أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سعد هجرس - لماذا حصل -الاستبداد- على تأشيرة -إقامة- في أرض الكنانة؟















المزيد.....

لماذا حصل -الاستبداد- على تأشيرة -إقامة- في أرض الكنانة؟


سعد هجرس

الحوار المتمدن-العدد: 1320 - 2005 / 9 / 17 - 09:48
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


"قال الرخاء إني راحل إلى مصر، فقال الذل وأما معك"
هذه العبارة التي كتبها المقريزى ترددت بصياغات مختلفة على لسان أكثر من مؤرخ ومفكر أدهشتهم وطأة الاستبداد الذي يتعرض له المصريون منذ قرون، واستسلامهم لسطوته والخضوع لها وربما تبريرها في بعض الأحيان.
حتى أن جمال الدين الأفغاني صرخ في وجه أسلافنا بصورة لا تخلو من التوبيخ قائلاً لهم" إنكم معشر المصريين قد نشأتم على الاستعباد، وتربيتم في حجر الاستبداد .. تناوبتكم أيادي الغاصبين من الرعاة، ثم اليونان والرومان والفرس ثم العرب والأكراد والمماليك .. وكل منهم يشق جلودكم بمبضع نهمه، ويهيض عظامكم بأداة عسفه .. ويستنزف قوام حياتكم التى تجمعت بما يتحلب من عرق جباهكم، بالعصا والمقرعة والسوط – وأنتم كالصخرة الملقاة في الفلاة لا حس لكم ولا صوت".
وبعد هذا اللوم القاسي يقول لهم "انظروا أهرام مصر وهياكل ممفيس وآثار طيبة وحصون دمياط شاهدة بمنعة آبائكم وأجدادكم . هبوا من غفلتكم .. واصحو من سكرتكم .. عيشوا مثل باقى الأمم أحراراً، أو موتوا شهداء .. وأنت أيها الفلاح المسكين تشق قلب الأرض بفأسك لتستنبت ما يسد الرمق .. لماذا لا تشق قلب ظالمك"؟
وكثيرون ، وقفوا مثل المقريزى وجمال الدين الأفغاني حائرين أمام هذا التاريخ الطويل للاستبداد الذي عانى منه المصريون عبر العصور، والذي يكاد أن يكون جزءاً لا يتجزأ من البنية المصرية . بمعنى أن الاستبداد لم يكن مرحلة عارضة في تاريخ البلاد – مثلما هو الحال في معظم البلدان – وإنما جذوره ممتدة ومتشعبة حتى تعايش معه المصريون واعتبروه أمراً "عادياً"، ووصل الحال بالمصري إلى أن يبتدع "آلية ثقافية تكفل له فرصة البقاء – وهو المغترب على أرضه – تمثلت هذه الآلية في الهجرة إلى الغيب التماساً للسلامة والعزاء.وقد تكون الهجرة بعيداً عن وادى النيل إلى بطن الصحراء، وقد تكون توحداً ظاهرياً مع الغاصب المعتدى، "إيد تبوسها وعايز تقطعها"، و "إن كنت في بلد تعبد العجل حش وارميله"، وقد تكون انطواء على النفس ودعاء إلى الله وموالاً مشحوناً بالأنين يفرغ فيه أحزانه وأشجانه في عتمة الليل . ولكنه في الحالين أعزل ومعزول فاقد الحيلة".
هذا الاستنتاج الأخير الذى خلص إليه الكاتب والمفكر شوقي جلال يصل في نهاية المطاف إلى أن هذا المناخ وبيئة الاستبداد وفقدان الحيلة على مدى القرون الطويلة خلق ثقافة جامعة بين النقيضين على قدر الحال. "ثقافة تجمع بين الغضب الصريح من بطش الحاكم وتمنى هزيمته أو كتمان الغضب كرها. والاستسلام لحكم القوى على الضعيف. ورسخ هذا الوضع ثقافات الردة والماضوية والاكتفاء بالدعاء على الظالم، والتحليق في فراغ الخيالات.
وهكذا تحول المجتمع المصري إلى نثار، تجمع سكنى دون انتماء، وتراث ثقافي موروث في صيغة أسطورية، وبرزت على السطح مأثورات الانطواء والسلبية واللامبالاة .. وتحول الإنسان المصرى بسبب الاستبداد الممتد والاغتراب المفروض قسراً، ناهيك عن فساد الإعلام والتعليم والتراتبية الهرمية الاجتماعية التى لا تعتمد الكفاءة لصالح المجتمع معياراً أوحد .. تحول الإنسان المصرى بسبب هذا إلى كائن حى وليس فعالية ، طموحه المتاح هو أن يبقى على قيد الحياة لا ان يبنى مجتمعا لا ناقة له فيه ولا جمل".
يا ساتر !!
هذا الكلام الذى يمثل صدمة للخطاب السائد ، يأتى في سياق مغامرة فكرية جسورة للكاتب والمفكر شوقى جلال تضمنها كتابه "المجتمع المدنى وثقافة الاصلاح – رؤية نقدية للفكر العربى" الصادر حديثاً عن "دار العين للنشر".
وهو كتاب صغير الحجم كبير الأهمية ، يتضمن ثلاث رؤى. الأولى عن المجتمع المدنى وثقافة الإصلاح ( رافضاً كلمة الإصلاح ومفضلا استبدالها بالتطوير وشروطه). والثانية عن الفكر العربى ولغز النهضة . والثالثة عن مصرو الغياب الطويل، وهى شهادة من التاريخ عما اعترى الوطن والإنسان.
