أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عبد الله عنتار - الأرض العطشى














المزيد.....

الأرض العطشى


عبد الله عنتار
كاتب وباحث مغربي، من مواليد سنة 1991 . باحث دكتوراه في علم الاجتماع .


الحوار المتمدن-العدد: 5284 - 2016 / 9 / 13 - 22:23
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    



لا يدري متى ولد حمودة، أمه تقول له ولدت " نهار الصهد" أي اليوم الذي عرف الحرارة المرتفعة، بدأ طوفان الذكريات يغزو مخيلته ، تذكر خيمة محاطة بنبات "العاصي" الجاف ومغطاة بأكياس "الشرمتل"، جوارها حظيرة باسلاك شائكة مخصصة للاغنام والماعز، بالقرب من مربط الأبقار، ناهيك عن ركام التبن يدعى "بالنادر"، هناك كان يرقد أخوه الجيلالي، لازالت بقايا التبن تحوم حول فراشه، في هذه اللحظة بدأ حمودة يتذكر لحظة ولادته وسط الخيمة، كان الفصل صيفا والموسم عزيبا، لعله ولد شهر يوليوز أو شهر غشت، لأنه لا يعرف بالضبط متى ولد، ولم يسجل في الحالة المدنية إلا لحظة دخوله إلى المدرسة، أخوه الجيلالي الذي وشك على سن 15 لم يدخل إلى المدرسة. الوالد لم يراهن على المدرسة. كما الدولة لم تراهن على ذلك، لأنها دولة أقوى الطبقات، لذلك يهمها دراسة أقوى الطبقات لا أضعفها، اشتغل والد حمودة المدعو لكبير حارسا في شركة فلاحية تابعة للدولة ابان كينزية الدولة، كان يتقاضى خمسين درهما في اليوم، وبالكاد يسد حاجاته، كان ينام في العراء وفي الصباح يعود يتفقد أحوال خيمته التي انيطت مسؤوليتها منذ أربعة أعوام إلى الجيلالي، كان هذا الأخير ينام قرب القطيع بجواره عصا متينة رأسية الشكل تأهبا لهجوم محتمل للصوص، لقد تعلم أن يكون "راجل حرش" في العرف القروي، ومن منطلق هذا العرف المدرسة لا تنتج سوى المدجنين والمخنثين كما هو الحال لحمودة الذي يبيت داخل الخيمة جوار أمه وبقية إخوته، وإن يكن فخلال العطلة الصيفية كان حمودة يرعى الأبقار ويأخذها إلى الحصيدات البعيدة، وأثناء الزوال يعود بها إلى الوادي المجاور للخيمة، لا يعرف حمودة حرفة أكثر من الرعي. لا يعرف الدرس و لا نقل التبن ولا تصفيفه، لكن أهم شيء تعلمه خلال موسم العزيب هو السباحة في الوادي، غير ذلك لم يعثر على معين، طيلة السنوات الطويلة التي قضاها في المدرسة عاشها مغتربا في قريته، كان القرويون يقولون له أنت لا تعرف شيئا عن أحوال القرية، مرة واحدة ذهب فيها لقص الذرة والحمص في حقلهم، أما الأوقات التي يرجع فيها إلى القرية، كان يدخن سيجارته ويمضي سارحا في كتابه وجالسا شارحا لهم أوضاعهم دون أن يفهم هؤلاء شيئا مما يقول، كان قد اطلع على كتاب لغرامشي عن دور المثقف العضوي، لكن أغلب القرويين أميون حرمتهم الدولة من الثقافة لتجريدهم من سلاح الثورة والتغيير، كان ما يحز في قلبه حقيقة هو ما يقوله القرويون : " انت يا حمودة رجل طيب، لكن عيبك الوحيد لا تصلي"، كان كلامه التوعوي يسري في أوصال القرويين المؤمنين، كان قد تعلمه أيام النضال الطلابي ولكن الذي يجعل القرويين لا يذهبون أبعد مما يروم إليه هو أنه لا يصلي، هذا أخطر ما فعله خطباء الدولة وخطباء الجماعات الدينية : الربط بين الصلاة والعمل الصالح، بيد أنه لم تكن الصلاة يوما تدفع إلى العمل الصالح، كان المؤمنون يصلون ويذهبون للجهاد، كانت الصلاة محفزا للقتال. هذا هو الذي لم يتفطن إليه القرويون لضحالة تفكيرهم، لقد حاول هؤلاء أن يفهموا حالة حمودة دون أن يفهموا شيئا، كان استرساله في الكلام يثير معجزة كبيرة بالنسبة لهم، كان يقول لهم : هل الدولة بنت مسجدا مزخرفا في القرية حبا فيكم ؟ هل حبا في إله يذكر صباحا مساء ؟ لنفترض أنها تحبكم وترعى حقوقكم لماذا لم تحفر بئرا لكل قروي وتشيد ملعبا و ترمم طريقا وتبني مستوصفا وتعلم كل قروي وتدرس القرويين تدريسا جيدا ؟ حمودة لا يؤمن بالانتخابات يعتبرها شكلية لا تفوض المنتخبين سلطة بل تجعل غير المنتخبين أعلى سلطة، كما ترعى الداخلية كل ذلك . لكنه أراد أن يجرب خوض الانتخابات. ترشح في قريته وراهن على القرويين الذين كان يعمل على بلورة وعيهم، ترشح كمستقل، جلس مع القرويين استمع إلى معاناتهم، دونها في ورقته، قبل الانتخابات كانت عمته السبعينية المطلقة تدعى الباتول تقول للقرويين : " لا تصوتوا عليه انه لا يصلي" . عمته هذه صارت منقبة بعد أن كانت فاجرة تجوس بالمحرمات، كانت تكرهه منذ أن انتوى حب ابنة عمه حليمة، مذاك وها قد مضت عشرون سنة على قطيعته معها ، ها هي تكيد له المكائد، لأنه يتجرع الجعة ويدخن ولا يتدخل في حياة الناس الخاصة، بينما هي تشبه " السطل المثقوب" تنقل الأخبار وتتجسس على الناس، وتنشر الفتن والصراعات، ذاك هو أسلوب الفاشلين ، وإن يكن فهو لا يذكرها فالذكرى لا تنفع غير المؤمنين، كما كان في الجامعة بدأ يشرح للقرويين واقعهم، وعدوه بالتصويت عليه وفي الخفاء استلموا النقود من لدن الشناقة وتركوا بطاقاتهم الوطنية عندهم ولم يذهبوا للتصويت وبقي حالهم يتقاذفه الغبار .

