أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أنطونيوس نبيل - لورد بايرون: نهاية العالم














المزيد.....

لورد بايرون: نهاية العالم


أنطونيوس نبيل

الحوار المتمدن-العدد: 5377 - 2016 / 12 / 20 - 14:17
المحور: الادب والفن
    


باغتني حُلمٌ،
لا يَملكُ رائحةَ الحُلم:
الشَّمسُ الوَهيجةُ قد خمدتْ،
والنُّجومُ قد طافتْ
في دياجي الفضاءِ السَّرمديّ
تترنحُ هامدةً
لا يبينُ لها سبيل،
والأرضُ قد هامتْ
على وجهِها
مُصفَّدةً بالصَّقيع،
ضريرةً تنوسُ في تيهٍ
مِن أثيرٍ بلا قمر؛
جاءَ الصباحُ ومَضَى
ثُمَّ عاودَ المَجيء،
وما مِن نهارٍ في جعبتِهِ،
جَزَعًا مِن كُلِّ هذي
ذَهَلَ البَشرُ عمَّا في صدورِهم
مِن هوًى واشتهاء،
فَزَعًا مِن الدَّمارِ الوَشيك
اقشعَّرتِ القُلوبُ جميعُها
في ابتهالٍ أنانيٍّ
لا يلتمسُ ضارِعًا إلا الضِّياء.

حيثُ كانتْ النَّارُ تتأوَّد،
كانَ للبَشرِ مُستَقَرٌّ؛
عروشُ الملوكِ المُتوَّجين
وقصورُهم
صارت حطبًا للهيب،
أكواخُ المُعدمينَ
وكًلُّ مَثوًى يَصلُحُ للسُّكنى
صارَ طُعمةً للنَّار،
المَدائنُ كافتُها أفناها السَّعِير،
واحتشدَ البَشرُ
حولَ بيوتِهم المُتأجِّجةِ؛
ليُحدِّقوا مَرَّةً أخرى
في وجوهِ بعضهم بعضًا.

سعداءُ هم الذينَ
تسنَّموا قُنَنَ الجِبالِ،
وأحاقوا بعيونِ البراكين
جاعلينَ مِنها سراجًا لهم:
الأملُ الرَّهيب
الذي لم يبقَ للعالمِ سواه.

الغَاباتُ الشاسعةُ
أُضْرِمَتْ فيها النيران،
ساعةً فساعة
ذَوَتْ واضمحلتْ،
والجذوعُ المُتوِّقدةُ
انطفأتْ
في سقوطٍ صاخبٍ،
سَادَ في أعقابِهِ
صمتُ الظَّلام.

كانَ الضوءُ القَنوطُ
يَصفعُ في التماعاتٍ مُتقطِّعةٍ
وجوهَ البَشرِ؛
فيكسوها بسِحنةٍ حُوشِيَّةٍ مقيتة:
مِنهم مَن رقدَ على الأرضِ
وأخفى عينيه وبكى،
ومِنهم مَن أسندَ ذقنَهُ
على قبضتِهِ المُطبَقةِ
وابتسم،
وآخرون هُرِعوا
إدبارًا وإيابًا؛
ليعلفوا محارقَهم المأتميَّةَ
بالهَشيم:
بنظراتٍ مُترَعةٍ بغضبٍ مُهتاج
كانوا يرشقونَ السَّماءَ البليدة
التي بَدَتْ لهم
كفنًا لعالمٍ يُحتَضَر،
ثُمَّ يَغُضُّون أبصارَهم
وهم يَلعنون
يَصِرُّون بأسنانهم
ويزمجرون بحَنَقٍ رتيبٍ
مَكظوظٍ بالخِزي.

الطيورُ البريَّة صاحتْ
هَلَعًا ورفرفتْ نحوَ الأرضِ
تُصفِّقُ بأجنحةٍ عقيمة،
أشرسُ البهائم ألجمها الرُّعبُ
فأقبلتْ تدنو داجنةً وديعة،
والأفاعي زحفتْ حثيثًا
وأوغلتْ في الحشودِ
جدائلَ مِن فحيحٍ مأنوسٍ لا يَلدغ؛
فذبحها البَشرُ
وجعلوها قوتًا لهم.

الحَربُ
وقد احتجبتْ هُنَيْهَةً
عادتْ وقد احتدمَ نَهمُها:
كُلُّ وجبةٍ
كانَ الدَّمُ ثمنًا لها،
وكلُّ امرئٍ
كانَ يَنتبذُ عابِسًا؛
ليُتخِمَ جَوْفَهُ على عَجَلٍ،
مُلتهمًا وجبتَهُ الدَّاميةَ
خَضْمًا في غمٍّ مرير.

صارَ الحبُّ طريدًا؛
فاعتزلَ العالمَ،
وألحَّ على كلِّ الأرضِ
هاجسٌ وحيد:
موتٌ عاجلٌ ذميم،
وأنشَبَتِ المَسغبةُ مخالبَها
في كلِّ الأحشاء.

هلكَ البَشرُ:
انتثروا عِظامًا أعوزها دفءُ القبرِ
وجِيَفًا ليسَ لها كرامة؛
فالأعجفُ يبتلعُ المُدنِفَ
والمُدنِفُ يزدردُ المَيْتَ.

