أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - احمد ناصر الفيلي - في الذكرى السابعة والثلاثين لرحيل الاب الروحي للكورد البارزاني الخالد















المزيد.....


في الذكرى السابعة والثلاثين لرحيل الاب الروحي للكورد البارزاني الخالد


احمد ناصر الفيلي

الحوار المتمدن-العدد: 5090 - 2016 / 3 / 1 - 19:10
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


- البارزاني الخالد: لم ولن احارب الشعب العراقي ، ان نضالنا ضد اولئك الذين امتصوا دماء شعبنا العراقي
- الأمين العام الاسبق لجامعة الدول العربية سيد عبد الرحمن عزام باشا: يجب على الأمة العربية ان توفر الامكانيات والحرية للكورد ليقرروا مصيرهم معنا بصورة حرة

منذ ولادته في مطلع القرن العشرين وسط اجواء الظلم والاضطهاد , التي كابدها وطنه وشعبه الكوردي مترعرعاً في فضاء الرفض والتصدي للواقع المأساوي الجاثم, وظهوره زعيماً للحركة الكوردية المعاصرة ومعبراً امينا وصادقاً لتطلعات الكورد وطموحاتهم . لم ينقطع في مواصلة المشوار برغم مشقة الطريق ووعورة المسالك وطبيعة الاوضاع وتناقضاتها . وقاد المسيرة النضالية للكورد بصبر وحكمة اتسمت باليقظة الدائمة والوعي والضمير الحي لقضية شعبه. بنى المشروع الوطني القومي ورفده بوسائل التعبئة من خلال بث الروح الوطنية في قلوب الملايين من الكورد , مستنهضاً الهمم لينتهي الشعب الكوردي من سبات عميق .
كما عرف العالم بالقضية الكوردية وحقوق الكورد المشروعة , حتى غدا اسمه رمزاً لقوميته واشارة لقضيتها العادلة في عالم اكلته المصالح , وجرفته عن صفته الانسانية. وصفه كثيرون من قادة شعوب ومفكرين وباحثين وصحفيين عرب واجانب , واجمعوا على ما يتحلى به من رؤية واقعية ومصداقية قل نظيرها , امتزجت بالتفاني من اجل حقوق الكورد , ونشر ثقافة التعايش والتآخي بين الشعوب , ومفاهيم الديمقراطية التي اضحت مطلباً للبلدان العديدة في راهننا الحاضر. وصفه الرئيس المصري الاسبق جمال عبد الناصر , لدى لقائه به في القاهرة عام 1957بأنه (زعيم اجتمع فيه القديم والحديث، متفان من اجل شعبه) . وكتب رينيه مورييس مدير المكتب الصحفي للرئيس الفرنسي الاسبق فرانسوا ميتران (ان البارزاني هو الطود الشامخ في تاريخ الشعب الكوردي ورمزه النضالي) . وذكر الباحث الصحفي الالماني كوتز دشنر (ان البارزاني اهم شخصية سياسية وعسكرية في التاريخ الكوردي منذ صلاح الدين). اشار الصحافي دانا آدمز في كتابه (رحلة الى الرجال الشجعان) الى انه (لم يشهد تاريخ الشرق الاوسط قائداً مثله لا يتنازل عن كرامته ورصانته واهداف شعبه في كل الظروف العصيبة التي تمر بها كوردستان وكانت ذهنيته السياسية متطورة جداً تعينه على التعمق حتى يصل الى النتيجة النهائية او الى قلب المسألة التي يبحث فيها). وهؤلاء التقوا البارزاني في حياته , وواكبوا منعطفات الحركة التحررية الكوردية بأفراحها واحزانها , ومثل هذا الوضوح والعمق في شخصية البارزاني انطوت على تعبير استراتيجي كان لها تأثيرها المهم , ليس على صعيد الحركة التحررية الكوردية وتطورها , وانما على مجمل الحركة الوطنية العراقية , ومساعيها النضالية في التحرر والانعتاق من آثار سياسات التمييز العنصري والطائفي , وتحقيق العدالة والمساواة , وبناء المجتمع المدني الديمقراطي . وكانت دعوته المتكررة , بضرورة قيام نظام ديمقراطي تعددي , يؤمن الشراكة الحقيقية لافراد الشعب , واطلاق الحريات العامة والخاصة واجراء الانتخابات الحرة النزيهة لتحقيق ذلك وغيرها من الحقوق , التي من شأنها بناء مجتمع متماسك يسير باتجاه التقدم والعصرنة.
