|
محرقة بنى سويف: الجريمة والعقاب
سعد هجرس
الحوار المتمدن-العدد: 1318 - 2005 / 9 / 15 - 08:29
المحور:
الادب والفن
لا أريد أن أعيد وأزيد فى التفاصيل المأساوية لكارثة حريق قصر ثقافة بنى سويف، وأبعادها الإنسانية والثقافية الفادحة التى باتت على كل لسان . لكنى أتوقف طويلاً أمام التعامل الرسمى مع هذه المصيبة، الذى القى بالمسئولية على "شمعة" تسببت فى الحريق ثم على ثمانية من الموظفين الغلابة الذين يمكن ألا يكونوا أبرياء، لكن المؤكد انهم ليسوا هم وحدهم الجناة الذين يستحقون الحساب والمساءلة. فهم- فى احسن الأحوال- كباش فداء. والمصيبة الأكبر من ألسنة لهب جحيم الحريق، هى رد فعل كبار المسئولين، الذين تعاملوا مع هذه البلوى ببرود غريب، يعكس استهانة بما حدث، وتنصلاً من أي شكل من أشكال المسئولية الشخصية عنه، كما يعكس إهانة للمصريين جميعاً إذ كان رد فعلهم الأول – وربما الأخير- هو تكرمهم وتفضلهم بإصدار قرار بمنح خمسة عشرة آلاف جنيه لاسرة كل من قضى نحبه فى هذا الحريق وثمانية آلاف جنيه للمصاب ، فيما يشبه " التسعيرة" لثمن المواطن المصرى فى نظر هؤلاء المسئولين! وقد أحسن المسرحيون المصريون عندما ردوا على مغالطات هؤلاء المسئولين حيث وضعوا الكارثة التى حدثت فى سياقها الحقيقى، ورصدوا عشرات الأخطاء التى ارتكبتها هذه الأجهزة المسئولة واعتبروها السبب الرئيسي فى تصاعد حجم الكارثة ومنها: * تأسيس معظم مسارح الدولة بما لا يتفق مع مواصفات الأمان المتعارف عليها للأبنية المسرحية. · عدم وجود مناخ آمن يوفر الحد الأدنى من الضمانات سواء طبقا لمفاهيم الأمن الصناعى أو أمن الطوارئ أو الأمن المطلوب لاماكن ترتادها أعداد كبيرة من الجماهير. · عدم وجود عناصر بشرية أو مادية كافية تصلح للتعامل بما يتناسب مع اى أزمة للحيلولة دون تحول اى خطأ لكارثة مروعة. · الإهمال الجسيم وسوء الإدارة والتجاوزات، ومن قبيل السماح بوجود ما يقرب من ثلاثة أضعاف العدد المسموح به والذى يمكن للمكان استيعابه. · وصول قوات الإطفاء بعد ما يقرب من ساعة ووصول عربة الإسعاف الأولى بعد ما يقرب من ساعة وثلث، وعدم كفاية سيارات الإسعاف كما وكيفا، والأعجب وصول قوات الأمن المركزى قبل قوات المطافى ثم اعتداء هذه القوات على أهالي المصابين والمتوفين والمرافقين بالضرب بالعصى أمام مشرحة مستشفى بنى سويف العام!! إن هذه الأخطاء وتلك التجاوزات لا يمكن تحميلها بالكامل للموظفين المحليين فى قصر ثقافة بنى سويف، بل يتحمل النصيب الأوفر منها أولئك الكبار الجالسين على كراسى صنع القرار فى القاهرة، والذين يملكون صلاحيات الحل والربط، والمنح والمنع، والمتابعة والمراقبة ، والتفتيش والتدقيق. والواضح انهم لم يقوموا بأى شئ من ذلك. ومع ان مسئولية هؤلاء الكبار واضحة ولا تحتاج إلى برهنة ، فان المذهل انهم لا يرون شيئا من ذلك ، بل يرى بعضهم ان مجرد إثارة الموضوع أمر "مشبوه" . والعجيب أن يكون هذا رأى بعض كبار المسئولين الذين عاشوا فى الغرب سنوات طويلة ورأوا بعيونهم ان هناك شىء اسمه "المسئولية السياسية" الى جانب "المسئولية الجنائية" وان المسئول السياسى يجب ان يكون الاكثر حساسية فى التعامل مع مثل هذه الكوارث. أما افتقاد هذه الحساسية فى مثل حالتنا فإن هذا معناه أن هذه الطبقة سميكة الجلد وفاقدة للإحساس بتبعات القيادة ومتطلباتها . وقد تعبنا من المقارنة بين ردود أفعالهم البليدة وبين المسئولين اليابانيين الذين ينتحرون لأسباب اقل أهمية ، والمسئولين فى كافة بلاد العالم الذين يسارعون إلى تقديم استقالاتهم حتى