أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسن اسماعيل - صلاح نيازي .. نوستالجيا حائرة بين الحنين والرثاء















المزيد.....

صلاح نيازي .. نوستالجيا حائرة بين الحنين والرثاء


حسن اسماعيل

الحوار المتمدن-العدد: 5054 - 2016 / 1 / 24 - 12:40
المحور: الادب والفن
    



البدايات تنوس بين الواقع والحلم , مشاهد غامضة لدى طفل السنوات الست وهو يرى الى الريفيين حين هجموا أيام القحط والجفاف على المدينة ونهبوا بيوتها بضراوة . ثم الطائرة الانكليزية تصيب رأس رجل من (بيت العضاض ) وفضول الناس لمشاهدة مخ الجمجمة المهشمة .
تبرق نوستالجيا صلاح نيازي من عنوان سيرته الذاتية ( غصن مطعم بشجرة غريبة ) والطفولة هنا لها الأولوية فهي مازالت تربض امام شجرة الراسقي في ساحة الدار ب( عكد الهوا ) حيث الأم الأرملة والأشقاء الثلاثة اليتامى . في الدار دجاجات لهن ألوانهن وأخلاقهن .. قطة قفزت مرة وقلبت الفانوس النفطي فكاد البيت يحترق . كلبة صديقة ودود تقطع المسبحات سوداء اللون فقط أن مر حاملوها قرب الدار . أشتكى منها رجال الدين . تبرع بقتلها أحد الجيران وقالوا أنها مصابة بداء الكلب !

المصائد في جيوب الأطفال تبعث على لذة المغامرة . حلم في غابة وبحيرة , يمط الشاعر مصيدته صوب طير بين الأغصان فأذا بعلي بن أبي طالب يضربه بكف كبيرة على كل مساحة ظهره حيث مازالت تؤلمه حتى اليوم !

النهر ومحطة القطار .. ماذا لو جف النهر ؟ فكرة مؤرقة فإمطار الشتاء لاتكفي اما وداع المحطة في الناصرية فهو ليس الا الفراق الأبدي بينا الأستقبال نشوراً بعد الموت .

الشعر يستأثر بالمشهد الثقافي في المدينة . شعراء الناصرية شخصيات غريبة .. رشيد مجيد مصور فوتغرافي شيوعي يعاني من حبسة في لسانه , أحب يهودية وكتب عنها ملحمة شعرية وهو في السجن وحين هجرت الى اسرائيل ظل يعيد طباعة صورتها الفوتغرافية كل يوم برتوش جديدة .

شاعر كردي اخر كان وجودياً بالسليقة وبموهبة كبيرة وثقافة متواضعة هو عبد القادر رشيد الناصري . ثم فاضل السيد مهدي شاعر رقيق وأنساني لم يكمل دراسته فعمل بقالأً وهو شيوعي متكتم لايذيع أفكاره .

هؤلاء الثلاثة كانوا كباراً . ولكن محمد الفايز كان زميلاً لصلاح نيازي في السادس الأبتدائي , كان يتأتأ ولكن لا أثر للتأتأة حين يغني أو يرتل القرأن . فشل في المدرسة فتركها وتوجه الى جبران خليل جبران ونيتشة .

ثمة شاعر من أهل العمارة هو حامد العزي مدرس اللغة العربية . كان يبشر بالشعر الرومانسي وعرف تلامذته بألياس أبو شبكة وعمر أبو ريشه ( وكان يقرأ علينا قصائد مترجمة من الفارسية يدعى انها من ترجمته ) .. (غرس بالناصرية اينع الألفاظ وأرق الموسيقى ) .

أستحوذ اللقاء والوداع على معظم قصائد صلاح نيازي , الخوف من الأشياء التي ستفقد , اللقاء بالأشياء المفقودة وقد تغيرت لدرجة نكرانها جعلت الحزن أصلاً والفرح فرعاً غريباً وطارئاً ( وهكذا فعودتي للماضي ليست حنيناً بقدر ماهي رثاء )
.
يأتي الى الأنتقال الى بغداد والسكن في دار لأرملة متدينة تلبس السواد وتبكي زوجها كل يوم , قريباً من نهر دجلة الأكثر وداعة وأنوثة وتحضراً من نهر الفرات رغم قذارة ضفتيه فالبيوت والنباتات التي تحيطه من الضفتين تشعرك انه أسير مروض على العكس من الفرات في الناصرية , مفتوح والبيوت مفصولة عنه بشارع عريض . منظر الفرات الريفي السحنة يوحي بالحرية .

