أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أنطونيوس نبيل - باي جويي: الحلم القاتل














المزيد.....

باي جويي: الحلم القاتل


أنطونيوس نبيل

الحوار المتمدن-العدد: 4642 - 2014 / 11 / 24 - 21:58
المحور: الادب والفن
    




هذه القصيدةُ هجاءٌ في الامبراطور "شين تسونج" الذي كان مشغوفاً بالشعبذةِ. فذات مرَّة أخبرَهُ أحدُ الكهنةِ الطاويين بأن أعشابَ إطالةِ العمرِ تنمو على مقربةٍ مِن مدينةِ "تاي-تشو" فأقامَهُ الامبراطور حاكماً عليها؛ ليتمكنَ من أن يجمعَ له الأعشاب بيسرٍ كما يشاء، وعندما اعترضَ المسئولين على هذا، أجابهم الامبراطور قائلاً "إن خرابَ مقاطعةٍ واحدة، إنما هو أبخسُ ثمنٍ يُدفع في سبيل أن يحظى رَبُّ الناس بمزيدٍ مِن العمرِ". (فما أخبلها مِن إجابةٍ مُشبَّعةٍ بخرفِ ذوي السلطةِ المعهود، وخليقة بأن يوسعَهُ "باي جويي" شعراً لاذعاً مِن أجلها!)

1.

كان ياما كان
رجلٌ حَلَمَ بأنه عَرَجَ إلى السماء
كان جسدُه في الحُلْمِ
يُحلِّقُ إلى أجوازِ الفضاء
ممتطياً ظَهْرَ غُرْنُوقٍ
أبيضِ الرياش
مسترشداً في تحليقِه
برايتين قرمزيتين
وحفيفُ الأجنحةِ ووجيبُ ذيلِ معطفِهِ
في أذنيه ينسكبان

فجأةً باغتته نواقيسُ
-مقدودةٌ من اليَشْبِ-
بصليلِها الحاد
وفي منتصفِ الطريقِ إلى السماءِ
نَظَرَ إلى الأسفلِ
عبر ضَجَّةِ العالمِ الحالكة
وتدريجياً غابَ
عن ناظريه مسقطُ رأسِهِ:
الجبالُ والماءُ - غيرُهما لم يَعُدْ شيءٌ يبين
المحيطُ الشرقيُّ - شريطٌ نحيفٌ من البياضِ
تلالُ الصينِ - خمسُ بُقعاتٍ من الاخضرارِ

وإذ بجمهرةٍ مِن الجان
تتجاوز موضعَهُ في انحدارِها
منجرفةً إلى قصرِ مدينةِ اليَشْبِ
-كيف له أن يتنبأ بأن أبناءَ الآلهةِ
ينحنون أمام العرشِ كما تفعلُ الحاشيةُ
مع الملوكِ الأرضيين!-

اقتادوه
إلى حضرةِ الامبراطور اليشبيّ العظيم
فأحنى رأسَهُ
وقَدَّمَ لجلالتِهِ البيعةَ مخلصاً
قالَ له الامبراطور:
"نحن نعاين فيكَ مواهبَ الجان
كُن رابطَ الجأشِ
ولا تستخف بنفسِكَ
فبعد خمس عشرة سنةً
سنأتي بكَ إلى هنا
لنهبكَ مكاناً مرموقاً
في بهوِ الخلود"

بانحناءتين
عَبَّرَ الرجلُ عن بالغِ امتنانِهِ
لكلماتِ الامبراطور السخيَّة
ثم أفاقَ من غفوتِهِ
مُترعاً بالدهشةِ والغبطة

2.

أخفى الرجلُ سِرَّهُ طي صَدرِه
لم يجرؤ على أن يجهرَ بِهِ قَطُّ
وآلى على نفسِهِ أن يتَّخِذَ
كهفاً من الصخرِ مسكناً لَهُ:
مِن حُبِّهِ وحُنوِّهِ نَبَذَ أقرباءه وأصدقاءه
مِن طعامِهِ نَزَعَ المشهيَّاتِ والتوابلَ
نُثارُ المَرْجَانِ
كان وجبةً لفطورِهِ
وعُصَارةٌ مصفاةٌ مِن ندى الغيومِ
كانت شراباً لعشائِهِ

