أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمد جلال - فصل المقال وبيان ما بين الدولة والوطن من الاتصال














المزيد.....

فصل المقال وبيان ما بين الدولة والوطن من الاتصال


محمد جلال

الحوار المتمدن-العدد: 5333 - 2016 / 11 / 4 - 16:51
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


دعنا في البدء نقف قليلا عند هذا العنوان، فالعنوان مستلهم من العنوان الذي وسم به أبو الوليد ابن رشد كتابه "فصل المقال وتقرير ما بين الشريعة والحكمة من الاتصال"، وقد انتهى فيلسوف قرطبة ومراكش، بعد فحصه لماهية الشريعة وماهية الحكمة، إلى أن الشريعة لا تعارض الحكمة بل توافقها وتشهد لها، وذلك من جهة أن الحكمة تتحرى البراهين، ومن جهة أن الشريعة تدعو إلى النظر العقلي، وهو في ذلك يقول "إذا كانت هذه الشريعة حقا وداعية إلى النظر المؤدي إلى معرفة الحق، فإنا معشر المسلمين، نعلم على القطع أنه لا يؤدي النظر البرهاني إلى مخالفة ما ورد به الشرع. فإن الحق لا يضاد الحق، بل يوافقه ويشهد له" (فصل المقال لابن رشد، ص 35). فما جهة اتصال الدولة بالوطن في مقالنا نحن؟
نحن هنا لا نتحدث عن وطن بعينه، ولا عن دولة بعينها، بل نتحدث عن الوطن والدولة بإطلاق. ونحدث أساسا عن تمثل الوطن والدولة، وكيف نفكر في هاذين الكيانين، كيان سياسي وإداري وعسكري هو الدولة، وكيان جغرافي وهوياتي وعرقي هو الوطن، ولا شك أن الأول لا يجد تعبيره إلا في الثاني، وأن الثاني لا يفكر فيه إلا بوجود الأول، لكن الوطن أعمق من الدولة، وأكثر تجذرا منها.
الدولة تحمل في معناها التداول، فهي، بما أنها كيان سياسي، تنتقل من جماعة سياسية إلى أخرى، وتتداولها نخبة سياسية تدير شؤون المجتمع والناس، فتضمحل دولة وتأتي محلها دولة أخرى، وهذه سنة عاش عليها الإنسان منذ أن انخرط أول مرة في العيش داخل الجماعة السياسية. تتبدل الدول وتُتَداول فيما بين الناس بحسب تغير الظروف السياسية والاجتماعية، منها ما تضمحل تماما لتأتي محلها أخرى جديدة، ومنها ما تتغير فقط في أشكال حكمها، والتاريخ يؤكد صفة الاضمحلال والتبدل التي طبعت مجموعة من الدول (المدينة بالمعنى الكلاسيكي)، تبعا لحركة التاريخ، كما قد تنشأ دول أخرى جديدة كلية، وهنا مربط الفرس.
إن الدولة لا تنبت فجأة كما ينبت العشب، بل تتشكل بفعل اتحاد إرادة جماعة من الناس الذين يوحدهم عمق الانتماء الجغرافي والهوياتي والعرقي المشترك، نعم كان هذا هو المفهوم الكلاسيكي للدولة، فمن لم يتحد مع الجماعة البشرية لغويا، هوياتيا، عرقيا...لم يكن مرحب به داخل الدولة، فهو بربري منبوذ عليه أن يبحث عن انتمائه في مكان آخر، لكن الدولة بالمعنى الحديث شيء آخر تماما، فالدولة، بما أنها كيان سياسي وإداري وعسكري، تضمن العيش لسائر الناس الذين ينتمون إليها شرط أن "يلتزموا" بالقانون الذي هو روح الدولة، فهذه الدولة ترحب حتى بأولئك الذين اعتُبروا قديما برابرة، بل إنها تمنحهم حق الانتماء التام إليها.
هل نقول بعد هذا أن الوطن كذبة كبيرة ؟ ألم يبق للوطن وجود بعد أن وجد هذا الكيان المتماسك "جدا"؟ كلا إن الوطن جوهر أعمق من هذا الكيان المحكم جدا، فإذا كانت الدولة تعيش معبر عنها في الجماعة، فإن الوطن يعيش في الأفراد، وكم من الناس قد هجروا دولهم ورحلوا إلى دول جديدة، لكن الوطن لم يرحل من نفوسهم، فالوطن يعيش في المكان الذي لا تستطيع الدولة العيش فيه، إنه يعيش في روح الأفراد. للوطن قيمة رمزية في أنفس الناس، ولا يمكن بحال من الأحوال أن ينسلخ الإنسان "السوي" من وطنيته كلية، قد يرحل المرء عن أرضه، وقد يعيش في أرض أخرى، أرض يعتقد أنها رمز للتعدد والتنوع، لكن هويته تخلد حية فيه ما حيا، وعبثا يقال أننا نعيش في زمن موت الهويات، فالحرب الحقيقية الآن هي حرب هوياتية بالأساس، حرب يعبر عنها في الإعلام، في الملابس، الهواتف، السيارات...الخ، إنها حرب لفرض الهوية وقتل الهوية الأضعف.
الوطن هو الهوية، هو الذاكرة، هو روح الشعب، أما الدولة فلا تعبر إلا عن التنظيم "المعقلن" والمحكم، الذي يحاول ضبط حياة الناس بما يكفل بقاء هذا الجهاز المنظِّم واستمراره. ولا غنى للإنسان عن هذا الجهاز، وقد اعتبر أرسطو قديما أن الدولة من الأمور الطبيعية وأن الإنسان كائن سياسي بالطبع. أما أنها من الأمور الطبيعية فمعناه أنه لا يمكن للإنسان، بما هو كائن سياسي أن يعيش خارج الجماعة السياسية، ذلك أن من يعيش خارج الدولة سيكون إما إلها أو ذئبا، وحتى في زماننا هذا لا يمكن أن نعيش خارج نطاق العيش المشترك المنظم.
إن العيش المشترك الذي ترعاه الدولة لا يمكن أن يكون وجودا سليما ما لم ينعم فيه الأفراد بقدر متساو الحقوق، وإذا عجزت الدولة عن تحقيق هذه المساواة في الحقوق يبدأ فعل الانقسام والبحث عن كيان جديد يضمن المساواة، ويظهر الوطن في صراع مع الدولة، فتغدو الدولة كما لو كانت شيئا غريبا ودخيلا، شيء لا يعبر عن روح الشعب وإرادته، فينطق الوطن رافضا ويقرر تعارضه مع الدولة.



