكلام -
- أساطير المطر بقلم ميساء البشيتي
- امرأة من زمن الأحلام


المزيد.....




- فنانة مصرية شهيرة: سعاد حسني لم تنتحر (فيديو)
- وفاة المخرج ميشائيل فيرهوفن وساسة ألمانيا يشيدون بأعماله الف ...
- -الماتريكس 5-.. حكاية المصفوفة التي قلبت موازين سينما الخيال ...
- -باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ميساء البشيتي - ماذا ينقص الفلسطيني؟!