بغداد الخمسينات أسرع أيقاعاً من الناصرية واكبر حيوية , يتنافس فيها القديم والحديث بأنسجام . الحديث لايقتلع القديم والاخير لايقف حجر عثرة . تعايش وتنوع الأقوام , غنى في الأزياء والعادات ,ولكل محلة لهجة !
كان الشاعر مسكوناً بشعور الفقدان منذ الطفولة . وهاهو في بغداد يفتش عن الشي المفقود في الكتب . بغداد الجواري العباسيات وخمور أبي نؤاس ومجالس أبي حيان التوحيدي . ثمة مدينتين : واحدة وهمية هي كل الواقع وأخرى واقعية كالوهم .
أهتز العراق من أقاصيه بثورة 1958 , فاض التفاؤل , دش البلد الفرح لاول مرة , منذ قرون . ( تزوجت .. ولدت أبنتي ريا ... ولدت مرحلة أدبية جديدة ) .

فلنبدأ بالتفاؤل ! لانعرف كيف نتفاؤل ولاكيف نفرح . أنقطع التأمل , تسربت الأشاعات من الشوارع الى البيوت , وأي نظام يتاكل بالاشاعات أولاً .

( قتل اخي .. قتل عبد الكريم قاسم , دفن فعبد فنبشته الحكومة وألقت جثته في النهر ) . أذن دخل ( القطار الأميركي ) الى العراق , وتوحش البشر كأنما لم يكونوا من صنع الله وخلقه . فنون متنوعة في التعذيب وقص الألسن , أغتصابات , تغطيس الموقوفين الى حد الفم ببرك بالبول والخراء . يجبرونك على التغوط والتبول في طاسة أمام رفاقك , ويصبون أكلك في تلك الطاسة وتأكل وأمرك الى الله !
أذن الهروب بالجلد أقصى مايمكن من طموح , واللعنة على مسقط الرأس !
لم تكن الأمنية الوصول الى لندن والعيش فيها ولكن الموت بعيداً وبأرادة حرة كما أختار السهروردي نوع موته . يشق على المرء أن يشفي قاتله غليله , لابد من حرمانه من أشباع حقده .

جوع الطفولة في الناصرية أعان على تحمل جوع لندن , ولكن رحماك يارب : ( ألم اعقاب السكائر في الشارع , ألقط بقايا الفواكه والخضر في الاسواق الشعبية ليلاً – أعطني رحمة المرض يارب وليت الاقامة في المستشفى تطول )!

.لكل شيئ ثمن وأستحقاق , والغربة لها استحقاقات قاسية في حال الأنتقال من بيئة شبه ريفية الى بيئة صناعية . ثم لعنة الأفلاس يضطرك الى مغادرة البيت منذ الصباح الباكر والعودة بعد رقاد العائلة المؤجرة لأنك غير قادر على تسديد ايجار غرفتك . أذن هو التسكع جائعاً في شوارع لندن وساحاتها العامة وهنا لابد من مشاهدة ظواهر وشخصيات متنوعة ومتناقضة . لابد من كل ذلك لأنك لاتريد الموت بين يدي عدوك.