ان ادراك كامل حركة الاهداف الديمقراطية في أي مجتمع , يحتاج الى وعي وارادة واستيعاب من اجل تجاوز صعوبات التغير المرحلي والانتقال الى حالة نظام سياسي جديد , ذلك ان تلك المراحل هي من اخطر مراحل التغيير , فهي اما ان تقود الى البناء او تقهقر الى الوراء بفعل عوامل عديدة وصراع تناقضات القديم والجديد من مفاهيم ورؤى وافكار وتطلعات , وما يثير ذلك من كوامن في النفوس واختفاء مصالح غير مشروعة سابقة يراد التمسك بها عنوة .
السلم والحرب وقيم التسامح
كان ايمان البارزاني العميق بالسلم والسلام الزمه في ترسيخ مبادئهما في الدائرة الوطنية , فهو يرى في السلم استقراراً وطمأنية , وتلك مصلحة تهم شعوب الارض قاطبة , فضلا عن فسح المجال لتعايش الثقافات والافكار بما يعزز التعايش السلمي الاهلي وتوحيد لغة التفاهم والحوار وبناء مجتمع خال من العنف. في جميع معاركه الكبرى , التي خاضها وانتصر فيها لم يكن ميالا للحرب , فهو لم يخوضها الا اضطراراً بعد استنفاد كل الوسائل , وفي كل المجابهات التي تستدعيها ظروف الدفاع عن حقوق الكورد كان يتقدم الصفوف. كشفت الحقائق التاريخية والموضوعية , انه كان على الدوام ضد الاقتتال وسفك الدماء وميالا للسلام والتسامح حتى مع الد اعدائه , وتجد حقيقة ذلك من تلبيته السريعة والانية لكل يد تمتد اليه بالسلم ولكل خصم اثر الجنوح الى التفاوض فعل ذلك في سنوات 1964 و1966 ثم 1971 في الاتفاقية المعروفة (اتفاقية آذار على 1970). وامتلك حرصا كبيراً حيال عدم اراقة الدماء حتى مع الذين شهروا بوجهه السلاح ملتزما بمبدأ العفو عند المقدرة.
وضع اطر الدفاع عن الحقوق المشروعة للكورد , بأعتبار ان الدفاع من الموجبات الاساسية لبقاء الكورد .عدَ البارزاني التسامح قيمة اخلاقية عليا في تماسك اية وحدة اجتماعية , لقناعته ان الثأر والانتقام يجران أي مجتمع الى مستنقع العنف والخراب وان الذات الانسانية لابد ان تسمو.
عفا البارزاني عن كثيرين , وعفوه اعطى درساً تاريخياً بليغاً . ثمة مفارقة تاريخية تفرض نفسها في سياق الحديث . في ظروف مفاوضات اتفاقية 29 حزيران عام 1966 بين حكومة عبد الرحمن البزاز الذي كان رئيساً لحكومة عبد الرحمن عارف , وبين الحركة التحررية الكوردية واجهت الاتفاقية برفض تام من جماعة العسكر المحيطين بدائرة الرئيس والمؤثرين في دائرة القرار , وكان وزير الدفاع عبد العزيز العقيلي اكثرهم تعنتا ودعا الى تكثيف الحملات العسكرية واشتدادها برغم الهزائم الكبيرة التي لحقت بقوات النظام . التقى الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر , بوفد عراقي ضم عبد الرحمن البزاز رئيس الوزراء وعدداً من الوزراء بينهم عبد العزيز العقيلي وزير الدفاع وقد نصحهم الرئيس باهمية ايجاد حل سلمي للقضية الكوردية وسألهم :-
- ماذا تفعلون لحل مشكلاتكم مع الكورد.
