|
ما بعد الحداثة.. النخب تختبأ وراء الثقافة
حسن اسماعيل
الحوار المتمدن-العدد: 5075 - 2016 / 2 / 15 - 13:56
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
يُشكل مفكرو الحداثة على مفكري ما بعد الحداثة بأنهم قد تخلوا عن النضال في سبيل التغيير السياسي لصالح التسليم بالظروف الاجتماعية والثقافية القائمة. ويتركز الخلاف الرئيسي بين الحداثة وما بعدها في سؤال هل ان فكر وفن ما بعد الحداثة تقدمي سياسياً ام رجعي؟ يرى بودريار ان الثقافة غدت مجموعة من الاشارات والرموز التي تتغير دائماً ويظل معناها غير واضح. بينما يرى نقاده من اصحاب منهج انتاج الثقافة بان اصطناع الاصالة والبحث المستمر عنها لايقتصران على فترة ما بعد الحداثة المزعومة. ويخلص بودريار الى ان العالم المعاصر يمتاز بـ(موت الواقع) وليس ثمة جماعة مسؤولة عن هذا الوضع، فهو نتيجة لتكاثر الاشارات المتعذر ضبطه في عالم يسيطر عليه الاعلام. إقرأ: ثورة المعلومات والاتصالات! اما فكر ما بعد البنيوية فيقطع صلة الدال بالمدلول وبذلك يقطع الصلة بالعالم "الحقيقي" او "ميتافيزيقيا الوجود" الكاذبة كما يسميها دريدا حيث يرى (بأن العالم يتكون من نصوص مختلفة لكل منها معانٍ متعددة ودائمة التغيير). اذا ما فتشنا عن نفوذ المجموعات النخبوية في المجتمع التي تختبئ وراء الاشكال الثقافية ـ حيث تتشابك الثقافة مع علاقات القوة المادية ـ سنجد بأن (ما بعد الحداثة وصف دقيق للبنية الفوقية الثقافية التي ينتجها المجتمع الرأسمالي حالياً). كما يذهب الى ذلك ديفيد هارفي. ويضيف: ان تركيز بودريار على انظمة الاشارات المتغيرة بسرعة وباستمرار كونه من سمات الثقافة المعاصرة هو تركيز صائب، الا انه يفشل في تفسير طريقة انتاج هذه الظواهر وسببه. ويرى هارفي انها متمخضة عن ثقافة هي انعكاس لقاعدة اجتماعية اقتصادية أساسها "التراكم المرن". ويرى الماركسيون بان بودريار قد تخلى عن ميزات المفكر النقدية لصالح دراسة سلبية عن انظمة الاشارات. ويمكن ان يعد مدافعاً عن المجتمع الرأسمالي. وبرفضه وجود أي شيء واقعي "تحت السطح ينكر الواقع الاستغلالي القاسي للرأسمالية المعاصرة التي ترى الماركسية انها في صلب اشكال الثقافة كلها اليوم. لئن كانت العوامل الاجتما ـ اقتصادية اساس كل شيء في المجتمع بما في ذلك الثقافة فان علاقات الانتاج وقوى الانتاج تشكل معاً البنية التحتية المادية فيما تغدو الثقافة (البنية الفوقية) عبارة عن ايديولوجيا، تكون معزولة وخارجة عن سيطرة الافراد الذين يعملون في نطاقها. وبعبارة اخرى ما زالت (الطبقة هي النوع الرئيس للمجموعة الاجتماعية في المجتمعات الحديثة) كما يقرر بياربوديو. لذلك فان امريكا زعيمة الرأسمالية العالمية ليست (اشارات فارغة وقشور) حسب وصف بودريار بل نخبة امبريالية تسعى للهيمنة على مقدرات الكرة الارضية ولديها اسلحة فتاكة تتمثل باقتصاد مصاص للدماء وتكنولوجيا ثورة المعلومات والاتصالات وثقافة مرادفة لأديولوجيتها حيث يتم تقسيم العمل ضمن الطبقة الحاكمة بين من ينتجون الافكار الايديولوجية واولئك الذين يهتمون بالجوانب المادية. ويعمل الانتاج الثقافي وفقاً لآلية أي سياق انتاجي آخر من وجود بنى ادارية وتقسيم عمل وألخ. ان الفكر المتأزم لما بعد الحداثة هو انعكاس وتمظهر لأزمة الحداثة الرأسمالية التي تشتمل على تغير مستمر وفوضى دائمة. وتأصل ازمة النظام الرأسمالي يكمن في استحالة تعميم منجزات الحداثة لتصيب كل الطبقات وكل الشعوب فضلاً عن التصارع بين الأنظمة الرأسمالية نفسها الذي قاد الى اندلاع حربين عالميتين ناهيك عن الحروب المحلية