والرؤى الثلاثة تنطق من أن "العالم انتقل منذ بضع قرون إلى عصر الصناعة ثم المعلوماتية أو مجتمع المعرفة أما نحن فلا نزال – ومنذ قرون – نعيش في إطار واقع وثقافة مجتمع الرعى والزراعة، وإن تغير ظاهر الزى وزخرف البناء، الحاكم راع والمحكومون رعية. والانتماء ولاء لشيخ القبيلة أو سيد الأرض، و"الطاعة لحاكم ظالم خير من فتنة"، اى خير من الخروج على الجماعة التى يجسدها الحاكم الملك، أو الرئيس، إذ له الحمد والتسبيح على المنابر وعبر مختلف وسائل الاعلام .. والولاء والطاعة كبرى الفضائل . وهما خصوصية الفرد الصالح ولا أقول المواطن . والتحاور مع الراعى جرأة وتطاول وعيب في ذات معصومة مصونة، إنه الأب، وهو الكلمة القانون .. وهكذا المجتمع أو العصر الأبوى البطريركى .. الأب هو الرأس. هو الواحد الكل ، ودونه سلم تراتبى هرمى .و كل هذا على نقيض واقع حال المجتمع المدنى والانسان المدنى صاحب الفعالية النشطة في بناء حضارة العصر والتقدم .
وأمام الحديث المتواتر في إلحاح فجأة داخل البلدان العربية على لسان القمة والعامة باسم الاصلاح يتساءل شوقى جلال في دهشة عن السبب في أن الكلام كله منصب على السلطة السياسية، وربما على شخص السلطان ذاته ملكا أو رئيساً.. ولكن لا حديث عن التطوير الحضارى، أو عن تغيير البنية الاجتماعية ، أو عن بناء الانسان أو إعادة تنظيم البنية الذهنية للانسان العربى ( قوام النهضة)، أو عن الثقافة العربية كمنظومة قيم، ومدى ملاءمتها للتقدم أو دورها في التخلف، أو عن رؤية نقدية إلى التراث في موضوعية عقلانية تكشف عن الخطأ فينا الذى جعلنا فريسة سهلة، تضاف إلى رؤية نقدية عن الآخر المهيمن عالمياً، أو عن إسهامنا الحضارى المعرفي، أو عن دورنا في التعاون على الصعيد العالمى مع قوى النهضة والتغيير.
ولذلك فان شوقى جلال يرى أن قضيتنا تطوير وتحول حضارى وليست إصلاحاً او تنمية ، فليس في واقع البنية الاجتماعية والثقافية – بحالتها الراهنة – ما يستحق أن ننميه .. فنحن بحاجة إلى ثقافية اجتماعية جديدة ، ثقافة تحفز إلى التغيير والتطوير ابداعا ذاتياً في تحد ومنافسة، لتكون أساسا ودعامة لبناء انسان جديد، وعقل جديد في مجتمع مدنى منشود.
ويستشهد بتجارب شعوب أمريكا اللاتينية التى استنتج منها الكاتب ماريو فارجاس أن الاصلاحات الاقتصادية والتشريعية مع ضرورتها لتحديث البلاد لا يمكن تحقيقها " مالم يسبقها أو يصحبها إصلاح لاعرافنا وعاداتنا وأفكارنا وكل المنظومة المعقدة من العادات والمعارف والتصورات والصور التى نفهمها حيث نقول "الثقافة" .. إن ثقافتنا الآن لا هى ليبرالية ولا ديموقراطية، ولكن مؤسساتنا وردود أفعالنا وعقلياتنا وسلوكنا أبعد ما تكون عن وصفها بالديموقراطية. إنها لا تزال خصائص استبدادية مطلقة، وعقائدية جامدة".
وهذا كلام جدير بالتأمل ، لأنه يجعلنا ننتبه إلى أن الخروج من الدائرة الجهنمية للاستبداد لا يتحقق بمجرد إصلاحات سياسية – على أهميتها الشديدة – وإنما يحتاج إلى استراتيجية شاملة وبعيدة المدى تتعامل مع الاستبداد من جذوره المتغلغلة في المجالات الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية.
فمن غير الممكن ، ومن غير المنطقى ، أن نتوقع التخلص من الاستبداد السياسى بينما مراعى الاستبداد مزدهرة و"منتجة" في الثفافة والعلاقات الاجتماعية.
وهذا معناه أيضاً أن "تحرير" مصر من براثن الاستبداد اكبر كثيراً من المشاغبات مع الحزب الوطنى وزعانفه من ترزية قوانين وجماعات منتفعين.
وهذا معناه ايضا أن "نوبة الصحيان" الحالية لا ينبغى اعتبارها مضمونة النتائج. وكما يقول شوقى جلال فقد عرفت مصر في تاريخها الحديث على مدى القرنين الأخيرين مرحلتين من صعود قرين دعوة للاصلاح، ثم انحسار قرين صمت او إعداد لحمل جديد . وأخفقت المرحلتان أو انحسرتنا مبتسرتين دون أن تبلغ أى منهما مداها المأمول. واعتدنا في الحالتين أن نرد "الفضل" إلى مؤامرات الاستعمار، أى إلى سبب خارجى فقط، دون أن نكمل النظرة النقدية بالبحث عن أسباب كامنة في ذاتنا، في ثقافتنا باعتبار الثقافة هى المحدد للسلوك.
إن الهدف من تتبع جذور الاستبداد في مصر ليس جلد الذات ، وإنما الهدف بالأحرى هو تجنيب الموجة الجديدة من الدعوة إلى الإصلاح مصير سابقاتها التى فشلت في ترويض هذا الوحش الكاسر وجعلت مثقفاً كبيراً كالمقريزى يعتقد أن "الذل" قد حصل على "إقامة دائمة"، وليس مجرد "تأشيرة دخول" إلى أرض الكنانة.