اجاب وزير الدفاع : -اني استطيع القضاء على البارزاني في عشرة ايام فقط !! .
استفسر الرئيس ناصر من وزير الدفاع العراقي :-
-كيف تستطيع ذلك اجابه العقيلي : -
عندما اقف امام المذياع واكيل التهم اليه امام الشعب العراقي فسيقبل كل الشعب ويساندني عندئذ اسحق التمرد الكوردي واقضي عليه.
وقد اذهل هذا الرد الرئيس ناصر وتوصل الى قناعة بان العراق مقبل على مشكلات لا حدود لها ما دام قادته يفكرون بهذه العقلية.
في موقف مواز , في مستهل صيف 1970 بعد اتفاقية آذار , حضر الى مقر البارزاني شيخ طاعن في السن , وقال انه والد عبد العزيز العقيلي ويطلب رجاء البارزاني التوسط له عند حكومة بغداد لان ابنه عبد العزيز العقيلي محكوم بالاعدام من قبل سلطات البعث , فوعده البارزاني خيرا. وبر بوعده , وارسل نجله ادريس الى بغداد لمقابلة البكر الذي خفف الحكم من الاعدام الى السجن عشر سنوات وبعد اتفاقية الجزائر عام 1975 قتلته سلطة البعث في سجنه . ترى اية روح عظيمة هذه ترتفع فوق الضغائن .
اتفاقية آذار 1970 الظروف والملابسات
نصت اتفاقية آذار 1970 على اقرار الحكم الذاتي لكوردستان وفق بنود متفق عليها من الطرفين الحكومة العراقية وقيادة حركة التحرر الكوردية على ان تنفذ بمراحل خلال مدة اربع سنوات . وخلال المدة , حاولت حكومة البعث التملص من بنود الاتفاقية والالتفاف عليها بعد جملة متغيرات اقتصادية وسياسية شهدها الوضع انذاك , على ان هناك مسألة على جانب من الاهمية تتعلق بمجمل اوضاع البلاد , فقد كان قادة الكورد يطرحون في مباحثاتهم الجانبية مع سلطة البعث ضرورة تجنب الانفلاق والانعزال والتفرد واحتكار الوظائف واهمال حقوق الشعب العراقي. ولأجل وضع الاتفاقية وضمان نجاحها , اقترح المفاوضون الكورد اشتراك ممثلي القوى الوطنية في المفاوضات , او على الاقل اشراكهم في مراحل الاتفاق النهائية ليكونوا شهوداً عليه للتاريخ والمستقبل , لكن سلطة البعث رفضت ذلك . وخلال الاعوام 1970-1974 كان الكورد يطالبون بوقف حملات اضطهاد القوى السياسية الوطنية , وكان رد السلطة ان هذه الامور خارج نطاق المفاوضات . كما ارسل الحزب الديمقراطي الكوردستاني مذكرة في تشرين الثاني عام 1972 , يطالب بضرورة توفير الفرص المتكافئة لمختلف الاحزاب والقوى الوطنية معا وكانت تلك الامور ما تتضايق منه السلطة.
