|
الجزء الثاني من الرواية: الصاد 2
دلور ميقري
الحوار المتمدن-العدد: 5371 - 2016 / 12 / 14 - 09:22
المحور:
الادب والفن
عندما تعيّن " سيمو " موظفاً في السجل العقاريّ بتلك الضاحية، أين كانت تقيم أسرة " الشريفة "، كان هناك بعضُ الفيللات عائدة لمقيمين أوروبيين. ربما أن إختيار هؤلاء الأجانب لضاحية الحميدية، يعود لكونها قريبة من مركز المدينة. فضلاً عن توفر المكان على الأمن، جراء حظوته بقصر الأميرة " للّا عفيفة ". طبيعة عمل " سيمو "، سرعان ما جعلته على صلة بأولئك المقيمين الأوروبيين وأغلبهم من المستثمرين الفرنسيين. على أنّ علاقته بهم لم تتوثق، إلا على أثر تعرّفه بمن ستصبح قرينته. " الشريفة "، من ناحيتها، كانت آنذاك تتنقل بدَورها بين تلك الفيللات مقدّمة خدماتها بوصفها طباخة ماهرة بالدرجة الأولى. في تلك الأثناء، كانت تعيش مع عائلتها في منزلٍ متداعٍ سبقَ أن أستأجره والدها آنَ إنتقالهم من ريف مدينة الصويرة. الأب، ما لبثَ أن توفيَ في ظروفٍ غامضة، ثم لحقه الإبن البكر على أثر حادث دراجة نارية. فبقيت " الشريفة " مع شقيقها الصغير، شبه المعاق ذهنياً، ووالدتهما التي كانت ما تفتأ شابّة نوعاً تضجّ بالحيوية وحتى الحُسن. حينَ توجّه " سيمو " ذاتَ نهارٍ ربيعيّ إلى مركز أمن المنطقة لشأنٍ ما، كان خلده خالٍ بطبيعة الحال من فكرة أنّ مصيره يختفي في أحد أروقة البناء. هذا المتأنّق على الطريقة التقليدية للموظفين، بسترة كحلية اللون وحذاء من جلدٍ أسود في غاية اللمعان كبشرة صاحبه على حدّ سواءً، سيلفتُ ثمة نظرَ فتاة في مقتبل العمر كان يبدو على ملامحها التوتر والإنفعال. جسدها الجميل، وخصوصاً مؤخرتها الضخمة المكوّرة بجلابة رقيقة من المخمل الأخضر، كان يجذب أنظار جميع الرجال المتواجدين في ذلك الرواق. وكان بعضهم يدور مستثاراً حول هذا الكفل الفادح الفتنة، مُتشمماً العطرَ المنبعث من ثناياه ـ كما يفعل كلبٌ ضخم أمام حانوت لحّام، أحتلت واجهته أضحيةٌ معلقة من عرقوبها. " كفي عن اللجاجة، يا هذه! فإن كنتِ على عجلة من أمرك، تعالي غداً في وقتٍ أبكر "، كذلك كان يقول للفتاة المستخدمُ الواقف بباب رئيس أمن المنطقة. أخذت هيَ عند ذلك تتثنى وتتلوى، متأففة متذمرة، منقلة بين الحضور عينين ينعكس فيهما إخضرار جلابتها. كلا العينين، كما أنتبه " سيمو " وقتئذٍ، كانت أشبه بمستنقع غائر لا قرار له. ما عتمت هيَ أن تراجعت كما لو على سبيل الإتفاق، فألصقت مؤخرتها به. إذاك فإنه أرخى عليها قامته العملاقة، ليسألها بصوتٍ خفيض عن مشكلتها. بعد قليل، إصطحبَ الصبية الملولة إلى مكتب الرئيس، عابراً نظراتِ المستخدم المذعنة والذليلة. " الشكوى، المقدمة بحق والدتكِ من لَدُن المؤجر، تفيد بأنها جعلت المنزل أشبه بماخور..؟ "، خاطبَ الرئيسُ الفتاةَ في شيءٍ من الشدّة فيما كان يلتهم هيئتها بعينين نهمتين. فهتفت الفتاة باستنكار: " أعوذ بالله ممن لا يخشى غضب الله! أسيدي، بل الحقيقة أنّ ذلك الرجل المأفون هو من كان يتحرش بنا نحن نساء المنزل. وقد هددنا قبلاً، بأنه سيرفع الإيجار ما لو لم نذعن لرغباته الدنيئة ". بعدما عرضت " الشريفة " القضية من وجهة نظرها، تدخّل " سيمو " ليقول برصانة رجل القانون وهوَ يحدّق بعينيّ صديقه المأمور: " واضحٌ أنّ المؤجر لا يملك إثباتات يدعم بها إدعاءه. والقرآن الكريم، كما تعلمون مؤكّداً، شدّدَ على المشرّع بضرورة وجود شهودٍ أربعة للقطع في واقعة الزنا! ". خرجَ رجلُ القانون من مبنى أمن المنطقة، فيما كلمات المأمور تطنّ في أذنه كلحنٍ طريف: " هذه البنت الفائقة الفتنة، ستُقتح كصندق الكنز فيما لو حظيتْ بمن يحتضنها فيمنحها الحبّ والأمان ". لقد قالها همساً، بنبرة حنونة، ولكن ليسَ بدون غمزة من عينه القاتمة اللون. وعمل " سيمو " بنصيحة صديقه المأمور، حيث مضى بالفتاة رأساً إلى منزل متواضع كان يستأجره. سارا معاً وسط طبيعة رائعة، تشملها يدُ الربيع بألوانٍ بهيجة ونفحاتٍ من عطور عديدة المصادر. السواقي، كانت تتخلل جانبيّ الدرب وقد تصاعد موسيقى خريرها مندمجاً مع أناشيد الأشجار والطيور والضفادع والجنادب. من