أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي دريوسي - كيف أصبح كيس الطحين الفارغ بطلاً في الكاراتيه














المزيد.....

كيف أصبح كيس الطحين الفارغ بطلاً في الكاراتيه


علي دريوسي

الحوار المتمدن-العدد: 4708 - 2015 / 2 / 2 - 17:21
المحور: الادب والفن
    


كان علي حينها صغيراً بنظارةٍ طبية لمّا أضافَ إلى عالمه البسيط المُكوّن من مدرسة وشارع ومنزل وأرض زيتون وقصص للصغار.. مكوناً جديداً يسمونه كاراتيه.
لعله أرادَ آنذاك أن يبني جدارَ حماية من مشاكسات أولاد المدرسة الذين تغضبهم النظرات الحزينة من وراء العدسات الزجاجية .. أو من أولئك الّذين غادروها دون رجعة لكنهم ظلوا ينتظرون أمام أبوابها .. و رغباتهم بالانتقام المراهق تنتظر من لا حظ له.

كان الأولاد في قريته فقراءً .. وكان الصغير خليل أحدهم .. يسكن مع إخوته العشرة والأب والأم في غرفة يتيمة في حارة المحطة .. كان الأولاد يتغنون بالخليل .. وبانتصاراته في المعارك اليدوية الدائرة أمام دور السينما في شارع هنانو عقب نهاية فيلم للمثلة إغراء أو أبو علي شاهين أو بروسلي.

ذات يوم من عام 1982 سافر الصغير علي مع باص البلدية .. بالأسود .. إلى ساحة جامع العجّان في مدينة اللاذقية ومنها مشى بضعة خطوات حتى مدخل شارع هنانو حيث يقع نادي العمال الرياضي في قبوٍ غير صحي في إحدى البنايات .. في مكتبٍ صغير جلس مالك النادي المصارع حسن .. هناك عَلِمَ علي أن رسم الاشتراك الشهري يبلغ أربعون ليرة حمقاء .. يُضاف إلى ذلك مبلغاً وقدره في الحد الأدنى أربعمائة حمقاء أخرى ثمناً للبذلة البيضاء .. ومن ثم تأتي رسوم الاختبارات للحصول على الأحزمة الصفراء والبرتقالية والخضراء الزرقاء والبُنية والسوداء .. وكان اللون الأسود هو الحلم.

عاد علي ذاك اليوم حزيناً إلى قريته مع باص البلدية .. وبالأسود أيضاً.
لم يكن يملك رسم الاشتراك الشهري .. نظر إلى قصصه البوليسية المتراكمة على الرفوف وقرر بيع قسماً منها .. كان الزبون حاضراً في ذاكرته النقية .. بل كانا زبونان .. أحدهما كان ولداً ضخماً اسمه عمار.. يسكن في حارته .. والزبون الآخر كان ولداً طويلاً يشبه أباه الشيخ واسمه مأمون .. كلاهما أرادا امتلاك بعض القصص التي امتلكها الصغير علي.

بعد بضعة أيام استطاع تأمين رسم الاشتراك الأول .. وأصبح عضواً من الأعضاء الكثر في النادي .. وكان هناك أيضاً عضوات ..!
عندما شارك في الدرس الأول كان يرتدي كنزة صوف بليدة ذات لون بني فاتح و بيجامة نومٍ قماشية قصيرة .. لم يكن ذاك الزي البسندلي الصفعة مألوفاً في عالم يرتدي به منتسبوا النادي بذلات بيضاء أنيقة ولا ينطقون حرف القاف.
بدأ يحلم .. كيف له أن يلفت انتباه معلمه في الكاراتيه والذي يسمونه "الأستاذ" محمد .. وأن يصبح بطلاً كي تكتب عنه جريدة الرئيس.

في اليوم الثاني ذهب إلى فرن الخبز لصاحبه دياب .. و رجا العجّان سرحان أن يبيعه كيسين فارغين مليئين بغبار الطحين .. في زواياهما تشكلت بقايا من العجين .. كانت نساء قريته تشتري أيضاً الأكياس الفارغة بمبلغٍ زهيد كي تحولها إلى خرقٍ للمسح والتنظيف .. بدأ علي في المنزل بغسل الكيسين ونفضِهما من بقايا الطحين .. ومع كل نفضة ينتفض قلبه فرحاً ومنتشياً بخيالاته التي تلبسه البذلة البيضاء .. وكأنه قد نسيَ اللون الحقيقي للأكياس.

