أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي دريوسي - حكاية لن تكتمل قبل سقوط القمر















المزيد.....

حكاية لن تكتمل قبل سقوط القمر


علي دريوسي

الحوار المتمدن-العدد: 4710 - 2015 / 2 / 4 - 14:14
المحور: الادب والفن
    


مضت العطلة الدراسية لصيف 1991 كعادتها تلك الأيام .. بطيئة وسريعة وبليدة وكئيبة وفارغة اليدين. فرح البعض لقدوم الخريف .. موسم النشاط والعمل .. حيث يبدأ الطلبة العودة من مدنهم المجاورة إلى مدينة الدراسة .. إلى اللاذقية .. بعضهم يزور الجامعة والمحاضرات بعد انقطاع لعله دام سنوات .. بعضهم يلاحقه الخوف دون سبب واضح .. لأنهم لا يشبهون الآخرين .. ولعلهم يتشابهون معهم دون أن يدرون .. معظمهم يرتدون الثياب الموحدة .. ذات اللون الأزرق الفاتح .. الرئيس أمر بالتوحيد .. الرئيس أمر بإزالة الفروقات الطبقية .. مرحى للرئيس.

قرر علي ذاك العام الإلتزام بزيارة المحاضرات .. رغم عدم قناعته وقناعة الآخرين بجدوى التعلم والتعليم التقني في الجامعات السورية .. ورغم اكتشافه واكتشافات الآخرين لخيانة أعضاء الهيئة التدريسية في جامعة تشرين .. هشاشة التعليم التقني في سوريا تشبه هشاشة زجاج النوافذ الرخيص.

كان الدكتور "سلمان" مدرس مادة تصميم الآلات قد عاد حديثاً من ألمانيا .. وكانت محاضرته هي الأولى التي زارها الطالب علي .. حيث جلس جانب "سناء" إحدى الزميلات المهذبات جداً .. مراقباً وجوه الطلاب الجديدة .. في الجهة اليمنى منه وفي المقعد الأول جلس شاب ذو سحنة سعودية بانَ عليه السأم والاستهتار .. يزين إصبعه خاتماً ضخماً من الذهب .. وتزين معصمه إسوارة ذهبية .. خلفه تماماً جلس صديقه الملتحي عبد الحميد وإلى جواره أخذ الطالب الأشقر ذياب مكاناً له .. في الجهة اليسرى قرب النافذة جلست صبية سمراء .. بشعرها القصير ونظارتها الطبية .. تحاول التركيز عبثاً .. تضيع نظراتها باتجاهه وتبتسم ويبتسم بدوره مُطَّمْئِنَاً.

في الإسبوع التالي زار المحاضرة ذاتها .. جلس بين الملتحي والأشقر .. تمازحوا بصمتٍ .. صرخ المدرس الثقيل: إه .. أنتْ .. يا أشقر .. وضعكَ لا يعجبني .. اتركْ القاعة وانصرفْ .. لا أريد رؤيتك ثانية .. ارتعد الأشقر وغادرَ قاعة الشرف .. تابع كتابته على السبورة .. مضت دقائق .. بحث علي خلالها عن الوجه الأسمر الحزين .. رآها .. اطمئنَ .. فتحدثَ إلى الملتحي قليلاً .. التفت المدرس .. صرخ من جديد: إه .. أنتْ .. يا أبو نظارة .. شكلكَ لا يعجبني .. ما الأمر هل تريد مجاراتي بالكاراتيه؟ .. انهض وانصرفْ .. لا أريد رؤيتك في محاضرتي .. تمتمَ علي ما هذا المدرس الذي لم يتعلم في الغربة إلا طرد الطلاب.

في الاستراحة الفاصلة بين محاضرتين .. إلتقاها فجأة .. حيّاها وابتسم ..أهلّت به وتاهت ..
- كيفَ حَالكِ؟ هل أنتِ جديدة في الجامعة؟ أقصد هل كنتِ في جامعةٍ أخرى قبل أن تنتقلي إلى هذه الجامعة؟
و قبل أن تجيب .. تابع .. أنا إسمي علي وأنتِ .. ما اسمكِ؟
- سماح .. أنا طالبة عتيقة .. وقد انقطعت عن الدراسة لظروفٍ خاصة.

