أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد المجيد إسماعيل الشهاوي - صراع السيسي وأردوغان على المنطقة















المزيد.....

صراع السيسي وأردوغان على المنطقة


عبد المجيد إسماعيل الشهاوي

الحوار المتمدن-العدد: 4915 - 2015 / 9 / 4 - 08:12
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


إن ما تشهده المنطقة في هذه الآونة هو نتيجة كانت متوقعة لما قد شهدته خلال العقد الأخير من القرن الماضي والأول من الحالي. فمنذ بداية التسعينيات، بات جلياً أن مركز الثقل والقيادة وصنع القرار العربي قد تحول شرقاً إلى شبه الجزيرة العربية في مجلس التعاون الخليجي، والمملكة العربية السعودية بشكل خاص. منذ ذلك الحين والمنطقة تصطبغ أكثر فأكثر بالطابع الخليجي في مقاربة السياسة محلياً وإقليمياً ودولياً، وهو نوع من المقاربة يقوم بالأساس على استغلال الدين، وبالمحصلة إذكاء الطائفية المذهبية، أكثر من أي شيء آخر. فكما لا يشكك أحد في أن الجزيرة العربية كانت ولا تزال طوال نحو 1500 سنة مهد ومنطلق الدين الإسلامي، لا يستطيع أحد بالمقابل أن يشكك في أن مهد ومنطلق الحضارة الإسلامية أتى من مكان آخر خارج الجزيرة، تحديداً من دمشق وبغداد والقاهرة. هذا الوضع كان جلياً منذ بداية التاريخ الإسلامي ذاته. إذ بمقدار نجاح الجزيرة في بلورة وتدشين الدين، كان فشلها في إرساء أسس الدولة الإسلامية الجديدة، التي لم تقم على أرضية صلبة إلا بدمشق على يد الأمويين. فلم تتوفر قط، منذ الأيام الأولى لظهور الإسلام، مقومات بناء دولة في أي من صحراوات شبه الجزيرة العربية القاحلة وشحيحة الموارد ومبعثرة السكان، بينما كانت متوفرة وقائمة بالفعل في مراكز حضارية قديمة شمالاً بالعراق والشام، وغرباً في مصر. بحكم شروطها الفيزيقية والديموغرافية كانت ولا تزال الجزيرة، والسعودية تحديداً، تستطيع إنتاج وتصدير الدين الخام، من دون أي تصنيع حضاري، ولم تستطع يوماً أن تصنع حضارة موازية.

علاوة على الثروة النفطية، كانت الثورة الإسلامية في إيران عاملاً محفزاً آخر لذيوع السطوة الدينية والمذهبية على المنطقة بقيادة وتوجيه السعودية على الضفة المقابلة من الخليج. إذا كلما انحسرت وخفت وانحطت الأدوار والموازين النسبية لمراكز الحضارة التقليدية في بغداد ودمشق والقاهرة، كلما زادت وثقلت وعلت بالمقابل هيمنة وتأجج المشاعر الدينية والمذهبية على المنطقة. ومع بدء انهيار المحور الحضاري فعلاً بسقوط بغداد مطلع العقد الماضي، أصبح واضحاً أن المنطقة كلها متجهة في النهاية لا محال نحو صراع طائفي ومذهبي متعدد الطبقات، على محورين رئيسيين الأول سني بقيادة سعودية والآخر شيعي بقيادة إيرانية.

من هذه الثغرة، الصراع السني-الشيعي، استطاعت تركيا بقيادة أردوغان أن تتغلغل إلى المنطقة ثانية بعد نحو قرن من الزمان على الخروج منها. وعلى ما يبدو هذا الاصطفاف المذهبي قد أيقظ حنيناً سلطانياً لدى أردوغان والأتراك، لاسيما في ظل استعصاء الولوج من الباب الأوروبي والمباركة الأمريكية الصريحة لهذا التوجه التركي الجديد. في هذا السياق الواسع، كانت دولة قطر وجماعة الإخوان المسلمين وبعض جماعات الإسلام السياسي، حتى العنيفة منها، هي مجرد لسان حال أردوغان وبوابته ورافعته الأساسية إلى شعوب المنطقة. هكذا، وبالإضافة إلى إيران والسعودية، أصبحت تركيا أردوغان كذلك لاعباً محورياً في سياسة المنطقة. ومباشرة عقب ما سميت آنذاك بثورات الربيع العربي، بدا كما لو أن الحلم الأردوغاني قد تحقق فعلاً وبسرعة ودراما مشهودة، لاسيما عندما استقبلته الجماهير استقبال السلطان الظافر بالتهليل والتكبير أسفل سلم طائرته بمطار القاهرة، أثناء سيطرة الإخوان المسلمين على الحكم بمصر. ومن مصر، ربما كان يفكر أردوغان، سوف تهلل وتكبر له أيضاً عما قريب جماهير دمشق، حيث كانت معارك الثورة المسلحة ضد نظام بشار الأسد لم تؤتي ثمارها بعد.