تأتي ضربة الحظ في التعرف على محرر فلسطيني يعمل في إذاعة C.B.B وتقديمه عرضاً للكتابة عن ديوان جديد لنزار القباني . وكانت المكافأة الأولى في الحياة عن مقال أدبي 50 جنيهاً لاتصدق . أذن لابد من تسديد إيجار الستة أسابيع المتاخرة وأرجاع العشرين جنيهاً المقترضة من العائلة اللندنية .
تعلم الشاعر في لندن أن الطموح صفة سلبية تقود الى الاحتيال أو الأستبداد والأجدى أن يعتمد المرء التدرج . هكذا صار يذهب الى المكتبات ويشتري قصص الاطفال من أجل أن يطور لغته الانكليزية . وتطورت هذه اللغة وأضحى محرراً في أذاعة BBC وتعرف على الروائي السوداني الطيب صالح حيث يعمل معه وتعلم منه التواضع .
المفروض أن تكون الأطروحة باللغة الانكليزية عن الشاعر الاحسائي البحريني علي بن المقرب العيوني . ولابد من كتابة فصول عن الخلفية التاريخية والأقتصادية والسياسية للشاعر . انها فرصة للتعرف اكثر على المدن التي زارها الشاعر , البصره وملكها باتكين , بغداد وخليفتها الناصر لدين الله , الموصل وأميرها بدر الدين اللؤلؤ . والفضول يقود الى الدولة الخوارزمية والمغول في شرق العراق , والى الدولة الأيوبية , ودولة الموحدين , والى الحروب الصليبية ! التاريخ في هذه الاطروحة يشد النثر العربي ( بدا لي أن معظم الشعر العربي مريض , وموسيقاه ورمه , شعراؤه لايستحون من المبالغة أو الكذب , أوافتخار زائف , أو هجاء عضاض لساع نهاش , ومصدره المرُة وكره البشر ) .

والاطروحة هزت قناعات سابقة كون الترجمة من العربية الى الانكليزية وبالعكس تكشفانا تباينات العقليتين المتناقضة في اكثر الاحيان فالأولى سردية انتشارية والثانية عقلية تحليلية .
بعد عشرين عاماً يزور الشاعر بغداد . يأخذ حفنة من تراب المطار يشمها ويقبلها . وعند عودته يحمل معه حفنة يرشها في ارجاء الحديقة . هل كان يتنفس هواء غربياً في لندن ؟ ( مامرة تصورت نهر التميز ينبع من عروقي ويصب في عروقي كما كان الفرات ودجلة ).
ياخذنا صلاح نيازي في سرد أسر حيث تتساءل أرواحنا : هل نحن أغصان مطعمة في شجرة غريبة ؟ بلى .. كي لايشبع القاتل حقده ...
حسن اسماعيل



#حسن_اسماعيل (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كتاب وأدباء من ذي قار يطالبون اتحاد الادباء العراقيين بنصرة ...
- الحرية للشاعر أبراهيم البهرزي !
- من كان خالد الامين ؟
- عصاب إلكتروني عراقي ,,سياسي ,,!
- العراق .. . ومشروع الدولة
- تعالوا نقرأ .. السينما النازية
- العراق ... وانعدام الأمن المائي
- كلام في المسكوت عليه محنة العراقيين ب (يسار الوسط )
- علي الوردي والتفكير الشعري
- في العراق - طبقة وسطى- تجهل مهماتها التاريخية !
- كاظم الحصيني ... وداعاً ايها المعلم !
- فاطمة المحسن : درس مظفر النواب
- قراءة في افكار نيولبرالي عراقي - الأستاذ حسن اسماعيل - العرا ...
- في مفهوم العلم الخلدوني


المزيد.....




- الشاعر المغربي عبد القادر وساط: -كلمات مسهمة- في الطب والشعر ...
- بن غفير يسمح للمستوطنين بالرقص والغناء أثناء اقتحام المسجد ا ...
- قصص ما وراء الكاميرا.. أفلام صنعتها السينما عن نفسها
- الفنان خالد تكريتي يرسم العالم بعين طفل ساخر
- رابط شغال ومباشر.. الاستعلام عن نتيجة الدبلومات الفنية 2025 ...
- خبر صحفي: كريم عبدالله يقدم كتابه النقدي الجديد -أصوات القلب ...
- موسيقى للحيوانات المرهقة.. ملاجئ الولايات المتحدة الأمريكية ...
- -ونفس الشريف لها غايتان-… كيف تناول الشعراء مفهوم التضحية في ...
- 10 أيام فقط لإنجاز فيلم سينمائي كامل.. الإنتاج الافتراضي يكس ...
- فيديو صادم.. الرصاص يخرس الموسيقى ويحول احتفالا إلى مأساة


المزيد.....

- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسن اسماعيل - صلاح نيازي .. نوستالجيا حائرة بين الحنين والرثاء