|
إنتقام ..
قاسم حسن محاجنة
مترجم ومدرب شخصي ، كاتب وشاعر أحيانا
الحوار المتمدن-العدد: 4895 - 2015 / 8 / 13 - 13:27
المحور:
الادب والفن
إنتقام .. كعادته ، كل صيف ، يحضر عبد الحفيظ إلى البلاد لزيارة العائلة والأصدقاء من الدنمرك ، التي يعيش فيها منذ عقود ... ولكي يضمن خصوصيته وخصوصية عائلته فقد بنى بيتا في البلدة ، لكي لا يُشكل عبئا على أحد . يقضي الصيف في الزيارات واللقاءات مع الأصدقاء ، ويُشارك برغبة كبيرة في كل المُناسبات التي يُدعى إليها ، دون أدنى إهتمام بالمصروفات الكبيرة ، وخاصة "نقوط العرسان "، على شكل "اوراق مالية " تُقدَّم لصاحب الفرح ، ترتفع قيمتها كلما كان صاحب العرس قريبا أو صديقا عزيزا ، والنقوط يتسببُ في العادة إلى إحداث ثقب في الجيب . فقد درجت عادتنا على تقديم "نقوط " لكل عريس أو عروس يدعونا الى حفلة زفافه . وإلّا فسوف "يزعل" عليك أصحاب الفرح والذين ما يكونون عادة من الأقارب ، المعارف أو الجيران . وموسم الأعراس "همٌّ" كبير على ذوي الدخل المحدود ، لكن ما من مفرّ..!! لكن عبد الحفيظ لا يهتم بذلك ، فالذين يدعونه قلةٌ ، وايام تواجده في البلاد قصيرة، بحيث لا يتكلف مبلغا ضخما .. إلتقينا وسافرنا معاً في رحلة الى جنوب البلاد ، وكانت ذكريات الطفولة والصِبا المبكر ،"مائدة " سفرنا الطويل .... تذكرنا وتذاكرنا نهفات وذكريات موجعة ضحكنا لها بصخب . -هل تتذكر الأُستاذ "توفيق " ؟! سألني - ومن لا يتذكر ؟؟ أجبتُه .. لقد كان هذا الذي لا "يستحق " لقب أستاذ ،شخصا ساديا ، هكذا شخّصتُ حالته بعد أن كبرتُ .. يدخل إلى الصف ، عابسا وغاضبا ، يبحثُ عن سببٍ للإنفجار كقنبلة موقوته ... وفي الصف ، الأجواء مكهربةٌ ، التلاميذ يرتعدون متوقعين الأسوأ . يكون قد تأبط عصا عريضة بدل الكتاب ، يبحث بين الوجوه عن شيء مثير للريبة أو الشك ،ولا يهم أي شيء . ضحكة مكبوتة ، مشاكسة بين إثنين ، طبشورةٌ على أرض الغرفة ..وحينما تُعييه الحيل ، يطرح سؤالا تعجيزيا ...!! -بماذا تشتهر السويد ؟ صدمنا بسؤال .. بالكاد سمعنا بالسويد ..!! ولكي نتخلص من الورطة ، بدأنا بإجابات تكهنية .. بالصناعة ؟؟ الزراعة ؟؟ الساعات ؟؟ الأهرامات ؟؟ قال أحدهم... وكانت إجابته لا تتغير .. لا... لا.. لا .. وهو يتلذذ بحيرتنا وخوفنا .. -شيءٌ تستعمله امهاتكم يوميا ...!! الفرن ؟ الطنجرة ؟ طشت الغسيل ؟ السكين ؟ ليفة الجلي ؟ الثياب ؟؟ لا.. لا.. لا.. -إنه بابور الكاز ، أو البريموس ..!! كل الصف "سيأكل قتلة " !! ويبدأ بضربنا بقسوة ونشوة ، دون تمييز .. طبعا فهمتم بأن درسنا لم يكن عن السويد ولا عن البريموس ..!! وهو ، كان معلم تاريخ ودرسنا عن التاريخ القديم ..!! لا يمر أسبوع ، دون أن يُحضّر لنا مفاجأةً من هذا النوع ..!! وهات يا ضرب .. وذات يوم ، شاكس صالحٌ أحمدا ، فغضب أحمد الذي كان يجلس في المقعد الأمامي ، لأنه صغير الحجم وقصير ، فشتم صالحا ً .. وهو أمر عادي بين الطلاب ، لولا أنه حدث في درس الاستاذ توفيق ...!! تلقفَ "الاستاذ" هذه "الهدية" غير المتوقعة ، وفجّر قنبلة غضبه في أحمد ، ضربا بالعصا ولطما بالكفوف .. وفيما أنا سائرٌ على قدمي في البلدة قبل سنتين ، توقفت الى جانبي سيارة ، يُطل أحمد برأسه من شباكها ويدعوني بفرح للصعود .. فرقت بيننا الأيام ، وأعادت لم شملنا في مناسبات غير متوقعة .. وأحمد الذي كان صغير الجسم ، أصبح بقدرة قادر، طويلا ، بل يفوقني طولا ، أنا القصير .. درسَ الرسم في كلية مرموقة ، أقام معارض وحظي ببعض التقدير .. لكن وبما أن الفن لا يُطعم خبزا ، قرّر العمل في مهنته التي أكتسبها من العمل مع إخوته الكبار ، مهنة النجارة .. لكنه ليس نجاراً كباقي النجارين ، فهو نجارٌ فنان ، وأُشتُهر بذلك ..