#محمد_جلال (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أزمة التعليم في المغرب...هل هي إنذار بانبعاث مأساة 23مارس 19 ...
- الموسيقى والتراجيديا عند نيتشه
- آراء الفارابي في تعليم الفلسفة وتعلمها
- 23 مارس -جروح التعليم لم تشفى بعد-
- -إشكالية التأخر التاريخي- من منظور عبد الله العروي
- الطريق معوجّة ... والمقصد مستقيم
- ثرثرة الصغار !!
- الإنسان قفل .. مفتاحه الكلام !!
- عصير العفول !
- يكبرون ولا ينضجون
- الخلاف في الرأي يفسد للود ألف قضيه
- القضية الفلسطينية و صورة العرب و المسلمين في مخيال إسرائيل و ...
- أساطير الفيضان الإبراهيمية - الجزء الرابع
- تجارة الوهم
- أساطير الفيضان الإبراهيمية - الجزء الثالث
- العاهرة والبرجوازي -قصة قصيرة-
- أساطير الفيضان الإبراهيمية - الجزء الثاني
- أساطير الفيضان الإبراهيمية - الجزء الأول
- المجتمع المغربي كبنية تناقضية
- الأخلاق أم الدين


المزيد.....




- مصدر يوضح لـCNN موقف إسرائيل بشأن الرد الإيراني المحتمل
- من 7 دولارات إلى قبعة موقّعة.. حرب الرسائل النصية تستعر بين ...
- بلينكن يتحدث عن تقدم في كيفية تنفيذ القرار 1701
- بيان مصري ثالث للرد على مزاعم التعاون مع الجيش الإسرائيلي.. ...
- داعية مصري يتحدث حول فريضة يعتقد أنها غائبة عن معظم المسلمين ...
- الهجوم السابع.. -المقاومة في العراق- تعلن ضرب هدف حيوي جنوب ...
- استنفار واسع بعد حريق هائل في كسب السورية (فيديو)
- لامي: ما يحدث في غزة ليس إبادة جماعية
- روسيا تطور طائرة مسيّرة حاملة للدرونات
- -حزب الله- يكشف خسائر الجيش الإسرائيلي منذ بداية -المناورة ا ...


المزيد.....

- المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و ... / غازي الصوراني
- دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد ... / غازي الصوراني
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية / سعيد الوجاني
- ، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال ... / ياسر جابر الجمَّال
- الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية / خالد فارس
- دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني / فلاح أمين الرهيمي
- .سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية . / فريد العليبي .
- الخطاب السياسي في مسرحية "بوابةالميناء" للسيد حافظ / ليندة زهير
- لا تُعارضْ / ياسر يونس


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمد جلال - فصل المقال وبيان ما بين الدولة والوطن من الاتصال