صناعة السلام اصعب بكثير من صناعة الحروب
في 11 آذار 1974 اعلن البكر بوصفه رئيس البلاد وامين سر قيادة البعث المشروع الحكومي البعثي للحكم الذاتي لمنطقة كوردستان بعد ان افرغ مشروعه من نقاط اساسية اتفق معها مع قيادة حركة التحرر الكوردية , وذلك في تصعيد خطير باتجاه ايصال الامور الى طريق مسدود. من جانبه اعلن المكتب السياسي عبر بيان له اذيع من محطة (صوت كوردستان) في 18آذار 1974 ان المشروع الحكومي مخالف لنص الاتفاقية وتعتريه نواقص واخطاء كثيرة , لابد من معالجتها وقدم البيان عبر مقترحات عديدة حلولا لها , وشدد على ان الخلافات مهما كانت حدتها فان خيارات الحل السلمي تبقى قائمة. في المشروع الحكومي تم الغاء نص المادة (14) من الاتفاق من خلال عدم شمول مناطق واسعة من كوردستان بالحكم الذاتي , وهي مناطق كركوك وخانقين وسنجار واقضية ونواحي كثيرة , وبالعودة الى المادة (14) نجد انها اكدت اجراء احصاء سكاني لتحديد المحافظات والوحدات التي تقطنها اكثرية كوردية وعدم الاعتراف بأي وجود سكاني ينشأ في هذه المناطق بعد احصاء 1957.
من الجدير ذكره , في فترة الاتفاقية وحالة اللاسلم واللاحرب (1970- 1974) جرت محاولات عديدة ومحمومة من قبل سلطات البعث بهدف اغتيال قادة ومسؤولين كورد بضمنهم البارزاني الخالد , الذي استهدف بعملية ارهابية كبرى يوم الاربعاء المصادف 29 /9/ 1971 حين توجه عشرة من رجال دين في زيارة غرضها المفترض تبيان اهمية السلم بين المسلمين والروابط التاريخية والدينية التي تربط بين العرب والكورد. وفي 7 كانون الاول عام 1970 نصب كمين في بغداد للشهيد ادريس بارزاني اصيب من خلاله مقاتل شجاع من صفوف البيشمركة حميد برواري المعروف (عريف حميد) .
كل هذا وحبر الاتفاقية لم يجف بعد مما يدل على ان البعث كان يخطط لشيء آخر وليس همه حل القضية الكوردية ودعم وحدة الشعب العراقي. في اطلالة عيد نوروز من عام 1974 , اطلت عدوانية السلطة البعثية تحمل الموت والخراب للكورد في عيدهم من خلال تكثيف اسراب الطائرات الحديثة بأنواعها القاصفة والمقاتلة غاراتها على المناطق المحررة الآهلة بالسكان وبضمنها مناطق قيادة الثورة ومؤسساتها ، وتسببت الغارات في وقوع اعداد كبيرة من الشهداء والجرحى، فضلا عن تشريد الآلاف من المدنيين في مناطق متفرقة من خانقين مروراً بأربيل والسليمانية وانتهاء بدهوك وزاخو حيث كانت المناطق المحررة تضم اكثر من مليون كوردي مدني وقتها. وبرغم شراسة الهجمة العدوانية ، التي عكست دموية سلطة البعث ، فأن قوات الثورة بقيت في مواقعها ولم تطلق رصاصة واحدة بأتجاه المئات من الربايا وافراد الجيش المنتشرة على طول حدود مناطق الثورة. بعدها شرعت قوات النظام بالقصف المدفعي ، الذي تزامن هذه المرة مع القصف الجوي لتعلن بداية هجومها . هذا الهجوم املى على قوات الثورة واجب الدفاع عن النفس ، وهو ما قامت به لدرء العدوان. واستمرت الحرب الجبهوية الواسعة النطاق من آذار 1974 الى آذار 1975 لتخلف تداعيات خطيرة على مستوى البلاد والمنطقة ، دفعت فواتيرها سلطة نظام البعث بعد حين وتلك قصة جرح ومآساة يذكرها الاحرار. ليست هي المرة الاولى التي لم تكن قوات الثورة بادائه فيها بالقتال ، وانما كان ذلك نهجاً قومياً خطه البارزاني على امتداد الحركة التحررية الكوردية ورسخها عقيدة عسكرية في ذاكرة الثورة ويومياتها العسكرية .
