|
عقلى الصغير و الإله الأصغر
منال شوقي
الحوار المتمدن-العدد: 5110 - 2016 / 3 / 21 - 04:34
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
لا يستطيع أحد أن يزايد علي حبي لله حين كنت مسلمة ، و علي الأقل أثق أنا في صدق هذا الحب . و لا أستطيع أن أُنكر أن صدمة تحطم صنم الإله كان لها دوياً هائلاً أثر في كياني كله ، لم أكن أخرج و كنت بالكاد أخطو خطوات قليلة في البيت كشبح منحني الظهر . كنت أكلم نفسي و لم تكن المسلمات تتوقف عن التداعي أمام ناظري كقطع الدومينو الواحدة تلو الأخري . و قد كان أول ما يدور في ذهني حين أفيق من النوم مباشرة هو الديالوج التالي : أيعني هذا أن لا حياة ثانية ؟ أيعني هذا أن في الموت فناءً أبدي ؟ ألن أري أحبتي ثانية ؟ كيف هذا ؟ هذا ليس عدلاً ! . كانت لدي شكوكي - ككل المؤمنين - لسنوات عدة تجاهلتها و كنت لا أجرؤ علي مجرد التفكير فيها بل كنت أتفل عن يساري ثلاثاً كلما قفزت فكرة منطقية إلي رأسي تتعارض مع الدين و كنت أتحايل علي تفكيري قائلة : أنا أجد هذا التعارض كوني لا أعلم الدين كما يجب و بالتأكيد توجد حكمة ما خافية علي عقلي القاصر . أتذكر أول لحظة تمرد لي علي الله حين كنت في التاسعة عشر و كنت أدرس مقتطفات من كتاب سيد قطب ( في ظلال القرأن ) و بما أن الكتاب كان ممنوعاً في مصر فقد كان أساتذة الجامعات يحتالون علي ذلك بنشر كتبهم الخاصة و التي تحمل عناوين مثل ( قراءة في كتاب سيد قطب أو نقد كتاب سيد قطب في ظلال القرأن ) مع تضمينه أهم أراءه . أتذكر أول محاضرة للدكتور إبراهيم عوض أستاذ النقد الأدبي بكلية الأداب حين كان يناقش أراء سيد قطب في الجهاد و واجب العالم الإسلامي في نشر الإسلام في الدول الكافرة و لو بحد السيف و أتذكر أنني طلبت الكلام و قلت : أنا أتفق مع سيد قطب و هذا دور المسلم لأن الكافر لا يعلم صالحه و نحن بهذا إنما ننقذه من نار أبدية أي أننا نعمل له لا ضده ، و قد كان رد الدكتور المحاضر عليّ عجيباً أحرجني جداً وقتها و ظللت لسنوات أشعر بالحنق عليه كلما تذكرته و كم أخجل من نفسي الأن و أجده محقاً ، قال لي : روحي غطي شعرك الأول و بعدين تعالي إتكلمي عن نشر الإسلام و الجهاد في سبيل الله ! . ثم كان أن لفتت نظري أراء سيد قطب و أسلوبه الجاف فعمدت إلي قراءة الكتاب كله حتي تلك الأجزاء الغير مقررة علينا في الإمتحان و صدمتني حينها أيات ضرب الزوج لزوجته و قد كانت تلك هي المرة الأولي التي أقرأها و أعلم بأن هكذا كلام موجود في القرأن و هذا راجع علي ما أظن إلي الإنتقائية التي يقومون بها في وزارة التربية و التعليم و التي يتم بمقتضاها إختيار أيات أو سور بعينها لتدريسها مما يُظهر الإسلام بمظهر حسن و لا يُنفر منه . و بعقلي الصغير وقتها تسائلت : قد تكون إمرأة ما أكثر حكمة و عقلاً من زوجها و أنا أري بالفعل هكذا نماذج في محيطي ، فكيف يُعطي الله الحق للرجل في تقويم زوجته بضربها إن هي لم تطعه و لعل في طاعتها له ضرر للأسرة بأكملها إكتشفته هي بحدسها و ذكائها و الذي من الوارد جداً أنه يفوق ذكائه ، فإن تعارض رأيهما كانت الغلبة لرأية بصفته الرجل و وجب عليها حينها أن تطيعه رغم عدم إقتناعها فإن لم تفعل فهو العظة ( ممن هو أقل ذكائاً ) ثم الهجر في الفراش ( و هذا ليس حلاً و إنما محاولة إخضاع ) ثم الضرب ( و تلك منتهي السفالة التي أربأ بإلهي العظيم عنها ) ، و عليه فقد مرت سنوات طويلة و أنا أتجنب التفكير في تلك