لكن ظهور السيسي فجأة داخل المشهد السياسي المصري وإطاحته الخاطفة بحكم الإخوان كان الطامة الكبرى، وغير المتوقعة، لاستراتيجية العودة التركية الأردوغانية إلى المنطقة؛ لقد عقد كل حسابات أردوغان، وحول فعلاً الحلم إلى كابوس.

إن تحركات السيسي داخلياً وإقليمياً ودولياً منذ توليه الحكم تعطي مؤشرات واضحة عن المستقبل؛ فهي لا تقف عند تحويل وجهة الأحداث بالداخل المصري فقط، بل تتجاوزه يوماً بعد الآخر لتحولها إقليمياً ودولياً كذلك، وتحول القواعد الأساسية للعبة الكبرى إلى واقع جديد مختلف جوهرياً عما كان سائداً طوال العقدين الأخيرين. فيما يلي بعض المظاهر البارزة لهذا التحول الجديد:

- إحياء عصر الجيوش. منذ سادت الهيمنة الخليجية على المنطقة والجيوش العربية إما مهزومة أو مهملة أو منزوعة الشوكة داخل حدودها الوطنية في كل من العراق وسوريا ومصر. فطبيعة النظام السياسي في السعودية وبقية دول الخليج لا تستند في المقام الأول على ظهير من جيوش وطنية بقدر ما تقوم وتبقى بالأساس على أساس الأحلاف الأمنية، سواء مع قوة خارجية عظمى مثل الولايات المتحدة، أو اقليمية مثل تركية، أو فيما بينها كما في مجلس التعاون. وبدلاً من الجيوش، تعتمد النظم الخليجية في ضمان تماسكها الداخلي على الجماعات الدينية، التي بدورها توفر الحاضنة الطبيعية للجماعات المتطرفة والإرهابية في المناطق الساخنة، خاصة التي يشتم منها تهديداً للمصالح الخليجية. في قول آخر، دول الخليج تخوض حروبها الخاصة بالوكالة، إما عبر الجيوش الأجنبية أو الجماعات المسلحة أو كليهما معاً، وليس عبر جيوش نظامية من مواطنيها.

هذا الوضع كان يتطابق جيداً مع سياسة أردوغان، الذي أراد أن يحصد ويحشد لمصلحته ثمار الجهود السعودية والخليجية طوال عقدين من الزمن. فاختار أردوغان أن ينأ بالجيش التركي وأن يسير على نفس خطى الاستراتيجية السعودية في الاعتماد على قوة عظمى خارجية تساندها على الأرض جماعات مسلحة غير نظامية. لكن هذه الاستراتيجية تعرضت لاختبار قاسي يكاد يقضي على أي أمل في جدواها في حالتين مفصليتين: (1) في ليبيا، لاسيما بعد حادثة اغتيال السفير الأمريكي في بنغازي والتي كذبت الادعاء التركي بالسيطرة على مثل هذه المجموعات، ثم فشلها في التماسك والاحتفاظ بالحكم هناك؛ (2) في سوريا، حيث لا تزال نفس هذه المجموعات عاجزة بعد مرور أكثر من 4 أعوام من القتال عن تحقيق أي اختراق ضد نظام بشار.

وبينما تقف استراتيجية أردوغان أمام حائط سد بهذه الضخامة، كانت استراتيجية السيسي- إعادة تفعيل الجيوش كظهير سياسي- تحقق اختراقات مشهودة على الأرض، داخلياً وإقليمياً. هكذا، وربما لأول مرة، بدأت تسمع أطراف الحديث عن تأسيس جيش وطني نظامي سعودي، وعن تدخل الجيش السعودي لاستعادة السلطة من الحوثيين في اليمن. ولم تقف متلازمة السيسي عند هذا الحد، لكن عدواها انتقلت إلى أردوغان نفسه الذي اضطر أخيراً، بعدما خاب أمله في تحرك عسكري أمريكي وكذلك في تحقيق الجماعات المسلحة المدعومة منه أي نجاحات حقيقية على الأرض، إلى تحريك جيشه للمرة الأولى إلى الحدود السورية.