وطوال المسيرة النضالية الكفاحية لاكثر من نصف قرن ، بدأت مشوارها عام 1932 وواصلت ثورة بارزان 1943- 1945 حتى ثورة ايلول 1961- 1975 ، دأب البارزاني على منهجه في عدم بدئه في اي قتال ، حتى في احلك ظروف الحصار الميداني ، وهي من الحقائق التي يشهد له بها سياسيون ومراقبون وصحفيون تعاملوا معه أو جمعتهم الاحداث به. حاول البارزاني بشتى الطرف والوسائل تجنب القتال ما استطاع الى ذلك سبيلا وقبل المجابهة مع قوات نظام البعث حاول انقاذ الوضع وتجنب الكارثة حين ارسل ادريس البارزاني الى بغداد للقاء صدام حسين في 19 آذار كآخر محاولة لتجنب ذلك القتال. ويذكر مطلعون وصحفيون ، جابوا ارض الثورة ان البارزاني كان يكره القتال كرها شديداً ، لما فيه من دمار وتدمير لمختلف القدرات ، فضلا عن انه يدور بين مسلمين تجمعهم العقيدة الاسلامية وتاريخ حافل بالنضال المشترك في فترات عصيبة من التاريخ ، فكان يلجأ للقتال مضطراً من باب الدفاع عن النفس. ويستجيب بسرعة لدى أول بادرة سلمية ، برغم علمه الاكيد بان الحكومات المتعاقبة كانت تتخذه لاسباب تكتيكية وتعبوية . ومرة اخرى يتجلى طريق النضال المسلح طريقاً لتحقيق السلم والسلام.
في مدار الدائرة الوطنية
في كتابه التاريخي القيم ، (البارزاني والحركة التحررية الكوردي/ ط 1989 ج2) يكتب الرئيس مسعود بارزاني :- (عندما قام رشيد عالي الكيلاني بحركته في مايس 1941 حاول البريطانيون اقناع البارزاني بالعودة الى اربيل واقناع عدد من الضباط الكورد بالتمرد على اوامر الكيلاني ومقاومته ووعدوه بالسلاح والمال الكثير وبمنح كوردستان الاستقلال التام فيما بعد وبعد ان استشار البارزاني اخاه الاكبر الشيخ احمد البارزاني رفض العرض البريطاني لأن الوعود البريطانية لم تكن صادقة ابداً فهي كانت تنبع من مصالحها الذاتية وحسب. ولم تكن المصالح البريطانية متطابقة مع نضال الشعب الكوردي ولا مع طموحات الامة العربية وكان الحكم الحقيقي بيد البريطانيين الذين كانوا يوجهون الحكومة العراقية لافساح المجال امام بروز الطبقة الاقطاعية في كوردستان وفي المنطقة العربية على حد سواء. ومن جهة اخرى حاول الاستعمار وعملاؤه اظهار الحركة الكوردية بمظهر العداء للعرب وساروا على نفس المنهج حتى يومنا هذا. لكن اصالة الحركة التحررية الكوردية وعدالة اهدافها احبطت محاولات من هذا القبيل وبرغم ان الحركة القومية العربية لم تكن ناضجة في تلك الفترة وكذلك لم تكن العلاقات بين الحركتين بالمستوى المطلوب الا ان البارزاني ادرك اهمية الفصل بين الاستعمار واذنابه وبين الاخوان العرب واول ما قام به توجيه نداء الى الشعب العراقي وهذا نصه: (انني لم ولن احارب الشعب العراقي هذا الشعب الذي انتمي اليه. ان نضالنا ضد اولئك الذين امتصوا دماء شعبنا العراقي وداسوا باقدامهم سيادة الوطن ومصالح الشعب). كان لهذا النداء صدى ايجابي ليس داخل العراق ، فحسب بل حتى الامين العام الاسبق لجامعة الدول العربية السيد عبد الرحمن عزام باشا كتب في مجلة الهلال عدد ت1 1943: (يجب علينا بذل مزيد من الاهتمام بالاخوان كرد العراق. ان حبي وتقديره لكرد العراق في مستوى حبي وتقديري لشعبي. ان الكرد قوم مستقيمون ومخلصون ولا يمكن ان يأتي الاذى من جانبهم لذلك فعليهم ان لا يتصوروا ان الوحدة العربية تلحق الاذى بمصالحهم. ان مستقبل وتقدم العراق له صلة وثقى بحل المشكلة الكردية يجب على الامة العربية ان توفر الامكانية والحرية ليقرروا مصيرهم معنا بصورة حرة، يجب ان لا نترك المشكلة الكردية في العراق من دون حل).
