أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الله عنتار - تحت الشجرة الوارفة : حنين متجدد إلى الأرض














المزيد.....

تحت الشجرة الوارفة : حنين متجدد إلى الأرض


عبد الله عنتار
كاتب وباحث مغربي، من مواليد سنة 1991 . باحث دكتوراه في علم الاجتماع .


الحوار المتمدن-العدد: 5209 - 2016 / 6 / 30 - 05:42
المحور: الادب والفن
    


عندما زرت مدينة بني ملال أول مرة في حياتي، وكان ذلك في الثالث من شتنبر عام 2012 ترسخ في ذاكرتي جبل شامخ يتركز أعلى المدينة، أسميته الجبل الأجرد، فلا نباتات تنمو على قمته، ولا أشجار ولا أعشاب، اللهم الفراغ، فخلال الشتاء والربيع تكسو قمته الثلوج، بينما في الصيف والخريف تكون قمته جرداء، لذلك في بداية يوليوز حينما أنهيت تكويني و أقلعت عن المدينة تركته أجردا كما وجدته، لا أعلم لماذا ذاكرتي ظلت محتفظة بهذه الذكرى ؟ أليس للبداية أسطورتها التأسيسية ؟ أ يكون هاجس الإنسان هو الاحتفاء بأسطورة البداية والنهاية ؟ بعد شهور من التكوين توطدت علاقتي بصديق يتحدر من الواليدية يدعى عبد المجيد، كنت أتردد عليه كثيرا، وآخر وجبة تناولناها معا كانت في عين أسردون تدعى الطاجين، ناهيك عن الدلاع الأحمر، هذا الصديق كان وقورا رزينا هادئا يتحدث ببرودة لن أنس الجولة التي قمنا بها معا عبر طريق تادلة، أخذنا صورا مشتركة ولاح الجبل الأجرد في الأفق، وعدنا بعضنا أننا لن نغادر المدينة، وإلا نكون قد تسلقناه، داهمنا الصيف، وغادرنا بني ملال ولم نتسلق الجبل، مذاك رحلت إلى بلاد تارتروس، بينما عبد المجيد رجع إلى الواليدية، ولم نعاود لقاءنا، كم هي المرات التي رجعت فيها إلى بني ملال شوقا وحنانا، تلهمني هذه المدينة الساحرة ويثيرني جبلها الشامخ، عادت مني وعدت منها، أحبها زائرا لا مستقرا ، هي لا تحب المستقرين، بل تحب الزوار، كم هي المرات التي نبذتها لأنني كنت أخشى أن أسقط في أحضانها ولا أغادرها، مع العلم أنني كائن مترحل نومادي، مهاجر لا يرتاح إلى الاستقرار، إنني ابن السؤال لا الجواب، وليد الشك لا اليقين، تواق إلى الأفق، صديقي عبد المجيد هو نقيض لي، قليلة هي المرات التي غادر فيها بني ملال أو الواليدية، إنه يتشبت بالمكان ويتمدد فيه، بالمقابل أشعر أنه يعتقلني ويكبلني، فلطالما كنت أزور بنسليمان أو المحمدية وأعتبرهما طوق النجاة، منذ أن غادرت بني ملال، كانت رحلتي إلى بلاد تارتروس، عرفتها في اليوم الذي عرفت فيه بني ملال، مازلت أذكر ذلك الصباح الخريفي المشمس، خرجنا من أرض الشاوية ولاحت نتف أشجار وجبال ترابية مغبرة صفراء، هبطنا عبر هوة سحيقة، واستقبلتنا مدينة كئيبة تلفها الأحجار المتناثرة والغبار المتطاير جانب الاسفلت، وحينما خرجنا منها، طفت في البعيد مزبلة نتنة في طريق بلاد الأضرحة، كان اليأس والمستقبل المتشظي يناديني بين الأشعة الحارقة، ذات ربيع قفلت راجعا إلى المحمدية، مدحت تارتروس واعتبرتها العروس التي قدمت عذريتها إلى الاستعمار مقابل الاستقلال، فإذا بحدسي يقول لي : "يوما ما سوف تعرف أن العروس صارت غانية تتغنى بعذريتها الهاربة " .
إن أسوأ إحساس يشعر به الإنسان هو شعوره بالقيد، ومتى شعر الإنسان بالحرية شعر بالاطمئنان، لهذا أشعر بالسكينة حينما أكون مهاجرا متنقلا، لما اشتغلت ببلاد تارتروس كانت نهاية الأسبوع من أحلى أيامي، كنت أتخلص من قيدي و أغادر المدينة لكي أتنفس هواءا جديدا، وجودي في انفتاحي، في حركتي وتكسيري للقيد، وقدوتي في ذلك هو الحيوان المنوي، التواق إلى الحركة، إنني حيوان منوي يأخذ طريقه إما نحو التجدد والحياة والنمو أو ينحو نحو الموت.
مضت خمسة وعشرون عاما من عمري، خمس سنوات الأولى ضبابية لا أعرف الكثير عنها، اللهم القليل من النتف، ذاكرتي الخربة قادتني إلى الشجرة الوارفة الرابضة أعلى منزلنا الريفي هجعت فوق ركام أحجار، رحت أتأمل فطفت أنوات وأغيار وأطفال صغار ومعلم كأنه هو هم وهم هو. كلهم يجرون فوق جبال جرداء في قريته، لطالما ألهمته في نشدان الآفاق .

ع ع / بنسليمان - المغرب/ 25- يونيه 2016



#عبد_الله_عنتار (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- موسم مولاي بوعزة : تكريس التبعية
- وحيد في البراري
- رحلة علمية إلى تافيلالت : المغرب المتباين والمفارق
- على محراب الآلهة جلست فبكيت
- ذكرى صديق عزيز
- الإنسان أولا وقبل كل شيء
- مماتي
- رحلة غابوية : رجوع إلى الذات
- هل حاولنا أن نولد مرة واحدة وانتهت؟
- مدينة تارتروس *
- رثاء أيقونة
- التنوع السوسيومجالي : ظاهرة الأفارقة جنوب الصحراء (تأطير الب ...
- التنشئة الهدرية : مدخل نظري لتفكيك الأصنام الكبرى (الله، الن ...
- مريم الشيخ (1) : النساء المكتريات : جرأة في الطرح وتواضع في ...
- أيام عصيبة بالقسم الداخلي (2)
- من هم الأشخاص دون سكن قار (SDF) ؟
- أيام عصيبة بالقسم الداخلي (1)
- منزلنا الريفي (98)
- منزلنا الريفي (99)
- منزلنا الريفي (100)


المزيد.....




- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!
- مهرجان بابل يستضيف العرب والعالم.. هل تعافى العراق ثقافيا وف ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الله عنتار - تحت الشجرة الوارفة : حنين متجدد إلى الأرض