لمحَ خرزةً خشبية مربوطة إلى خيط رفيع .. تتدلى من عنقها .. خرزة تشبه تلك الأعمال اليدوية التي طالما أهداها القابعون في الجنائن الصيدناوية .. لأحبتهم .. خيل له وكأنه اكتشف سراً .. وتابع هجومه ..
- وأين أمضيتي فترة انقطاعكِ عن الدراسة .. داخل الوطن أم خارجه؟
نظرت إليه بألمٍ مجبول ببعض الثقة وأجابت .. في الداخل! ..
- ما رأيكِ اليوم بفنجان من القهوةِ في الكورنيش الجنوبي .. بعد انتهاء المحاضرات؟
- لا مانعَ لدي .. يُسعدني .. فأنا أحب رؤية النوارس.

في ذاك اليوم أصبحا صديقين .. يلتقيان ويتجاذبان أطراف الحديث .. يتبادلان الزيارات ويلعبان الشطرنج ويدرسان قليلاً .. تقرأُ له بضعاً من كتاباتها الشعرية .. يستسيغ لفظها .. ومضت الأيام وجاء موعد الامتحانات .. وحل الصيف .. وبَقِيا صديقين .. ومرت سنتين .. في الفصل الدراسي الأخير .. تخرجَ قبلها .. وتم تعيينه معيداً في الكلية .. أما كيف حدث التعيين .. فلهذا قصصه الأخرى.

في الصيف اللاحق لتخرجه تَوَجّبَ عليه كما زملائهِ تدقيق وإعادة جمع علامات الامتحانات .. وفي إحدى المرات .. وأثناء إعادة جمع علامات اللغة العربية .. كان متشوقاً لمعرفة العلامة النهائية التي ستحصل عليها .. فهو المقرر الأخير الذي يحدد تخرج الصديقة الجديدة سماح .. وكان نجاحها مضموناً .. لا خوف عليها .. فهي تهوى الشعر وكتابته .. ستجتاز الامتحان بسهولة وبمعدلٍ عالٍ .. ها هي مثل الكثيرين من الطلبة تنتظر أمام الباب نتيجة امتحانها الأخير.

كان يجب على الطلبة في الجامعات السورية تقديم أربعة امتحانات في اللغة العربية والنجاح بها .. أما مدرسوا المادة فهم على الأغلب من أمناء الفرق الحزبية المتواجدة في عرض البلاد وطولها .. كان التكليف بهذه المادة هو بمثابة المكافأة وباب رزقٍ إضافي لأولئك المرتزقة .. كان استعدادهم للغوص في التلوث لا حدود له .. يبيعون الأسئلة الامتحانية .. أو يبيعون النجاح .. كانت تسعيرة النجاح تتراوح تلك الأيام بين خمسين و مئة دولار أمريكي .. أي ما يعادل وسطياً الدخل الشهري لموظف من الدرجة الأولى.

فضوله واهتمامه بالصديقة سماح دفعه لقراءة الأسئلة المطروحة .. كان المستوى متوسطاً .. لدرجة أن أكثر من ثلاث أرباع الطلبة كان لديهم فرصةً في النجاح .. ومن ضمن الأسئلة كان قد توجب على الطلبة إثبات مهاراتهم الكتابية واللغويية عن طريق كتابة موضوع تعبيري حول الغربة.

لم يكن صعباً عليه أن يتعرف إلى دفترها الامتحاني .. إلى خطها وتعابيرها .. أثناء تدقيق وإعادة جمع العلامات .. اكتشفَ أن مدرس المقرر قد أعطى لموضوعها عن الغربة علامة الصفر .. وبهذا لن تتخرج سماح .. لعلها نسيت أن تستشهد بأقوال المغترب الأول عن الغربة .. قرأ علي موضوعها الإنشائي .. كان جميلاً ومترابطاً وعميقاً وواضحاً .. أصابته الحيرة.

تكلم مع رئيس لجنة التدقيق حول الموضوع .. كان الجواب مقتضباً .. ليس شغلنا .. أنهى عمله .. سجّلَ أسماء الطلبة وعلاماتهم في جدول .. سلّم الدفاتر الامتحانية .. وخرج غاضباً .. رآها وأخبرها الحقيقة .. سقطت دمعتها وركضت باتجاه مكتب العمادة.

لعمادة الكلية أربعة روؤس .. رأس علوي رأس سني ورأس مسيحي ورأس علوي إضافي .. كان عميدها آنذاك مسيحياً .. وكان الوكيل العلمي سنياً والوكيل الإداري علوياً .. وأمين الفرقية الحزبية علوياً .. والكلمة الأخيرة لهما .. وجميعهم يرتبطون ارتباطاً مباشراً بفرع المخابرات الجامعي .. والذي احتل الطابق الأرضي في بهو الكلية.