بعد يومين ذهب للخياط في الحارة الأخرى .. و رجاه والخجل يفتت قامته الصغيرة .. من أجل تفصيل بيجامة كاراتيه بيضاء .. مقابل أجر زهيد .. وعندما حصل على بيجامته الجديدة .. انبغى عليه غسلها ثانية و ثالثة بالماء الساخن و صابون زيت الزيتون كي تصبح بيضاء .. إلا أن سحنتها تغيرت و باتت قصيرة مشوهة.

بقي يواظب التدريب ثلاثة مرات في الأسبوع .. بكنزة الصوف وبجامة النوم القماشية .. بعد مضي أكثر من شهرين وافق علي على شراء بذلة رخيصة من النادي بأقساطٍ شهرية زهيدة.
بعد أقل من عام بدأ مدربه محمد وبصوت عال يمدح قدراته ومهاراته التي يكتسبها بفعل المواظبة .. و وجد التأجج طريقه إلى علي .. وأصبح لقدميه لقب الرفش .. و كان فخورا برفشه.

عندما أصبح بطلاً سورياً في وزنه للمرة الأولى تناهى إلى سمعه بأن المسمى اتحاداً رياضياً للكاراتيه في دمشق سوف يقدم هدايا للآوال .. حسب الأوزان .. وكانت الهدية حلماً جميلاً .. كانت بيجامة أديداس رياضية.

انتظر علي دهراً أو أكثر من أجل وصول طرد بريدي يخبيء في داخله تلك البيجامة الأديداسية .. وكان لها في مخيلته أجمل الألوان .. وبدأ رحلة جديدة في الادخار .. كي يشتري حذاءً أديداسياً رياضياً مهرباً .. ذاك الذي طالما بيع أمام سينما الدنيا .. حذاءً يتناسب و البيجامة الحلم.

كبر علي و حصل على بطولات أخرى .. كبر وغادر قريته و وطنه .. الذي لم يحصل فيه على الهدية الموعودة .. ولم يستطع فيه أن يقتني ذاك الحذاء الأديداسي الملون و المرصوف أمام دور السينما.. غادر وطناً لم يستطع فيه شراء كاميرا رخيصة تافهة كي يوثق بها نشاطاته.

أما خليل ابن الغرفة اليتيمة في حارة المحطة .. فقد مات في اليوم الذي حصل فيه على إحدى البطولات الرياضية .. مات غرقاً .. رغم قدراته على السباحة النهرية و البحرية .. في نهر يسمونه بردى .. في نهرٍ أصبح منذ زمنٍ طويلاً نتناً بفعل التلوث.



#علي_دريوسي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- خربشات بسندلية -B-
- خربشات بسندلية -A-
- هواجس فيسبوكية -D-
- طلائع البعث بصل يابس
- سهرة سوسنية
- وحده .. يغني الصمت
- سَوْسَنات بسندلية
- هواجس فيسبوكية - C -
- منتورة بسنادا
- المنجنيق والأحلام الميتة
- هواجس فيسبوكية -B-
- سحريات من اللاذقية
- هواجس فيسبوكية -A-
- كيفَ حَرَقَ اليابانيْ عَلَمَ البعثْ في عام 1985؟
- موقف سرافيس بسنادا - بكسا
- خريطة بسنادا القديمة
- أصحاب القبعات الحمراء
- هواجس في الإرهاب
- مذكرات طبيب بسندلي -B-
- مذكرات طبيب بسندلي -A-


المزيد.....




- “أقوى أفلام هوليوود” استقبل الآن تردد قناة mbc2 المجاني على ...
- افتتاح أنشطة عام -ستراسبورغ عاصمة عالمية للكتاب-
- بايدن: العالم سيفقد قائده إذا غادرت الولايات المتحدة المسرح ...
- سامسونج تقدّم معرض -التوازن المستحدث- ضمن فعاليات أسبوع ميلا ...
- جعجع يتحدث عن اللاجئين السوريين و-مسرحية وحدة الساحات-
- “العيال هتطير من الفرحة” .. تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- مسابقة جديدة للسينما التجريبية بمهرجان كان في دورته الـ77
- المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي: إسرائيل تعامل الفنانين كإرهاب ...
- نيويورك: الممثل الأمريكي أليك بالدوين يضرب الهاتف من يد ناشط ...
- تواصل فعاليات مهرجان بريكس للأفلام


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي دريوسي - كيف أصبح كيس الطحين الفارغ بطلاً في الكاراتيه