زُهاء ثلاثين عاماً
ظَلَّ في الجبالِ الموحشةِ يعيش:
مع كُلِّ يومٍ جديد
يرتقبُ قدومَ المركبةِ السمائية

كان ميقاتُ الموعدِ المُؤمَّلِ
قد مضى منذ أمدٍ بعيد
دون أن يَصُكَّ مسمعَه حفيفُ الأجنحةِ
وجلجلةُ أجراسِ المركبةِ المنتظَرة
ومع كُلِّ يومٍ جديد
صارت أسنانُهُ تتعفن
وشعرُهُ يتصوَّح
وعيناه وأذناه تخسرانَ مَضَاءهما

وذات صباحٍ
ذاقَ ما يذوقه البشرُ أجمَعُون
وعادَ جسدُهُ إلى الأرضِ
ليمتزجَ بترابِها ووضرِها:
عجيبةٌ هي طُرقُ الآلهةِ والجان
-إن كان لهما حقاً وجود-
فهي دوماً أقصى ما تكون
عن كفاحِ رجلٍ فان

لو لم تملك في رأسِكَ نتوءاً
جاءَ إثرَ صفعةٍ ذهبية
لم لم يكن اسمُكَ مرقوماً
على لفائفِ الشرفةِ الحمراء
فعبثاً تعلمتَ "طرق الزهد في الطعام"
وعبثاً درستَ "فرقان المعارف الخيميائية"
هأنتذا تثابرُ وتكدحُ بلا انقطاع
فما جدوى شقائِكَ هذا؟
فما نصيبُكَ منه إلا أن تفقدَ
شطراً عظيماً مِن عمرِكَ المقدور

وا لَهْفَتَاه على رجلٍ حَلَمَ بالجان
وفي سبيلِ محضِ حُلْمٍ وحيد
أفسدَ حياتَهُ كُلَّها



#أنطونيوس_نبيل (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- شاعر مجهول: خمر ومقبرة
- أندرو مارفل: كفاحنا المسلح بالقبلات
- شاعر مجهول: برج الظمأ
- إميلي ديكنسون: خمر وجبل
- لعثمة هذيانية
- فيليب لاركن: وصية لاذعة
- رشحات على نصل الفناء
- حدقات السجائر والسيف المكسور
- داماسو آلونسو: هرطقة الأرق
- ميسولوجوس
- سانحة على المقهي
- اللسان المبتور
- ديوجين وأنفاس رهاف
- خصية على مذبح الانتظار
- المسيح يقرر الانتحار
- وجهان للصمت
- ألغاط في تعريف الجمال
- المزامير المحذوفة
- سفر الحكمة
- الموعظة على المعبر


المزيد.....




- صناع أفلام عالميين -أوقفوا الساعات، أطفئوا النجوم-
- كلاكيت: جعفر علي.. أربعة أفلام لا غير
- أصيلة: شهادات عن محمد بن عيسى.. المُعلم والمُلهم
- السعودية ترحب باختيارها لاستضافة مؤتمر اليونسكو العالمي للسي ...
- فيلم من إنتاج -الجزيرة 360- يتوج بمهرجان عنابة
- -تاريخ العطش-.. أبو شايب يشيد ملحمة غنائية للحب ويحتفي بفلسط ...
- -لا بغداد قرب حياتي-.. علي حبش يكتب خرائط المنفى
- فيلم -معركة تلو الأخرى-.. دي كابريو وأندرسون يسخران من جنون ...
- لولا يونغ تلغي حفلاتها بعد أيام من انهيارها على المسرح
- مستوحى من ثقافة الأنمي.. مساعد رقمي ثلاثي الأبعاد للمحادثة


المزيد.....

- سميحة أيوب وإشكالية التمثيل بين لعامية والفصحي / أبو الحسن سلام
- الرملة 4000 / رانية مرجية
- هبنّقة / كمال التاغوتي
- يوميات رجل متشائل رواية شعرية مكثفة. الجزء الثالث 2025 / السيد حافظ
- للجرح شكل الوتر / د. خالد زغريت
- الثريا في ليالينا نائمة / د. خالد زغريت
- حوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الأول / السيد حافظ
- يوميات رجل غير مهزوم. عما يشبه الشعر / السيد حافظ
- نقوش على الجدار الحزين / مأمون أحمد مصطفى زيدان
- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أنطونيوس نبيل - باي جويي: الحلم القاتل