بعيد، أين الأفق المحروس بالنخيل السامق، كان يتناهى بين حينٍ وآخر صدىً لنهيق حمار متشكّ أو خوار بقرة كسولة. بدَوره، كان صوتُ رفيق الدرب يصدى بالمودة حينَ تأبط ذراعَ " الشريفة " فيما كان يجتاز بها مدخل المنزل، المكوّن من دورين يشغل هو التحتانيّ منهما. نهضَ " سيمو " من فوق فتاته، آنَ فراغه من مضاجعتها، وقد أرتسمت علامات التقزز على سحنته الشديدة السمرة. وكانت ما تني مضطجعة على بطنها، لما مدّ لها يده بوريقة مالية مرقّشة بصورة أمير المؤمنين: " هذه لكِ..! أعلمُ أن حياتكم صعبة، وأتمنى أن أتمكن من مساعدتكم من حينٍ لآخر ". ولقد فعل المال اليسيرُ ما أمكنه أيضاً في تحسين مزاج " الشريفة "، على الرغم من أنها كانت ما تزال تعاني ألماً في موضعٍ معيّن من بدنها. هذا الألم، أعتادت هيَ عليه مذ فترة طفولتها حتى أمسى جزءاً من كيانها؛ روحها وعقلها وقلبها سواءً بسواء. على أنّ " الشريفة "، باتت فيما بعد تستأنس لهذا الرجل الأكثر جدّة في حياتها، بعدما كانت تهابه في بادئ الأمر بالنظر لما عاينته من خطورة مركزه لدى مأمور المنطقة. ومع أنّ " سيمو " أضحى أقلّ كرماً في تالي الأيام، فإنّ ذلك لم يؤثر على مشاعر الفتاة نحوه. لقد كانت أكثر أمنية إلحاحاً لديها، أن تحافظ على وضعها كعشيقة أثيرة. فكم كانت دهشتها كبيرة، عندما أراد منها " سيمو " أن تأخذه إلى منزل الأسرة: " سأطلبُ يدكِ من والدتك، وأعتقد أنّ ذلك سيسعدها! "، قالها بنبرة الرصانة نفسها التي أستعملها في الدفاع عنها أمام رئيس أمن المنطقة.
#دلور_ميقري (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الجزء الثاني من الرواية: الصاد
-
الجزء الثاني من الرواية: الفاء 3
-
الجزء الثاني من الرواية: الفاء 2
-
الجزء الثاني من الرواية: الفاء
-
الجزء الثاني من الرواية: العين 3
-
الجزء الثاني من الرواية: العين 2
-
الجزء الثاني من الرواية: العين
-
الجزء الثاني من الرواية: السين 3
-
الجزء الثاني من الرواية: السين 2
-
الجزء الثاني من الرواية: السين
-
الفردوسُ الخلفيّ: النون 3
-
الفردوسُ الخلفيّ: النون 2
-
الفردوسُ الخلفيّ: النون
-
الفردوسُ الخلفيّ: الميم 3
-
الفردوسُ الخلفيّ: الميم 2
-
الفردوسُ الخلفيّ: الميم
-
الفردوسُ الخلفيّ: اللام 3
-
الفردوسُ الخلفيّ: اللام 2
-
الفردوسُ الخلفيّ: اللام
-
الفردوسُ الخلفيّ: الكاف 3
المزيد.....
-
العثور على جثمان عم الفنانة أنغام داخل شقته بعد أيام من وفات
...
-
بعد سقوطه على المسرح.. خالد المظفر يطمئن جمهوره: -لن تنكسر ع
...
-
حماس: تصريحات ويتكوف مضللة وزيارته إلى غزة مسرحية لتلميع صور
...
-
الأنشطة الثقافية في ليبيا .. ترفٌ أم إنقاذٌ للشباب من آثار ا
...
-
-كاش كوش-.. حين تعيد العظام المطمورة كتابة تاريخ المغرب القد
...
-
صدر حديثا : الفكاهة ودلالتها الاجتماعية في الثقافة العرب
...
-
صدر حديثا ؛ ديوان رنين الوطن يشدني اليه للشاعر جاسر الياس دا
...
-
بعد زيارة ويتكوف.. هل تدير واشنطن أزمة الجوع أم الرواية في غ
...
-
صدور العدد (26) من مجلة شرمولا الأدبية
-
الفيلم السعودي -الزرفة-.. الكوميديا التي غادرت جوهرها
المزيد.....
-
مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس
...
/ ريمة بن عيسى
-
يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط
...
/ السيد حافظ
-
. السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك
...
/ السيد حافظ
-
ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة-
/ ريتا عودة
-
رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع
/ رشيد عبد الرحمن النجاب
-
الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية
...
/ عبير خالد يحيي
-
قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي.
/ رياض الشرايطي
-
خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية (
...
/ عبير خالد يحيي
-
البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق
...
/ عبير خالد يحيي
-
منتصر السعيد المنسي
/ بشير الحامدي
المزيد.....
|