ويضيف الرئيس البارزاني :-
(لقد قطعت القضية الكوردية شوطاً طويلاً الى امام غير انها ما تزال بدون حل، ولا يمكن ان تبقى مشكلة بهذه الصورة الى الابد، وان الامن والاستقرار في الشرق الاوسط مرتبطان ارتباطاً وثيقاً بقضية الامة الكوردية، والذي يجب ان ننتبه اليه نحن الاكراد هو ان نميز بين العدو والصديق ونختار موقعنا الطبيعي ونستمر في نضالنا مهما غلت التضحيات).
الموقف التضامني للبارزاني مع العرب
كان نهج البارزاني في السلم والديمقراطية والتضامن عابراً للحدود، امتد صوت تضامنه مع الشعب العربي عامه في كل مكان ، فلدى تعرض مصر للعدوان الثلاثي عام 1956، ابدى البارزاني وجميع رفاقه تطوعه والسفر الى مصر للدفاع عنها ، وهو في منفاه في الاتحاد السوفيتي ، وعن ذلك يقول البارزاني : (يوم بدأ العدوان الثلاثي ضد مصر في السويس السنة 1956 ذهبت الى كل مكان استطيع الذهاب اليه في الاتحاد السوفيتي وقابلت كل من استطعت ان اقابل من قيادته طالباً مساعدة مصر بعد ايام طلبوني في الكرملين وسمعت من يقرأ علي من انذار بولجانين الى بايدن وموليه.كنت متألما قبلها خوفاعلى مصر ثم رحت فرحا من اجل مصر بعد انذار بولجانين). وقد ثمن الرئيس جمال عبد الناصر هذا الموقف ، قائلا للبارزاني لدى استقباله له وهو في طريق عودته الى البلاد 1958 : (ان هذا الموقف له ابعاد استراتيجية في التاريخ النضالي المشترك بين العرب والكورد). وكان له موقف تضامني ازاء الثورة الجزائرية. وفي حرب حزيران عام 1967 اصدر اوامره الى جميع القوات والمفارز الكوردية بأيقاف جميع العمليات ضد الجيش العراقي حينما كان في كوردستان ، كي يتفرغ للحرب تشهد بذلك كتابات موثقة لقادة عسكريين وساسة باحثين عرب واجانب. ويورد السيد حبيب محمد كريم السكرتير الاسبق للمكتب السياسي للحزب الديمقراطي الكوردستاني في كتابه (تاريخ الحزب) :-( في حرب اكتوبر عام 1973 بين مصر وسوريا من جهة واسرائيل من الجهة الاخرى طلبت الحكومة الاسرائيلية من البارزاني القيام ببعض الفعالية العسكرية لمشاغلة الجيش العراقي واجباره على سحب ولو جزء من قطعاته المدرعة المتواجدة على حدود السورية الا ان البارزاني رفض الاستجابة للطلب). فماذا كانت (مكافأة) بعض العرب للبارزاني والحركة الكوردية عام 1975 وما بعدها لاسيما عام1988 .
دعوة البارزاني عام 1967 نريد حكومة ديمقراطية عادلة تنتخب في انتخابات حرة
عاد البارزاني لتأكيد سياسة الوطنية ففي تاريخ 15/4/ 1967 خلال ندوة مهمة لملاكات الحزب والبيشمركة في المناطق المحررة لاقليم كوردستان ، القى فيها كلمة تاريخية ذات مدلولات حية حتى الآن، وهي كلمة مطولة ، وضح فيها السياسة الداخلية ، ووجه تعليماته الى مسؤولي الحزب والثورة لممارسة تعامل ديمقراطي مع المواطنين ويشرح المهمات آنذاك، ثم عرج الى السياسة الوطنية العراقية واهمية الحفاظ على التآخي العربي الكوردي ، ومعنى هذا التآخي مع التأكيد على الحقوق القومية واشار عام 1967 الى ان سبيل انقاذ الوضع في العراق يكمن في تحقيق الديمقراطية واجراء انتخابات حرة لتشكيل حكومة ديمقراطية عادلة واعاد الى الاذهان نداءه التاريخي خلال 1943- 1945 حول التآخي العربي الكوردي ومن انه لا يحارب الشعب العراقي بل الحكومات العراقية الظالمة.