الأية و غيرها مما لا يدخل العقل ليكون كلاماً لإله . أتذكر حين بدأت المدعوه نجلاء الإمام بالتعدي علي شخص محمد بالقول و كيف كنت في منتهي الغيظ و الحنق عليها لدرجة أنني كنت أتخيل نفسي و أنا أقتلها بطرق متعددة و كان خيالي يُبدع في إيلامها و هو نفس ما حدث حين عُرِض الفيلم المسيئ للرسول ، فقد ظللت لسنوات لا أحاول مشاهدته حتي لأنني كنت أري في مجرد مشاهدته ذنباً و لأني من هول ما سمعت و قرأت عنه كنت أشفق علي نفسي من الموت كمداً حال مشاهدته و بالتالي و لأني أعلم أن منتجه و مخرجه و العاملين فيه مسيحيين فقد كرهت كل المسيحيين و صرت أشمت في مصائبهم و قد أمنت حينها بأنهم يستحقون أي عقاب و كل ما يحدث لهم . . ظلت بذرة الشك مرافقة لي و كانت تنمو مع كل معلومة دينية جديدة تقتحمني و أنا أعني الكلمة فلم أكن أبداً أنا من تسعي لتعرف بل كانت المعرفة تفرض نفسها عليّ عن طريق جملة أقرأها علي الإنترنت أو أخري أسمعها بالصدفة في برنامج . ثم كان أن نضج عقلي نسبياً إلي الحد الذي يتعجب من فكرة الإله الذي يُرسل رسائله للبشر بالكيفية التي نعرفها ، ملاك يطير و ينزل للأرض مُحًمّلاً ببضع كلمات يُسِر بها و يصبها صباً في أذن شخص واحد من البشر ، و لا أحد رأي الملاك و لا أحد سمع الكلمات غير هذا الذي يدعونه رسول و كلمة الفصل و التي علي أساسها يكون الواحد منا في الجنة خالداً أو في النار أبداً هي في تصديق هذا الرجل ! فلماذا يربط الله بين تصديقنا في وجوده و تصديقنا لإنسان مثلنا ؟ إن هول العاقبة كان يستوجب تحري العدالة الكاملة في الإختبار فإن إختفت هذه العدالة فلا حُجة يقوم عليها العقاب أو الثواب و أنا أميل لتفكيك المعطيات لعناصرها الأولية و تمثيلها بما يفهمه عقلي و يقتنع به المنطق الذي لا خلاف عليه بين إثنين من الأسوياء . أيكون إذن من العدل أن يُعطي المعلم جواب أهم سؤال في الإمتحان لأحد تلاميذه ثم يطلب منه إعطاء باقي الأجوبة فيما عدا إجابة هذا السؤال لزملائه ؟ إن محمد - علي فرض إنني أعتبره نبياً - هو الوحيد الذي لم يخالجه أدني شك في وجود إلهه و هو الوحيد الذي لم يعتمد في تصديقه لوجود هذا الإله علي شخص أخر ، هو الوحيد الذي حاز إجابة السؤال الأهم : هل الله حقاً موجود ؟ هل هذا هو بالفعل كلامه ؟ أما أنا فلكي أصدق في وجود الإله و في كون القرأن كلامه فينبغي عليّ أولاً أن أصدق محمد و هنا ينعدم مبدأ تكافؤ الفرص بيني و بينه و علي قدر هول النتيجة إن أنا لم أصدقه تأتي فداحة الإستهتار الإلهي و سخافة فكرة الإله و طغيانه و لطالما مان في ذهني عظيماً بما لا يتفق و تلك الصورة المشوهة ! . و كان أن فاض بي الكيل و أردت أن أضع حداً لعذابي النفسي و قررت المواجهة و لم يكن أبداً غرضي النبش عن عورات الإسلام و بلاويه بل سد الثغرات و الإيمان دون شك لأصبح مؤمنة و لست مسلمة بالميلاد فلم يكن لدي أدني شك في أنني كنت سأجد في المسيحية الدين الحق لو كنت قد وُلِدت لعائلة مسيحية و هكذا تفرغت تماماً للبحث و القراءة و كنت أقرأ بلا كلل و لا ملل و من مصادر إسلامية ، و علي رأسها القرأن و تفسيره ثم كان أن تقف في حلقي شوكة فأقرأ أراء ناقدي الأديان فيها و أتعمد أن أجعل من نفسي محامي الإسلام و أتطرف في الدفاع عنه أمام نفسي ملتمسة له كل الحجج و مُفترضة في المعارضين كل العبر إلي أن كانت لحظة استثنائية أضاء فيها عقلي بالمعني الحرفي للكلمة و أقسم بحياتي أنه لم يحدث أن رأيت بعقلي و كأن له عينان كما حدث في تلك اللحظة ، إنكشف الغطاء فجأة عن الوثن و رأيت وجهه القبيح لأول مرة و عرفت مَن كنت أعبد و عشت أسوء أيام حياتي بعدها لأن الإله / صديقي / حبيبي / سندي و معيني كان مجرد فكرة في رأسي نشأت عليها و نماها خيالي . كم مرة تحدثت معه ؟ كم مرة بكيت و أنا أكلمه ؟ كم مرة وثقت ثقة عمياء في أنه سيساعدني فيما اعتقدت أنه لا طاقة لي به و فعلها ! كم مرة نمت قريرة العين لا لشيئ إلا لشعوري برضاه عني ؟ لم أستطع أن أعاديه أبداً ، هذا الصديق اللصيق و لا أريد ، و لكني أسخر من الصنم إيل و القمر سين الذي تطورعنهما إله المسلمين و كذلك شعوري بالنسبة للشمس إله المسيحيين المتنكر في إسم يسوع . أما صديقي و الذي هو كل معاني الخير و الحق و الجمال و الذي لن يحرق أحمق لأنه لم يقم بحركات الصلاة البهلوانية أمامه خمس مرات في اليوم لأنه - أي صديقي - أعظم و أكبر من هذا ، هو الذي لن يلعن إمرأة أو يُسلط ملائكته لتلعنها لأنها تعطرت رغم أنها قد تكون قد خرجت للعناية بمريض أولته من جهدها كل جهد ، و هو الذي لن يطلب من الناس أن يدوروا كأغبياء حول مكعب من الحجر لحكمة لا يعلمها إلا هو و يري في ذلك تكفيراً لهم عن ذنوبهم ، و هو الذي يتعالي عن أن يكون له أعداء في حقارة الإنسان بالنسبة لعظمته فيردح لهم كما فعل إله محمد مع أعداء محمد و شاتميه و بالتأكيد لن يعد أحبابه بجنة العهر التي يحتفظ بها إله المسلمين للمجرمين الذين يقتلون بإسمه لنشر دينه !
#منال_شوقي (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تمثيلية نصف المجتمع
-
إدخلوا الإسلام يا مسلمين
-
يوميات إمرأة مسلمة (2)
-
إرهاصات نبوة محمد (1)
-
يوميات إمرأة مسلمة
-
الفريضة السادسة
-
عصابة الرسول (1)
-
إنا أرسلناك نَكّاحاً للعالمين
-
عبيد العَصَا تاقت إليها جلودهم !
-
قال إنه واحد فعلمتُ أن له ثانٍ !
-
و اضربوهن و اضربوهن .. تعقيباً علي مقال الأستاذ نبيل هلال
-
حوار مع صديقي المؤمن (2)
-
لماذا الإسلام شرا مستطيرا !
-
لا أخلاقية القرأن ( قراء في سو رة يوسف )
-
حوار مع صديقي المؤمن (1)
-
الأزمات النفسية للملحدين 1/2
-
التكنولوجيا علي وشك الإنتهاء من نعش الله
-
في عيد الحب ... رسالة حب لعزيزي المسلم .
-
الله الذي سكت دهرا ثم نطق سخفا
-
الله الرجل (2 )
المزيد.....
-
الأردن.. إجراءات بحق جمعيات وشركات مرتبطة بتنظيم -الإخوان-
-
إغاثة غزة.. منظمات يهودية أميركية تضغط على إسرائيل
-
الناخبون اليهود في نيويورك يفضلون ممداني على المرشحين الآخري
...
-
الأردن يحيل شركة أمن معلومات تابعة لجماعة الإخوان المحظورة إ
...
-
كيف تدعم -خلية أزمة الطائفة الدرزية- في إسرائيل دروز سوريا؟
...
-
الخارجية الفلسطينية تدين دعوات اقتحام المسجد الأقصى غدًا بحج
...
-
3 أسباب تُشعل الطائفية في سوريا
-
آلاف الفلسطينيين يؤدون صلاة الجمعة في المسجد الأقصى وسط قيود
...
-
جولي دهقاني في بلا قيود: لدينا أفراد في الكنيسة لا يقبلون سل
...
-
40 ألف فلسطيني يؤدون صلاة الجمعة بالمسجد الأقصى
المزيد.....
-
علي قتل فاطمة الزهراء , جريمة في يترب
/ حسين العراقي
-
المثقف العربي بين النظام و بنية النظام
/ أحمد التاوتي
-
السلطة والاستغلال السياسى للدين
/ سعيد العليمى
-
نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية
/ د. لبيب سلطان
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
المزيد.....
|