أعلن الوكيل الإداري المكتنز الاستنفار .. وقام بالبحث عن الجاني .. ذاك الذي أفشى السر الامتحاني .. ذاك الذي يوصد أبواب الرزق .. وسرعان ما تم الإمساك بالجاني و تقديمه للعدالة .. حقق المكتنز معه وهدده بالفصل .. ومن ثم تم تحويله للفاسد الأخر أمين الفرقة وبدوره حقق معه بوجود رئيس المكتب الإداري للطلبة وهدداه بالفصل .. ثم اتصلا بمكتب أمين فرع الحزب .. وأخبراه بضرورة الذهاب في اليوم التالي إلى مكتب الأمين بعد الظهر.

في اليوم التالي التقى سماح وذهبا إلى منزل الرفيق مدرس اللغة العربية .. الذي يقطن في حي المنتزه .. كان الوقت ظهراً والطقس حاراً .. استقبلهما بجلبابه البشع كوجهه .. وبقايا من الباذنجان المطبوخ على شاربه الصغير .. هلهل وجهه إذْ ظنَ بأن الرزق قادم .. لكنه اكفهر حين سمع كلمات توبيخية .. بعد المجادلة رفض الاعتراف بخطئه ورفض إعادة التصحيح دون موافقة العمادة.

بعد ظهر ذاك اليوم توجه علي إلى الرفيق الأعلى محسن .. ترافقه حزمة غضب .. تلاقت العيون .. رأى علي سريعاً بقايا من البصقة الفوازية عالقة على وجهه المدّور .. فقبل بضعة أيام من ذاك اللقاء كان قد بصق فواز إلى وجهه الأبيض.

نهض الأمين من كرسيه وحيّا علي بابتسامة .. إذ تعرّف إليه على الفور .. إنه أُستاذ الولد الأغر .. وكيف له أن ينسى بأنه وولده المراهق الأغر لم ولن يعطوا للأستاذ علي أجره لقاء تلك المساءات الطويلات التي قضاها بإعطاء ساعات من المحاضرات الخصوصية .. لابن الأمين الولد الأغر ولصديقه المراهق الآخر حفيد بدوي الجبل.

ابتسم الأمين برفق .. وهدّد الأستاذ علي بلطف .. وطلب إليه عدم الإفشاء بالأسرار الامتحانية وعدم إغلاق أبواب الرزق الحزبي .. وودعه.

نتائج:
- أصبح الطالب سعودي المظهر أحد أهم المافيوزيين في المدينة.
- غادر المدرس "سلمان" جامعته وبلده بعد عامين على عودته .. راجعاً إلى ألمانيا .. ليصبح فيما بعد من أعز الأصدقاء.
- ما زال علي يريد الحصول على أجره عن ساعات التدريس الخصوصية.
- أما سماح فقد توجب عليها في الدورة الامتحانية الثانية إعادة تقديم امتحان اللغة العربية.
- للحكاية بقية .. ولن تكتمل حكاية سماح قبل سقوط القمر.



#علي_دريوسي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هواجس فيسبوكية -E-
- كيف أصبح كيس الطحين الفارغ بطلاً في الكاراتيه
- خربشات بسندلية -B-
- خربشات بسندلية -A-
- هواجس فيسبوكية -D-
- طلائع البعث بصل يابس
- سهرة سوسنية
- وحده .. يغني الصمت
- سَوْسَنات بسندلية
- هواجس فيسبوكية - C -
- منتورة بسنادا
- المنجنيق والأحلام الميتة
- هواجس فيسبوكية -B-
- سحريات من اللاذقية
- هواجس فيسبوكية -A-
- كيفَ حَرَقَ اليابانيْ عَلَمَ البعثْ في عام 1985؟
- موقف سرافيس بسنادا - بكسا
- خريطة بسنادا القديمة
- أصحاب القبعات الحمراء
- هواجس في الإرهاب


المزيد.....




- -بنات ألفة- و-رحلة 404? أبرز الفائزين في مهرجان أسوان لأفلام ...
- تابع HD. مسلسل الطائر الرفراف الحلقه 67 مترجمة للعربية وجمي ...
- -حالة توتر وجو مشحون- يخيم على مهرجان الفيلم العربي في برلين ...
- -خاتم سُليمى-: رواية حب واقعية تحكمها الأحلام والأمكنة
- موعد امتحانات البكالوريا 2024 الجزائر القسمين العلمي والأدبي ...
- التمثيل الضوئي للنبات يلهم باحثين لتصنيع بطارية ورقية
- 1.8 مليار دولار، قيمة صادرات الخدمات الفنية والهندسية الايرا ...
- ثبتها أطفالك هطير من الفرحه… تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- -صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي دريوسي - حكاية لن تكتمل قبل سقوط القمر