أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ميساء البشيتي - عيون جاهلية














المزيد.....

عيون جاهلية


ميساء البشيتي

الحوار المتمدن-العدد: 5263 - 2016 / 8 / 23 - 23:38
المحور: الادب والفن
    


جاهلية 7
عيون الجاهلية
بكى قومي، بكوا كثيرًا كثيرًا، لا شيء يستطيع أن يوقف هذا البكاء فمذ وعيت على هذه الحياة وقمت بفتح عيني على كل ما هو حولي وأنا أسمع أصواتهم وهم يبكون! تعددت الأسباب والبكاء واحد، ومتواصل، منذ داحس والغبراء.
الجاهليون كما هم منذ ألف عام، لم يتغير فيهم شيء، منذ قرون تلت وهم يجيدون البكاء بل ويعشقونه، فهل البكاء سلاح الضعفاء؟!
لكنَّ قومي ليسوا بضعفاء حسب آخر إحصائيات النجوم وقراءة الطالع وعلم الفلك! وليسوا بأقوياء، إلا إن كنا نتكلم عن فرد العضلات!
القوة كما دُرِّست لنا في كتب التاريخ هي: التوازن التام بين حركة الذراع وحركة الدماغ. _هذا حسب فتاوى التاريخ_ وأن أي خلل في هذا التوازن سيؤدي إلى موت الدماغ وبطش الذراع، فهل ماتت أدمغة قومي؛ لأنَّ أذرعتهم طالت، بطشت، عربدت، تجبرت، ثم بكت كثيرًا كثيرًا؟
قومي يبكون منذ الأزل فهل بكاؤهم هو وليد الألم؟ أم أنه طوق النجاة لكل منافذ الألم؟!
أطفال بلادي لا يشفقون على هذا البكاء، لا يجزعون منه، لا يستهجنونه، بل ربما يشعرون بالغثيان عند كل موجة نحيب، فهم لا يبكون، لا يعرفون معنى البكاء، لم يرثوا عن قومي صفة البكاء، لذلك هم ليسوا ببكائين بل إنهم يقطعون عرض البحر، يقدمون أجسادهم كدروع نجاة، يسافرون إلى بلاد الموت، يعتلون ضفاف الشقاء، يحفرون على الجليد أسماؤهم قبل موعد الرحيل.
قومي يواصلون بكاءهم، لكنَّ أطفالهم لا يسمعون فهل أصابهم الصمم؟ أم ولدوا بداء الصمِّ؟ أم أنهم ولدوا وعلى جبينهم كتبت كل عناوين الشقاء، والترحال، والقفز بين أودية الموت لينعم قومي بلذة البكاء؟!
قومي يجيدون أمرًا آخرًا هو دفن الرأس في الرمل، وإن ظهر منهم الرأس فإنه يبقى مرتجفًا طوال الوقت، خائفًا من ظلال الشمس إن هبطت إلى الأرض أن تشي بقصصهم إلى عيون الليل، ولدرء هذه الشبهات يلقون بها في سلال الآخر، ومن يدٍ إلى يدِ حتى تقع في قبضة الشيطان فتدور الدوائر على من بُغيَّ عليه وظُلم، ثم يعود قومي للنحيب في جنازات لا حصر لها ولا عدد.
ومما أذيع سرَّه_ ولا أحب أن أُفشي الأسرار_ أن أحد أطفال قومي الصغار وهو يلهو مع لعبة الموت في ساحة الدار قبل أن يسقط أرضًا ويلقي تحية الوداع، رفع يده ملوحًا لقومي أنَّ هناك هوة عميقة عند باب الدار، خشيَّ أن تزل أقدامهم فيموتوا، لكنَّ قومي أسرعوا بإسدال التراب عليه قبل أن يلفظ الحياة، خافوا من يده التي تلوح في الهواء، ثم عادوا لمواصلة البكاء.
ظلَّ أطفال بلادي يتسلقون جبال الخوف، يبحثون عن هذا الملقب بالموت، يفتشون عنه في جزر الشمس والقمر، ظنًا مهم أن الموت رجلٌ فيطيحون برأسه، أو مجموعة من الرجال فينصبون إليهم شركًا يقعون فيه واحدًا تلو الآخر، أو قد يكون مدينة من الرجال فيحفرون حولها خندقًا كبيرًا ويتربصون بهم في ساعات المساء، لكنَّ صوت البكاء القادم من مدن الهلاك كان صفارة إنذار للشياطين فانطلقت لتحمي عرشها، وألقت كل ما في جوفها من نار وبارود فانهارت أسوار آخر المدن، وسقط جميع الأطفال مضرجين بالموت، وبقي عويل قومي يصدح إلى الآن.



#ميساء_البشيتي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عيون جاهلية بقلم ميساء البشيتي
- الكلمة تُوَرَّث
- ماذا ينقص الفلسطيني؟!
- كيف الخلاص؟
- أمطار النور
- سَوْرَةُ الأبجدية الضالة
- فارسة من حيفا
- حبات الخير
- عودة في الانتظار
- عازف الناي
- يسألني الياسمين ؟
- وجعي أنتَ
- موعد مع الفراغ
- تكتبني يدك
- بين شفتيِّ الكلام
- زمن العجاف
- لوحة غير مكتملة
- للياسمين زوابع
- موعد الشموع
- اعترافات تاء


المزيد.....




- وفاة الفنان صلاح السعدني عن عمر يناهز الـ 81 عام ….تعرف على ...
- البروفيسور منير السعيداني: واجبنا بناء علوم اجتماعية جديدة ل ...
- الإعلان عن وفاة الفنان المصري صلاح السعدني بعد غياب طويل بسب ...
- كأنها من قصة خيالية.. فنانة تغادر أمريكا للعيش في قرية فرنسي ...
- وفاة الفنان المصري الكبير صلاح السعدني
- -نظرة إلى المستقبل-.. مشاركة روسية لافتة في مهرجان -بكين- ال ...
- فادي جودة شاعر فلسطيني أمريكي يفوز بجائزة جاكسون الشعرية لهذ ...
- انتهى قبل أن يبدأ.. كوينتن تارانتينو يتخلى عن فيلم -الناقد ا ...
- صورة فلسطينية تحتضن جثمان قريبتها في غزة تفوز بجائزة -مؤسسة ...
- الجزيرة للدراسات يخصص تقريره السنوي لرصد وتحليل تداعيات -طوف ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ميساء البشيتي - عيون جاهلية