والاحتلالات وتدبير الانقلابات العسكرية وتدخلات مختلفة تتم بواسطة صناعة مناطق توتر دائمة في العالم تنخفض او تتصاعد حسب حاجة النظام الرأسمالي. لقد انتجت مآسي الحرب العالمية الاولى الدادائية والسريالية، وهما يمثلان وجهاً من وجوه الاحتجاج بصوت عال على سياسة الحروب التي تنهجها الدول الرأسمالية. اما الحرب الثانية التي اغتالت عشرات الملايين من ارواح البشر فقد جاءت بالبنيوية ومدرسة فرانكفورت والنقدية الأخلاقية وسواها وصولاً الى كولن ولسن. وكل ذلك يعبّر عن دوافع احتجاج على السياسة الرأسمالية ولكن دون ان يقود بالضرورة الى استبطان الاسباب العضوية لحقيقة الأزمة. ومع تعاظم نفوذ الرأسمالية اليوم في العالم وتعاظم ازمتها ايضاً، وخيبة امل اليسار العالمي الذي عاش سلسلة اخفاقات متلاحقة في ثورة الطلبة وحرب الغوار الغيفارية ثم انحدار الصين الشعبية وصولاً الى انهيار الاتحاد السوفيتي الذي على الرغم من كونه يمثل امبريالية اشتراكية لكنه كان عامل توازن مع الرأسمالية العالمية، تتمظهر اليوم ازمة الفكر بعدة عناوين من قبيل ما بعد الماركسية وما بعد البنيوية والثقافوية والتفكيكية وسواها وصولاً الى ما بعد الحداثة. ما بعد الحداثة هو عنوان لأزمة الحداثة الرأسمالية!
#حسن_اسماعيل (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
سعد جاسم يحتضن العالم بقبلة شاسعة !
-
صلاح نيازي .. نوستالجيا حائرة بين الحنين والرثاء
-
كتاب وأدباء من ذي قار يطالبون اتحاد الادباء العراقيين بنصرة
...
-
الحرية للشاعر أبراهيم البهرزي !
-
من كان خالد الامين ؟
-
عصاب إلكتروني عراقي ,,سياسي ,,!
-
العراق .. . ومشروع الدولة
-
تعالوا نقرأ .. السينما النازية
-
العراق ... وانعدام الأمن المائي
-
كلام في المسكوت عليه محنة العراقيين ب (يسار الوسط )
-
علي الوردي والتفكير الشعري
-
في العراق - طبقة وسطى- تجهل مهماتها التاريخية !
-
كاظم الحصيني ... وداعاً ايها المعلم !
-
فاطمة المحسن : درس مظفر النواب
-
قراءة في افكار نيولبرالي عراقي - الأستاذ حسن اسماعيل - العرا
...
-
في مفهوم العلم الخلدوني
المزيد.....
-
فيديو منسوب لمشاهد دمار في إسرائيل جراء الصواريخ الإيرانية..
...
-
بين هدنة مؤقتة وبداية تحول استراتيجي.. ماذا بعد وقف إطلاق ال
...
-
شاهد.. غوارديولا يداعب الكرة مع لاعبي السيتي على الشاطئ
-
أبو عبيدة: جثث العدو ستصبح حدثا دائما ما لم يتوقف العدوان
-
لماذا تتجه طهران لمنع الوكالة الدولية لتفتيش منشآتها؟
-
كاتب روسي يدعو موسكو للتحرك دبلوماسيا من موقع قوة
-
موقع تركي: القبة الفولاذية باتت ضرورة ملحة لتركيا
-
طهران تستعيد نبضها الهادئ بعد صخب الحرب
-
وول ستريت وأسباب تعجُّل ترامب لوقف الحرب
-
لماذا نشرت اليونان سفنا حربية قبالة السواحل الليبية؟
المزيد.....
-
كذبة الناسخ والمنسوخ _حبر الامة وبداية التحريف
/ اكرم طربوش
-
كذبة الناسخ والمنسوخ
/ اكرم طربوش
-
الازدواجية والإغتراب الذاتي أزمة الهوية السياسية عند المهاجر
...
/ عبدو اللهبي
-
في فوضى العالم، ما اليقينيات، وما الشكوك
/ عبد الرحمان النوضة
-
الشباب في سوريا.. حين تنعدم الحلول
/ رسلان جادالله عامر
-
أرض النفاق الكتاب الثاني من ثلاثية ورقات من دفاتر ناظم العرب
...
/ بشير الحامدي
-
الحرب الأهليةحرب على الدولة
/ محمد علي مقلد
-
خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية
/ احمد صالح سلوم
-
دونالد ترامب - النص الكامل
/ جيلاني الهمامي
-
حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4
/ عبد الرحمان النوضة
المزيد.....
|