#سعد_هجرس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- محرقة بنى سويف: الجريمة والعقاب
- الدين والسياسة: سؤال قديم وإجابات معاصرة
- من هنا نبدأ
- بعد انقشاع غبار الانتخابات : صورتنا بدون رتوش
- محور الشر.. كاترينا وبوش
- بناء الثقة .. اليوم وليس غداً
- -الجمهورية- تستعيد ذاكرتها.. ودورها التنويرى
- قطار الديمقراطية الذي تلكأ كثيرًا قبل دخول محطة مصر
- الدين لله والوطن للجميع.. أمس واليوم وغدًا
- المبادرة الغائبة
- المنافقون.. اخطر أعداء مبارك
- استنساخ الكهنة!
- تراجيديا الكولونيل والشيخ
- دموع في عيون استعمارية
- (1-2) الدين.. والسياسة : سؤال وقديم إجابات معاصرة
- واقع الحال في مصر.. دون مساحيق تجميل
- الأسلحة الفاسدة
- الصحافة القومية .. سقطت فى أول امتحان
- مبارك يطبق شعارات المعارضة .. برجال الحزب الوطنى
- أهميــة العلــم.. يــا نـــاس!


المزيد.....




- وحدة أوكرانية تستخدم المسيرات بدلا من الأسلحة الثقيلة
- القضاء البريطاني يدين مغربيا قتل بريطانيا بزعم -الثأر- لأطفا ...
- وزير إسرائيلي يصف مقترحا مصريا بأنه استسلام كامل من جانب إسر ...
- -نيويورك تايمز-: الولايات المتحدة تسحب العشرات من قواتها الخ ...
- السعودية.. سقوط فتيات مشاركات في سباق الهجن بالعلا عن الجمال ...
- ستولتنبرغ يدعو إلى الاعتراف بأن دول -الناتو- لم تقدم المساعد ...
- مسؤول أمريكي: واشنطن لا تتوقع هجوما أوكرانيا واسعا
- الكويت..قرار بحبس الإعلامية الشهيرة حليمة بولند سنتين وغرامة ...
- واشنطن: المساعدات العسكرية ستصل أوكرانيا خلال أيام
- مليون متابع -يُدخلون تيك توكر- عربياً إلى السجن (فيديو)


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سعد هجرس - لماذا حصل -الاستبداد- على تأشيرة -إقامة- في أرض الكنانة؟