أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي دريوسي - روضة بسنادا والمكدوسة البرميلية














المزيد.....

روضة بسنادا والمكدوسة البرميلية


علي دريوسي

الحوار المتمدن-العدد: 4712 - 2015 / 2 / 6 - 21:04
المحور: الادب والفن
    


كانوا حوالي أكثر من ثلاثين طفلاً وطفلة في عمر البراعم في غرفة صغيرة تطل على الشارع في الطابق الأرضي من بيت "القزق" .. و"سلمى" تقود فريق الأطفال هذا .. ينتظرهم بين الحين والآخر دكان "عزيز" في الطرف المقابل .. وسلمى تجحظ عينيها وتنتظر موعد الانصراف وصوتها المؤنب الحاد يخترق حيرة المكان .. وسلمى تنتظر نهاية الشهر كي توفر أكثر وتشتري ذهباً أو كحلاً لعينيها المدورتين .. هل كانت سلمى مؤهلة لتصير معلمة روضة؟ هو لا يظن .. أما كيف أصبحت ولماذا أصبحت معلمة الروضة؟ ولماذا زكاها أهل الضيعة ووافقوا على استلامها لهذه المهمة التكعيبية؟ فهذه أسئلة لم يستطع الإجابة عليها .. هل من جواب؟

سلمى تصرخ في كل الاتجاهات .. والفصل خريف .. ولأمعاءِ الطفولة حفيفا يشبه حفيف الأوراق .. والأطفال حيارى .. من النافذة المطلة على منزل المعمرجي "يوسف البلوة" .. تمتد يد إحدى الجركسيات وتناول ابنها سامر سندويشته اليومية، برميلية الشكل ذات رائحة رجولية .. الساعة كانت لعلها الثامنة أو التاسعة صباحاً .. الأطفال جياع أو لعلهم في ذاك اليوم كانوا جياعاً .. لا أحد يخطئ هذه الرائحة .. إنها رائحة المكدوس المعبأ برائحة الثوم والممزوجة برائحة الخبز الطازج من فرن "دياب" .. سلمى تحادث المرأة الجركسية بلطف خشنٍ .. لعل لعابها قد سال أيضاً في نفس التوقيت المعتاد لهبوط البرميل المكدوسي الجركسي .. فالمكدوسة البرميل كانت حالة لوكسُسية ولعلها ما زالت.

تفوح الرائحة أكثر فأكثر كلما عض سامر عل برميله ونهش جزءاً منه .. برميله المكدوسي يتأوه .. والأطفال يحلمون بيومٍ .. فيه يستيقظون وشظايا المكدوس تتناثر عليهم .. يحلمون بيومٍ .. حيث تمتد إليهم مئات من الأيادي الجركسية .. وفي كل يد برميل مكدوسي.

و"علي" كان طفل من الأطفال .. يشتهي بطنه الحالة .. ينظر إلى سلمى .. تختفي سلمى خلف الباب .. لعلها في تلك اللحظة قد التهمت بيضتها المسلوقة .. تتكاثر الروائح وتتزاوج .. تملأ المكان مزيجاً لعله كان كريهاً .. لعل الأجساد بدأت بالاحتراق .. عليٌ لا يرى أحداً .. يحمل حقيبته القماشية ويغادر المكان .. كان حينها لم يتجاوز الرابعة من عمره .. ومشى ومشت معه دروب القرية .. ومشى قليلاً حتى وصل .. نظر إلى شجرة التوت في دار البيت .. بحث بعينيه عن أمه .. وَجَدها وأخته .. وحبات عرقٍ تتصبب من جبينهما .. جلستا تحت الدرج الموصل إلى سطح البيت .. وبقربهما وابور الكاز الصاخب .. يحمل على رأسه تلك الطنجرة .. وبداخلها الغسيل يغلي.

سألته أخته الكبيرة بدهشةٍ .. لماذا عدت هذا اليوم مبكراً على غير العادة من روضة "سلمى"؟ .... كان جوابه حاضراً :
قالت "سلمى" لنا أن نعود إلى منازلنا .. لأن سيارتي شحن محملتان بالأطفال القادمين من مدينة أخرى سيصلون إلى الروضة هذا اليوم و أماكن الجلوس في الروضة غير كافية.
كيف خطر له هذا الجواب؟ ..

بدا وكأن أخته الكبيرة .. والتي لم تتجاوز آنذاك الرابعة عشر من العمر .. لم تقتنع بالسبب .. ولعلها اقتنعت .. لكنها لعلها وجدت بأن سلمى لا تملك الحق بتصريحٍ من هذا النوع .. كانت أمه غاضبة ولم تعجبها الحكاية .. فأومأت لابنتها لمرافقة الولد الصغير إلى الروضة ثانية والاستفسار عما حدث.

كان "عليُ" حزيناً ورافق أخته طريق العودة .. وما أن وصلا ورأتهما سلمى بادرت الأخت بسؤالها والاستفسار عما حدث و يحدث .. ومتى ستأتي الشاحنات المحمّلات بالأطفال .. وما أن روت لسلمى الحكاية .. كما رواها الصغير .. حتى بصقت سلمى في وجهه وصرخت بأعلى صوتها .. كذاب .. عد إلى مقعدك .. وعاد "علي" إلى كرسيه .. خائفاً وخائباً وخجلاً من فعلته .. بينما كان سامر بشعره المجعد ووجهه المدوّر.. يلعبُ بصوت عالٍ .. بعد أن دفن في جوفه برميلاً من المكدوس المحشو بالإثم و الثوم.



#علي_دريوسي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كي تصير كاتباً؟
- حكاية لن تكتمل قبل سقوط القمر
- هواجس فيسبوكية -E-
- كيف أصبح كيس الطحين الفارغ بطلاً في الكاراتيه
- خربشات بسندلية -B-
- خربشات بسندلية -A-
- هواجس فيسبوكية -D-
- طلائع البعث بصل يابس
- سهرة سوسنية
- وحده .. يغني الصمت
- سَوْسَنات بسندلية
- هواجس فيسبوكية - C -
- منتورة بسنادا
- المنجنيق والأحلام الميتة
- هواجس فيسبوكية -B-
- سحريات من اللاذقية
- هواجس فيسبوكية -A-
- كيفَ حَرَقَ اليابانيْ عَلَمَ البعثْ في عام 1985؟
- موقف سرافيس بسنادا - بكسا
- خريطة بسنادا القديمة


المزيد.....




- فنانة مصرية شهيرة: سعاد حسني لم تنتحر (فيديو)
- وفاة المخرج ميشائيل فيرهوفن وساسة ألمانيا يشيدون بأعماله الف ...
- -الماتريكس 5-.. حكاية المصفوفة التي قلبت موازين سينما الخيال ...
- -باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي دريوسي - روضة بسنادا والمكدوسة البرميلية