وهنا يقول ان الكورد والعرب اخوة ويستطيعون العيش كاخوة بكل سلام ووئام. ونظراً لاهمية هذه الوثيقة ننشر بعض الفقرات المتعلقة بالسياسة العراقية ، كما وردت في كلمه البارزاني المذكورة.
كان للبارزاني اسلوب خاص في الحديث ، موجز واضح وشفاف ، من دون اطناب وتفاصيل ، ومن دون اوصاف ونعوت زائدة. كان اسلوبه رصيناً مباشراً ، واقرب الى الاختزال بسيطاً وعميقاً.
ماذا قال البارزاني لانصاره يوم 15 نيسان 1967
اخوتي الاعزاء
(انني مثلما قلت في سنة 1945 وفي عام 1960 ومثلما اكرره دائما اقوله الان ايضاً، ان حربنا ليست حرب الكورد والعرب لا اقول انني لا احارب العرب وحسب بل انني لا احارب ضد اية قومية ولا ادخل حرباً ضد أي شعب بسبب الاسم او لكون هذا اصفر وهذا احمر وهذا اسود وهذا ازرق وكون ذاك ابيض.
الكورد والعرب اخوة ويستطيعون العيش كاخوة بكل وئام وسلام وصحيح ان العرب هم الاخ الاكبر ونحن الاخ الاصغر لكن ليس من العدل ان يكون الاخ الاصغر هذا جائعاً وعارياً ولا يستطيع القراءة وتعلم ما يمكن الاستفادة منه وليس بمقدوره ابداء الرأي في امور تهم البيت المشترك بينما يستحوذ الاخ الاكبر على البيت وكل ما فيه. مراعاة العدالة واجبه لكي لا يشعر الاخ الاصغر بالغبن والظلم وفعلا يجب ان لا يظلم. اننا لا نتقاتل اذ لم تسقط الحكومة في ايدي اللصوص وعديمي الاخلاق الذين يقدمون خدماتهم لاعداء العرب والكورد. اننا في ثورتنا هذه نتوخى الخير اولاً للعرب ومن ثم للكورد وباقي الشعب العراقي من (تركمان, واشور, وارمن) وكل من يوجد على هذه الارض.
اننا نريد حكومة ديمقراطية عادلة تنتخب في انتخابات حرة بعيدة عن الضغط والاكراه والظلم والاعتداء. وان تكون هناك قوانين عادلة يضعها الشعب العراقي بنفسه لنفسه بحيث لا تسمح للعسكري ان يطلع علينا في أي يوم يشاء بقوله (قررنا ما يلي) في حكم الشعب العراقي بحسب مزاجه واهوائه الشخصية مسترشداً بانانيته من دون ان يكون باستطاعة الشعب محاسبته. اننا لم ولن نهاجم احداً نحن ندافع عن الحقوق المشروعة واموال وحرائر وحياة الشعب الكوردي نحن لا نرغب ابدا في ان يسود الاقتتال وسفك الدماء على الاخوة العربية الكوردية لان اقتتالنا نحن الكورد والعرب يخدم اعداء العراق لذا ادعو الله لكي يعيد الذين يبغون مقاتلتنا الى رشدهم.
حتى يرحموا الشعب العراقي ويرفعوا ايديهم عن الاعتداء على الشعب الكوردي لكي يستطيع الشعب العراقي كله العيش معاً بسلام ووفاق ووئام ورخاء في ظل العدالة ).