ع ع / بنسليمان- 11 شتنبر 2016 - المغرب



#عبد_الله_عنتار (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رحلة إلى الشمال : بين أزلا وشفشاون : رحلة بطعم المغامرة
- رحلة إلى الشمال : أقشور : الغابة المطيرة
- رحلة إلى الشمال : واد لاو : حينما تصير القراءة فعلا استثنائي ...
- رحلة إلى الشمال : أزلا : المناظر الخلابة وتردي الخدمات
- رحلة إلى الشمال : أزلا : القرية الهادئة والأهالي الطيبون
- رحلة إلى الشمال : مارتيل : مزيج بشري
- تراتيل أزلا
- رحلة إلى الشمال : الفنيدق : أسى دفين
- رحلة إلى الشمال : بين طنجة والفنيدق: أسى عن رفيقة سليبة
- رحلة إلى الشمال : طنجة المدينة التي أرفضها
- رحلة إلى الشمال : أصيلة : تأمل في اللوحات أم تأمل في الجميلا ...
- رحلة إلى الشمال : في طريق الشمال : ما يجمعنا هو الوطن
- جيراننا في الريف
- كيكي والآخرون
- تحت الشجرة الوارفة : حنين متجدد إلى الأرض
- موسم مولاي بوعزة : تكريس التبعية
- وحيد في البراري
- رحلة علمية إلى تافيلالت : المغرب المتباين والمفارق
- على محراب الآلهة جلست فبكيت
- ذكرى صديق عزيز


المزيد.....




- مصر.. شائعة تتسبب في معركة دامية وحرق منازل للأقباط والأمن ي ...
- مسئول فلسطيني: القوات الإسرائيلية تغلق الحرم الإبراهيمي بحجة ...
- بينهم طلاب يهود.. احتجاجات مؤيدة للفلسطينيين تهز جامعات أمري ...
- أسعدي ودلعي طفلك بأغاني البيبي..تردد قناة طيور الجنة بيبي عل ...
- -تصريح الدخول إلى الجنة-.. سائق التاكسي السابق والقتل المغلف ...
- سيون أسيدون.. يهودي مغربي حلم بالانضمام للمقاومة ووهب حياته ...
- مستوطنون يقتحمون المسجد الأقصى في ثاني أيام الفصح اليهودي
- المقاومة الإسلامية في لبنان .. 200 يوم من الصمود والبطولة إس ...
- الأرجنتين تطالب الإنتربول بتوقيف وزير إيراني بتهمة ضلوعه بتف ...
- الأرجنتين تطلب توقيف وزير الداخلية الإيراني بتهمة ضلوعه بتفج ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عبد الله عنتار - الأرض العطشى