إن ظهور السيسي، مدعوماً بالجيش، يضع نهاية لحقبة الجماعات المسلحة ويعيد جيوش المنطقة لدورها السابق كلاعب رئيسي على الساحة السياسية الداخلية والاقليمية. وما يحدث في الوقت الحاضر في مصر والسعودية وتركيا ربما يصبح في المستقبل القريب القاعدة السائدة في عموم المنطقة، خاصة سوريا والعراق واليمن وليبيا.

- استعادة التوازن الدولي. منذ ظهر السيسي، والميزان الدولي في المنطقة يتجه أكثر فأكثر نحو التوازن بين عدة قوى دولية، خاصة الولايات المتحدة وروسيا والصين وفرنسا، بعدما ظل مائلاً بشدة لصالح الولايات المتحدة طوال عقدي القيادة السعودية. وكمثال على مدى فاعلية القيادة المصرية الجديدة باتجاه الشرق، فقد تزامنت زيارة السيسي إلى روسيا مؤخراً مع زيارة ثلاثة زعماء عرب آخرين دفعة واحدة!

- الموقف من سوريا. على خلاف الموقف السعودي والتركي من سوريا والذي يسعى إسقاط النظام عسكرياً، تتمسك مصر السيسي بالحل السياسي الذي يحافظ على ما تبقى من مؤسسات الدولة ويمنع وقوعها في يد الجماعات المسلحة. في هذه الحالة أيضاً، الصراع محتدم ما بين مقاربة الجيوش النظامية التي يتبناها السيسي مهما كان الثمن، ومقاربة الجماعات المسلحة كما تتبناها تركيا والسعودية بأي ثمن في المقابل. ومن الملاحظ أن مقاربة السيسي لمنع انهيار الدولة في حجر الجماعات المسلحة تكتسب اعترافاً وزخماً يوماً بعد الآخر، سواء إقليمياً أو دولياً. وبات جلياً الآن أن الولايات المتحدة قد تقبل بأي شيء عدا أن تتحول سوريا إلى ملاذ آمن لجماعات إرهابية مثل القاعدة وداعش والنصرة.



#عبد_المجيد_إسماعيل_الشهاوي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- القائد عبد الفتاح السيسي
- أسلمة السياسة، وتسييس الإسلام
- من يحمل وزر الدماء في رابعة؟
- الكائنات العلائقية
- الكائن العلائقي
- المكتفي بذاته النسبي
- المكتفي بذاته المطلق
- الكلمة الناقصة
- إنها يد الله أيضاً
- ماذا أنت فاعل بنا؟!
- ارسم إلهك بنفسك
- الفاشية الدينية والفاشية العلمانية لا تستويان
- حرية التعبير لمحمد وتشارلي
- الإسلام الأزلي وإشكالية الصراع المحتوم
- عرض العصبجية العربية
- وهل فعلاً ثورة 23 يوليو أقامت عدالة اجتماعية؟
- اللادولاتيون العرب
- ماذا يريد الفلسطينيون؟
- علوم الإنسان والأديان
- تبضيع الأنثى


المزيد.....




- جبريل في بلا قيود:الغرب تجاهل السودان بسبب تسيسه للوضع الإنس ...
- العلاقات بين إيران وإسرائيل: من -السر المعلن- في زمن الشاه إ ...
- إيرانيون يملأون شوارع طهران ويرددون -الموت لإسرائيل- بعد ساع ...
- شاهد: الإسرائيليون خائفون من نشوب حرب كبرى في المنطقة
- هل تلقيح السحب هو سبب فيضانات دبي؟ DW تتحقق
- الخارجية الروسية: انهيار الولايات المتحدة لم يعد أمرا مستحيل ...
- لأول مرة .. يريفان وباكو تتفقان على ترسيم الحدود في شمال شرق ...
- ستولتنبرغ: أوكرانيا تمتلك الحق بضرب أهداف خارج أراضيها
- فضائح متتالية في البرلمان البريطاني تهز ثقة الناخبين في المم ...
- قتيلان في اقتحام القوات الإسرائيلية مخيم نور شمس في طولكرم ش ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد المجيد إسماعيل الشهاوي - صراع السيسي وأردوغان على المنطقة