اخواني الاعزاء..
(يجب ان تعرفوا ان الدنيا زائلة وحتى لو ملكنا الوفا من القصور الذهبية فاننا نتركها ونوارى التراب وقد ذكر الله تعالى في القرآن المجيد حين قال: (ومنها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة اخرى) وان ما تقدر قيمته بثمن في الوجود البشري هو الشرف والحياء والانسانية فمخافة الله واجب على الانسان وكذلك الخدمة الصادقة والمخلصة للشعب والتكاتف ضد النظام واتباع العدل والانصاف والمساواة بين البشر وان العمل الصالح لا يضيع عند الله وعند الناس وهكذا بالنسبة للعمل الصالح ايضاً. قال الله في كتابه العزيز (فمن يعمل مثقال ذرة شراً يره). املي فيكم هو ان تخضعوا انفسكم للانتقاد والاوامر وان تطهروا قلوبكم من المصالح الشخصية وان تضعوا المصلحة العامة وخير الجميع بنصب اعينكم وان تتعاونوا مع بعضكم البعض وهذا ما اقدر عليه، استودعكم الله واعاننا الله على عمل الخير).
هذا ما قاله البارزاني.



#احمد_ناصر_الفيلي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ثنائية الشعب والحكومة .. من يتكئ على من ؟
- عندما يكون الاستفتاء شرطا لازما للحرية... لماذا الاستفتاء ال ...
- الكورد لا يسبحون في بحر الدم تعليقا على هولوكوست وهمي
- إندحار الارهاب الداعشي... وانفاسه الاخيرة
- في ذكرى ثورة ايلول المجيدة.. التاريخ الجديد
- ماذا يبقى من الرماد؟
- المشهد العراقي..ديناميكية الانسحاب والتصعيد وبقايا احلام الس ...
- المشهد العراقي..ديناميكية الانسحاب والتصعيد وبقايا احلام الس ...
- المشهد العراقي..ديناميكية الانسحاب والتصعيد وبقايا احلام الس ...
- المشهد العراقي..ديناميكية الانسحاب والتصعيد وبقايا احلام الس ...
- تكرار النمطية التاريخية...وفرص مسك المبادره -1-
- تكريس الفقر وتداعي قضية الانسان والحرية -1-
- فلسفة الدستور...وتصورات البناء السياسي الجديد فلسفة الدستور. ...
- اشكالية الفهم ام اشكالية الثقة...في دعوة النجيفي
- التجربة السياسية وعقم الجدل البيزنطي
- العلم الكوردستاني في خانقين...وتداعيات المماطلات الحكومية في ...
- مبادرة النجيفي.. وشجون الفوضى السياسية
- السياسة الايرانية ومديات مدافع ايات الله-2-
- السياسة الايرانية ومديات مدافع ايات الله -3-
- الولع السلطوي... والعصي في العجلات ....من مجالس الاسناد الى ...


المزيد.....




- أثار مخاوف من استخدامه -سلاح حرب-.. كلب آلي ينفث اللهب حوالي ...
- كاميرا CNN داخل قاعات مخبّأة منذ فترة طويلة في -القصر الكبير ...
- جهاز التلقين وما قرأه بايدن خلال خطاب يثير تفاعلا
- الأثر الليبي في نشيد مشاة البحرية الأمريكية!
- الفاشر، مدينة محاصرة وتحذيرات من كارثة وشيكة
- احتجاجات حرب غزة: ماذا تعني الانتفاضة؟
- شاهد: دمار في إحدى محطات الطاقة الأوكرانية بسبب القصف الروسي ...
- نفوق 26 حوتا على الساحل الغربي لأستراليا
- تركيا .. ثاني أكبر جيش في الناتو ولا يمكن التنبؤ بها
- الجيش الأمريكي يختبر مسيّرة على هيئة طائرة تزود برشاشات سريع ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - احمد ناصر الفيلي - في الذكرى السابعة والثلاثين لرحيل الاب الروحي للكورد البارزاني الخالد