أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الله عنتار - كيكي والآخرون














المزيد.....

كيكي والآخرون


عبد الله عنتار
كاتب وباحث مغربي، من مواليد سنة 1991 . باحث دكتوراه في علم الاجتماع .


الحوار المتمدن-العدد: 5209 - 2016 / 6 / 30 - 08:32
المحور: الادب والفن
    


عشت في الريف سنوات طويلة، تجولت بين المنازل المتناثرة، كان كل منزل ريفي يحيط به الصبار والحواجز الشوكية، يتخيل لأي زائر أجنبي أن الريف فضاء مفتوح، لكن واقع الحال أن الريفيين أكثر احترازا حيال بعضهم البعض، كان كل منزل تحرسه ترسانة من الكلاب، بل حتى المراعي محروسة شأنها في ذلك شأن المنازل، في طفولتي كنت أعرف راعيا يدعى مصطفى يملك قطيعا كبيرا من الماعز، كان يرعاه على طول مجرى وادي النفيغيخ حتى يشارف مدينة المحمدية و كان يساعده في ذلك قطيع من الكلاب حيث لا تجرؤ الذئاب أو الخنازير على الوصول إليه، مصطفى هذا كان رزينا لا يتكلم إلا لماما، غادر المدرسة باكرا وتماهى مع الطبيعة و أحبها حبا جما، يعرف وكر الخنازير ومتى تولد ومتى تخرج، كما يعرف جيدا الذئاب وكم مرة عثر على صغارها واعتنى بهم حتى تدجنوا وصاروا كلابا، يحمل فوق ظهره جلبابه أو سلهامه أو جاكيته ويمضي جوار ضفاف الوادي، كان يغادر قطيعه في بعض الأحيان ويتركه في عهدة الكلاب التي تعتني به كل العناية . يبلغ مصطفى حوالي أربعين عاما قضاها كلها في المراعي الواسعة، نادرا ما يذهب إلى المدينة، تمثل له هذه الأخيرة قيدا ويرى فيها رتابة مملة .
رأيت مصطفى أول مرة في يونيو عام 1996، كنت في سن الخامسة، وكان يرافقني جرو صغير ذو العامين، كان صغيرا وحصيفا يطبق الأوامر بحرفية صارمة، كان ذيله قرطيطا رمادي اللون، وبينما كنت أسبح في بحيرة الوادي التي تقع أسفل جسر الطريق الجهوية رقم 305 الرابطة بين بوزنيقة وابن أحمد، كانت كلاب مصطفى قد هاجمت جروي الصغير الذي تركته يراقب ملابسي فأرادت أن تمزقه، فما كان من مصطفى إلا أن انهال عليها، مذاك عرفت أنه ابن الطبيعة والإنسانية، وما عادت صورته تفارقني، ومع مرور الوقت وتفتح عيوني على المراعي، كان لدينا قطيع صغير من الماعز، كنت أنا وأخي من حين لآخر نتركه في عهدة مصطفى ونرحل إلى الوادي لكي نسبح ونصيد الأسماك ونذهب بها إلى خيمتنا المنتصبة قرب الوادي لكي نتناولها .
عاش جروي الصغير الذي صار كلبا حوالي 12 عاما، كنت متعلقا به حد الجنون، ولد في أواخر عام 1994 وكان قد عثر عليه أخي رشيد في طريق عودته من إعدادية زياد بمدينة بن سليمان، أذكره صغيرا يزحف طاهرا كالملاك، والدتي المسكينة كانت متطيرة من الكلاب، علمت جرونا الصغير ألا يرافقنا إلى البيت، كنا نحب أن نعانقه ونتلمسه ونشم رائحته، كنا نأخذه إلى المرعى ونلعب معه، وإن يكن فقد تعلق بأخي رشيد أكثر مني، هذا الأخير سماه " بكيكي"، كان يأخذه إلى الغاية المحيطة بمنزلنا الريفي ويصطاد القنافذ والأرانب والحجل .
مع مرور الوقت لم يعد " كيكي " صغيرا، صار شابا، أكثر نباحا وتيقظا، كلما رحلنا إلى العزيب وانتقلنا إلى أرضنا جوار الوادي، كان " كيكي" في مقدمة القافلة يحرسها من الأخطار . كان كالزطاط عارفا جيدا لخبايا المنطقة . لن أنس اليوم الذي وقف في الطريق حتى تمر القافلة والشاحنات من حوله تطن، في تلك اللحظة عرفت أن نهايته اقتربت، عاش هذا الكلب متواضعا قانعا يكتفي بوجبة واحدة في اليوم ولا يفارق محله الصغير. لم يسرق بيضا أو اعتدى على قطيع . اللهم هفوة واحدة حينما نهش صديقي في المدرسة يدعى أمين، الذي كلما التقيته كنا نتذكر ذلك اليوم المشؤوم .
لم تكن كل الكلاب " ككيكي "، هذا الأخير كان يحترم أختي المعلمة التي تمضي شهورا طويلة بعيدة عن المنزل ويستقبلها بالحبور، في الشهور الأخيرة التي سبقت وفاته في 04 من يونيو عام 2006 كان كلبنا كظيما وحزينا، فلقد رحل صديقته رشيد إلى أوروبا وتركه وحيدا يصيد القنافذ، بينما كنت قد رحلت إلى المدينة لاستكمال دراستي، كنت كلما رجعت أحمل بقايا خبز وأرميها له و كان يحرك ذيله إيذانا بالحبور .
كانت قصتي مع الكلاب متلونة، مازالت على جسدي آثار عضة وكدت أموت لولا مساعدة عجوز قروية أنقذتني من مخالب كلب داهمني في البرية، لا أحتفظ بذكرى جيدة عن الكلاب في قريتي الأصلية، كانت بعض النساء تقطع ذيولهم أو آذانهم، أو يتم ترحيلهم أو إعدامهم، أذكر أنني ذات يوم رافقت جارتنا وهي ترحل كلبها الذي كان يسرق لها بيضها، لقد وضعت على رأسه كيسا ووضعته في " الشواري" وقطعت مسافة طويلة وتركته وحيدا لكي لا يعرف الطريق ويواجه مصيره المجهول .

ع ع/ 27 يونيو 2016/المحمدية- المغرب



#عبد_الله_عنتار (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تحت الشجرة الوارفة : حنين متجدد إلى الأرض
- موسم مولاي بوعزة : تكريس التبعية
- وحيد في البراري
- رحلة علمية إلى تافيلالت : المغرب المتباين والمفارق
- على محراب الآلهة جلست فبكيت
- ذكرى صديق عزيز
- الإنسان أولا وقبل كل شيء
- مماتي
- رحلة غابوية : رجوع إلى الذات
- هل حاولنا أن نولد مرة واحدة وانتهت؟
- مدينة تارتروس *
- رثاء أيقونة
- التنوع السوسيومجالي : ظاهرة الأفارقة جنوب الصحراء (تأطير الب ...
- التنشئة الهدرية : مدخل نظري لتفكيك الأصنام الكبرى (الله، الن ...
- مريم الشيخ (1) : النساء المكتريات : جرأة في الطرح وتواضع في ...
- أيام عصيبة بالقسم الداخلي (2)
- من هم الأشخاص دون سكن قار (SDF) ؟
- أيام عصيبة بالقسم الداخلي (1)
- منزلنا الريفي (98)
- منزلنا الريفي (99)


المزيد.....




- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الله عنتار - كيكي والآخرون