لا يكون بقاءهم فى كرسى السلطة عائقا أمام عدالة التحقيق ونزاهته . لذلك لا نرى فائدة من حث الوزراء المعنيين ، وبالذات وزير الثقافة ، ورئيس الهيئة العامة لقصور الثقافة، على الاستقالة ... كما لا نرى فائدة من المطالبة – عبثاً – بإقالة من يرفض الاستقالة .. والأجدى ان يعاقبهم الناس معنويا بشتى الوسائل المتحضرة والمهذبة التى تجعلهم يشعرون كل لحظة أن وجودهم فى مواقعهم غير مرغوب فيه شعبيا، وأنهم ليسوا أهلا للاستمرار فى تحمل أمانة المسئولية. وعلى الجانب الآخر . نحث الرأى العام على مساندة مطلب المسرحيين المصريين – فى بيانهم الصادر فى أعقاب محرقة بنى سويف – منح الراحلين – على سبيل التعويض الرمزى عن كافة الأخطاء والجرائم السابقة فى حق قتلانا – "تكريما ماديا ومعنويا بمنحهم صفة شهيد بكل ما يترتب عليها من حقوق والتزامات ومزايا تجاههم وما يوازيه من حقوق بالنسبة للمصابين واعلان حالة الحداد العام بأن يطلق على الدورة المقبلة لمهرجان القاهرة الدولى للمسرح التجريبى اسم"دورة شهداء المسرح المصرى ببنى سويف" والاعلام عنهم بشكل لائق فى كل مطبوعات المهرجان. ونهيب بالزملاء فى الفرق المسرحية المصرية بالامتناع عن المشاركة فى فعاليات المهرجان فى حالة عدم الاستجابة لهذا المطلب". وهذا أضعف الايمان
#سعد_هجرس (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الدين والسياسة: سؤال قديم وإجابات معاصرة
-
من هنا نبدأ
-
بعد انقشاع غبار الانتخابات : صورتنا بدون رتوش
-
محور الشر.. كاترينا وبوش
-
بناء الثقة .. اليوم وليس غداً
-
-الجمهورية- تستعيد ذاكرتها.. ودورها التنويرى
-
قطار الديمقراطية الذي تلكأ كثيرًا قبل دخول محطة مصر
-
الدين لله والوطن للجميع.. أمس واليوم وغدًا
-
المبادرة الغائبة
-
المنافقون.. اخطر أعداء مبارك
-
استنساخ الكهنة!
-
تراجيديا الكولونيل والشيخ
-
دموع في عيون استعمارية
-
(1-2) الدين.. والسياسة : سؤال وقديم إجابات معاصرة
-
واقع الحال في مصر.. دون مساحيق تجميل
-
الأسلحة الفاسدة
-
الصحافة القومية .. سقطت فى أول امتحان
-
مبارك يطبق شعارات المعارضة .. برجال الحزب الوطنى
-
أهميــة العلــم.. يــا نـــاس!
-
شارون يطلب مساعدة مصر في مكافحة الإرهاب!
المزيد.....
-
وَجْهٌ فِي مَرَايَا حُلْم
-
أحمد مهنا.. فنان يرسم الجوع والأمل على صناديق المساعدات بغزة
...
-
نظارة ذكية -تخذل- زوكربيرغ.. موقف محرج على المسرح
-
-قوة التفاوض- عراقجي يكشف خفايا بمفاوضات الملف النووي
-
سميح القاسم.. الشاعر المؤرخ و-متنبي- فلسطين
-
سميح القاسم.. الشاعر المؤرخ و-متنبي- فلسطين
-
-أنخاب الأصائل-.. إطلالة على المبنى وإيماءة إلى المعنى
-
-الأشرار 2- مغامرات من الأرض إلى الفضاء تمنح عائلتك لحظات ما
...
-
محمد حلمي الريشة وتشكيل الجغرافيا الشعرية في عمل جديد متناغم
...
-
شاهد رد فعل هيلاري كلينتون على إقالة الكوميدي جيمي كيميل
المزيد.....
-
الرملة 4000
/ رانية مرجية
-
هبنّقة
/ كمال التاغوتي
-
يوميات رجل متشائل رواية شعرية مكثفة. الجزء الثالث 2025
/ السيد حافظ
-
للجرح شكل الوتر
/ د. خالد زغريت
-
الثريا في ليالينا نائمة
/ د. خالد زغريت
-
حوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الأول
/ السيد حافظ
-
يوميات رجل غير مهزوم. عما يشبه الشعر
/ السيد حافظ
-
نقوش على الجدار الحزين
/ مأمون أحمد مصطفى زيدان
-
مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس
...
/ ريمة بن عيسى
-
يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|