حتَّى الكلابُ
انقَضَّتْ على سادتِها،
ما خلا كلبًا واحدًا:
ظلَّ بارًّا بجُثَّةِ صاحبِه،
يَزجرُ عنها
خِمَاصَ الطَّيرِ والحَيوانِ والبَشرِ
بنُبَاحِهِ البَاسِلِ الدَّءوب؛
ريثما يُضني الجُوعُ قِواهم
أو تُغري الجُثَثُ الطَّازَجَةُ
أشداقَهم الفاغرة،
أما هو فلم يَسْعَ وراءَ القُوت،
بأنينٍ مَكروبٍ وصرخةٍ يائسة
ظلَّ يَلعَقُ اليَدَ الساكنة؛
مُتَشَوِّفًا أن تُداعبَهُ بحُنُوِّها المُعتّاد،
إلى أن مات.

رويدًا رويدًا استحكَمَتْ
قبضةُ الفَناءِ على أعناقِ البَشر،
فلم توفِّر مِنهم أحدًا
إلا شخصين:
عدوين لدودين مِن مدينةٍ عظيمة،
تقابلا في حَرَمٍ قُدسِيٍّ
بجوارِ جَذْواتٍ في رَمَقِها الأخير،
حيثُ الآثارُ المُقدَّسةُ
تَكدَّستْ في كومةٍ جليلة
لتخدمَ غرضًا دنيئًا،
وانكفآ على الرَّمادِ الكَليل
يَنبُشَانَهُ ويَفرُكَانَهُ
بأيادٍ راجفةٍ نحيلة
ويُنعِشَانَهُ بأنفاسِهما الوانية؛
ليَنفُخَا فيه نسمةَ حياةٍ وجيزة،
وبَعْدَ طولِ مشقَّةٍ
أسفرَ الرَّمادُ عن لهبٍ ضئيل
لا يَجدُرُ إلا بالسُّخريةِ ؛
رفعا أعينَهما
المُخَضَّبةَ بالبَريق،
ولمحَ كلٌّ منهما مُحَيَّا الآخر؛
فصرخا على الفورِ
وسقطا صريعين،
كانا في البشاعةِ نظيرين
فماتا ولم يعلما:
مَن مِنهما رأى الجوعَ
يصنعُ مِن ملامحِ الآخر
وجهًا للشيطان.

العالمُ الذي كانَ عتيًّا مزدحمًا
أمسى خاملًا قاحلًا،
لا فصولَ فيه ولا أعشاب
لا أشجارَ فيه ولا بشر
لا حياةَ فيه:
ما هو إلا كتلةٌ مِن موتٍ جسيم
وهباءٌ مِن حمإٍ مسنون.

الأنهارُ والبحيراتُ والمحيطاتُ
جميعُها
أصابَها الرُّكودُ بالخَرس،
وما مِن شيءٍ
في الأعماقِ القصيَّةِ يختلج.

السَّفائنُ وقد هجرَها ملَّاحوها
أمستْ نُهبةً للعَفَنِ:
صواريها تتهاوى قطعةً فقطعة،
تنحدرُ إلى الهاويةِ السحيقة،
وتحسو راضخةً سُباتَها المُؤبَّد
دونما أوهى ضجيج.

الموجُ قد ماتَ
والمدُّ قد عانقَ رَمْسَهُ،
والقمرُ الذي يسوسُهما
قد سبقَهما إلى الزَّوال،
الرِّيحُ قد قنصتها
أشراكُ الهواءِ الآسنِ،
والسَّحائبُ قد تبدَّدت إرْبًا إرْبًا:
فالظُّلمةُ قد زهدتْ فيهم،
ما سألتْ عونًا مِن أحدٍ؛
سُلطتُها حصادُ ذراعيها
كانتْ ألِفَ العالمِ أزلًا
بطشتْ صارتْ ياءَهُ أبدًا،
الظُّلمةُ صارتْ هي الكون.



#أنطونيوس_نبيل (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مرثية ماجنة إلى صفورية
- جون دن: رفات العاشقين
- جون دن: الصباح المقدس
- العظة النابلسية لهاملت الغفاري
- وليم باتلر ييتس: ليس هناك طروادة أخرى
- فريدريش شيلر: القفاز
- زهرة ريفوليبالوس
- جي كيه تشسترتون - كوابيس البهجة
- بوريس باسترناك: الفجر القاتم
- وليم باتلر ييتس: فصح 1916
- ابتهال رومانسي
- هاملت يرثي رهاف الأغا
- وليم باتلر ييتس: الطفل المسروق
- باي جويي: الحلم القاتل
- شاعر مجهول: خمر ومقبرة
- أندرو مارفل: كفاحنا المسلح بالقبلات
- شاعر مجهول: برج الظمأ
- إميلي ديكنسون: خمر وجبل
- لعثمة هذيانية
- فيليب لاركن: وصية لاذعة


المزيد.....




- أعظم فنان نفايات في العالم أعطى للقمامة قيمتها وحوّلها إلى م ...
- “أحداث مشوقة في انتظارك” موعد عرض المؤسس عثمان الحلقة 195 ال ...
- نتيجة الدبلومات الفنية 2025 برقم الجلوس فور ظهورها عبر nateg ...
- صدر حديثا : محطات ديوان شعر للشاعر موسى حلف
- قرنان من نهب الآثار التونسية على يد دبلوماسيين برتبة لصوص
- صراع الحب والمال يحسمه الصمت في فيلم -الماديون-
- كيف يبدو واقع السينما ومنصات البث في روسيا تحت سيف العقوبات؟ ...
- الممثل عادل درويش ضيف حكايتي مع السويد
- صاحب موسيقى فيلم -مهمة مستحيلة- لالو شيفرين : جسد يغيب وإبدا ...
- دينيس فيلنوف يُخرج فيلم -جيمس بوند- القادم


المزيد.....

- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أنطونيوس نبيل - لورد بايرون: نهاية العالم