أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي دريوسي - اعتقالات الفصول الأربعة -1-














المزيد.....

اعتقالات الفصول الأربعة -1-


علي دريوسي

الحوار المتمدن-العدد: 4725 - 2015 / 2 / 19 - 21:14
المحور: الادب والفن
    


الاعتقال الأول .. خريف ..

عندما عثر على كلمة غبية وجدها مرمية في الشارع .. استعارها منه .. وجَلَبَها معه إلى البيت عائداً من الروضة .. تَفَوَّهَ بها .. تناولت العصا القصيرة ذات المقطع المُدوّر من برميل الغسيل الذي يغلي على وابورٍ صاخبٍ في باحة الدار .. وَلَحقتْ به .. تيبَّسَ في مكانه .. نهرته وضربته بالعصا المُدوّر على مؤخرته ذات الأعوام الخمسة .. قفز من مكانه .. ليصبح فخذه الأيمن .. هدفها الثاني .. قفز من جديد .. لتصبح عظمة الساق اليسرى .. هدفاً واضحاً رقيقَ السماكةِ! .. أصابته بدقة .. حينها تأوَّهَ الصغير كجروٍ جريح .. والفصل خريف .. ومع قدوم كل خريف .. تؤلمهُ عظمة ساقه اليسرى.

***** ***** ***** *****

الاعتقال الثاني .. شتاء ..

ذهبَ الأهلُ مساءَ خميسٍ لزيارةِ الجيران .. بعد أنْ أَوصَياهما بحلِ وظائفهما المدرسية وعدم المشاغبة .. وإلا سَتُسلَخ جلودهما عنهما .. وسيجعلون من عيني وأذني كل منهما أربعة .. الجو بارد والريح تصفر والكهرباء مقننّة كعادتهم .. والتلفاز الأبيض/الأسود مازال تلك الأيام بضاعةً نادرة .. وكذا ألعاب الأطفال في القرية.
هذه وحدها كانت تسلية الأطفال الذكور .. في القرى السورية الفقيرة .. في العقد الأول من عمر الحركة التصحيحية المجيدة: من طبات الكازوز .. والمطاطات المتبقية بعد اهتراء البيجامات القديمة .. والمكبات الخشبية لخيوط الخياطة .. وأسلاك الحديد الناعمة المتناثرة بالقرب من أماكن البناء .. وبعض الريش الملون .. صنعوا هياكلاً لسياراتهم .. ليسافروا بعيداً إلى المدينة.
من الرولمانات المتآكلة .. وبعض المسامير المطوية .. وقطعتي خشب مرميتين .. صنعوا زحافاتهم .. ليتَّزَحْلقوا سريعاً في الشوارع المنسّية.
من القصب اليابس .. وثمار الخرنوب .. وخيطان "الملاحف" .. وورق الخياطة الشفّاف .. وبقايا قماش عتيق .. صنعوا طائرات ورقية .. ليُحلِقوا عالياً في السماء القصية.
وخلال كل هذا الجنون .. سرقوا بعض القروش .. وسرقوا بعض البخور من المزارات .. مضغوه سعداء .. وهم يصنعون سياراتهم وزحافاتهم وطائراتهم.

ما إنْ غادرَ الأهلُ بابَ البيتِ! .. حتى بدأا علي وأحمد الذي يكبره .. العراك .. بعد أن اختلفا على توزيع قطع الراحة .. وتصافيا بعد أن وافق الأصغر على القسمة غير العادلة.

أَحضرا كيسَ الألعابِ الذي أخفياه خوفاً .. وبدأ أحمد بصنعِ الدواليبِ للسيارة ذات الهيكل المعمول من أسياخ الحديد الناعمة .. أما علي فتوجب عليه تنفيذ الأوامر وتقديم ما يلزم أحمد من مواد .. كانا قد ثقبا الطبات قبل يوم .. أدخلَ أحمد المطاطة إلى ثقوب اثنتين وثلاثين طبة بعناية .. ربطها بإحكام لتصبح قرصاً مرناً .. ثم حشر في داخله المكب الخشبي.

إرْتَأى علي ذاك المساء .. ويا ليته لم يرتأي .. إضافةَ طبتين إضافيتين للقرصِ المطاطي المُنجّز .. ليصبحَ أَكْثرَ جساءةً .. فما كانَ من الكبير إِلا إهداءه صفعةً نارية باردة أصابتْ الخّد الأيمن وطرفاً من الإنف .. نهض الصغير من جلسته ممتعضاً ليملأ جو الغرفة عويلاً .. أمسك بفردة حذاء أبيه الثقيلة .. ورماها باتجاه أحمد .. الذي تفادها بكل ما أُوتِيَ من دهاء الطفولة .. ليصيب الحذاء أحد ألواح زجاج النافذة .. يتهشم الزجاج وتتناثر شظاياه .. يعم الصمت جو الغرفة .. يبكيان الخوف والترقب .. ويذهبان للنوم مكسوري الخاطر.

يستيقظان حوالي منتصف الليل على صيحات التهديد والوعيد عند عودة الأهل من سهرة الخميس.

في صباح اليوم التالي .. صباح الجمعة .. أيقظهما .. أحضرَ حبلاً باهتاً .. ربطهما وكأنه يكفنهما .. وبرد الشتاء يلسعهما ...قذف بهما إلى غرفةٍ صغيرة .. وأقفل بابها بالمفتاح.

عند الظهيرة .. وبعد أن تناولَ كأسهُ الأول .. رقَ قلبه .. فتح باب الغرفة .. فك وثاقهما .. كانا قد تعرقا كفئرين في مخزن .. صفعهما بكفه الثقيل .. هددهما وأطلق سراحهما .. والفصل شتاء.



#علي_دريوسي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- خواطر من التجربة الفيسبوكية
- الكوافير الألماني
- أَنا يُوسف الألماني يا أمي!
- جينات بسندلية -2-
- جينات بسندلية -1-
- نداء القطط الليلية
- خربشات بسندلية -C-
- كيف سقط كتاب الجغرافيا رمياً بالرصاص؟
- هواجس فيسبوكية -G-
- هواجس فيسبوكية -F-
- روضة بسنادا والمكدوسة البرميلية
- كي تصير كاتباً؟
- حكاية لن تكتمل قبل سقوط القمر
- هواجس فيسبوكية -E-
- كيف أصبح كيس الطحين الفارغ بطلاً في الكاراتيه
- خربشات بسندلية -B-
- خربشات بسندلية -A-
- هواجس فيسبوكية -D-
- طلائع البعث بصل يابس
- سهرة سوسنية


المزيد.....




- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...
- “قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم ...
- روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا
- منح أرفع وسام جيبوتي للجزيرة الوثائقية عن فيلمها -الملا العا ...
- قيامة عثمان حلقة 157 مترجمة: تردد قناة الفجر الجزائرية الجدي ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي دريوسي - اعتقالات الفصول الأربعة -1-