خاصةً في أوساط الذين لا يُحبون الأثاث الجاهز ، أو لدى الذين لديهم ذوق خاص ، وهم على استعداد وقدرة لدفع الثمن الباهظ الذي يطلبه أحمد .. ما أن جلستُ الى جانبه ، حتى بادرني بالسؤال : -هل تذكر "القتلة " التي "أطعمني" إياها أستاذ توفيق في الصف الثامن ؟ - وشو جابها على بالك ؟ (لماذا تذكرتها ،يعني ) ،سألتُه .. - ذاتَ يوم وبعد أن توفيت زوجته ، وقرّر الزواج بأُخرى ، جاءني الاستاذ الى المنجرة وطلبَ مني أن أقوم بتصليحات وتجديد على الخزائن والأسرة في البيت ، لكي تكون لائقة بعروسه الجديدة . وهو يطمع بأن "أتساهل " معه في الأسعار ، لأنه "من علمني حرفا كنتُ له عبدا " ، هكذا قال .. وعدتُه بذلك ، وفي الوقت المحدد ، كنتُ في بيته ، "تملقني " مُرحباً ، وتفقدتُ الأثاث في البيت .. -أستاذ ، هذا أثاثٌ متهريء ولا يصلح لإستقبال زوجة جديدة .. -ما الحل إذن ؟ سألني -أن تُغيّره ..!! أجبتُ بثقة العارف ، يقول أحمد. - ما باليد حيلة ، فليكن ..وأمري الى الله ..!! قال الاستاذ توفيق مستسلما ، فهو متعجل لكي يضمه والزوجة الجديدة بيت .. صنعتُ له خزانة وسريرا زوجيا جديدا ، وتقاضيتُ منه سعرا عاليا ..!! -ما ألغريبُ في الأمر يا أحمد ؟؟ الرجل حصل على أثاث جديد ، وأنت تقاضيتَ أُجرة جيدة !! قلتُ مستنكرا..!! - أنتَ لا تفهم ..!! قال أحمد . لقد كان أثاثه القديم جيدا وصالحا ، بل وممتازا وله قيمة ، وليس بحاجة الى تغيير ..!! لقد انتقمتُ "للقتلة " إياها ، ودفّعته ثمنها ألافا مؤلفة من الدولارات .. كانت قد مضت ما يقاربُ من الخمسة عقود ، ما بين "القتلة " والإنتقام .......!! قهقه عبد الحفيظ بعد سماعه لقصة أحمد الذي انتقم لنا جميعا .
#قاسم_حسن_محاجنة (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
بين العبرانية واليهودية ..
-
الأول من جوشي للعام 104 ..!!
-
أيُها ألأصدقاء ، تَحَتْلَنُوا ..
-
بين طفولتين ..
-
ألمُجاهدون أليهود ..
-
تَأَسْرَلُوا أو إِرْحَلُوا ..!!
-
-ألضباع- ..تنتشي -بالنصر- ..!!
-
خراب الهيكل
-
خَرابُ حَلَب ..
-
عنصرية -مشروعة ولطيفة - ..
-
قهوة وعنصرية ..
-
-نقاشٌ- مع حمار .
-
دولة أم دولتان ؟!
-
-مجاهدو - المنابر
-
- الترجمة - على أُصولها ..!!
-
-لائحة طعام - ألثورات ..!!
-
الأشرار يكسبون ..
-
من هم دواعش إسرائيل ؟!
-
واللائي لم يَحِضْنَ ..!!
-
إمبراطورية -غزة- ..
المزيد.....
-
في عيد التلفزيون العراقي... ذاكرة وطن تُبَثّ بالصوت والصورة
-
شارك في -ربيع قرطبة وملوك الطوائف-، ماذا نعرف عن الفنان المغ
...
-
اللغة الروسية في متناول العرب
-
فلسطين تتصدر ترشيحات جوائز النقاد للأفلام العربية في دورتها
...
-
عُمان تعيد رسم المشهد الثقافي والإعلامي للأطفال
-
محمد نبيل بنعبد الله الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية يع
...
-
-الحب والخبز- لآسيا عبد الهادي.. مرآة لحياة الفلسطينيين بعد
...
-
بريطانيا تحقق في تصريحات فرقة -راب- ايرلندية حيّت حماس وحزب
...
-
كيف مات هتلر فعلاً؟ روسيا تنشر وثائق -اللحظات الأخيرة-: ما ا
...
-
إرث لا يقدر بثمن.. نهب المتحف الجيولوجي السوداني
المزيد.....
-
طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11
...
/ ريم يحيى عبد العظيم حسانين
-
فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج
...
/ محمد نجيب السعد
-
أوراق عائلة عراقية
/ عقيل الخضري
-
إعدام عبد الله عاشور
/ عقيل الخضري
-
عشاء حمص الأخير
/ د. خالد زغريت
-
أحلام تانيا
/ ترجمة إحسان الملائكة
-
تحت الركام
/ الشهبي أحمد
-
رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية
...
/ أكد الجبوري
-
نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر
...
/ د. سناء الشعلان
-
أدركها النسيان
/ سناء شعلان
المزيد.....
|