أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فاطمة ناعوت - إن كنتَ إنسانًا، اندهشْ














المزيد.....

إن كنتَ إنسانًا، اندهشْ


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 4713 - 2015 / 2 / 7 - 23:33
المحور: الادب والفن
    


"اندهشتُ جدًّا، حين انتبهتُ أن القططَ لا تندهش! لماذا لا تندهشُ القططُ والخيول والنملُ والزهورُ حينما نأتي أفعالاً مدهشة أو حمقاء أو شاذة؟! ومَن قال إنها لا تندهش؟! ربما هي أكثر منّا، نحن بني الإنسان، عمقًا، فتعبرُ عن اندهاشها لا بتقاسيم الوجه، بل بأشياء أخطر! لهذا كتبتُ في إحدى قصائدي:
"القطةُ لا تندهشُ/ حين تبصرُ السيدةَ/ تصفعُ وجهَ الطفلةِ الجميل/ لما كسرتِ الكوبَ/ القططُ لا تقدرُ أن تندهشْ/ لكن تقدرُ أن تتسلّلَ في الليل/ لتخمشَ تلك اليدْ."
***

الأرستقراطية والإيتيكيت يقولان لك: “لا تندهشْ. الاندهاشُ بدائيةٌ وقلّة تحضّر.” ولم تَرُقْ لي هذه المعلومة أبدًا. أدهشتني! فأنتَ حيٌّ بقدر ما تندهش. ولا تتوقف عن الدهشة إلا حينما تعرف. وهل احتوتنا المعرفةُ أو هل نحن احتوينا المعرفةَ؟ كلما ضبطتُ نفسي متلبسةً بحال دهشة؛ أفرح. رغم اغتياظي من عدم الفهم، أفرح. هو لونٌ من الغيظ المُبهج. مثلما يؤلمك ضرسٌ ألما خفيفًا فتجزُّ عليه كي يزدادَ الألمُ قليلا. فتشعر بشيء من اللذة مشوبة بالوجع. هذا الوجع يؤكد لنا أننا نحيا ولم نمت بعد، فنودُّ تأكيدَ الألمِ لتأكيدِ الحياة!
أفرحُ بدهشتي لأنها دليلي على أنني أحيا وأتنفس وأتفاعل مع الوجود. مازالت أمورٌ بديهية، تحدث عشرات المرات في اليوم، تُدهشني. أندهشُ كلما رأيت بطنًا منتفخًا لامرأة بما يشي أن ثمة شيئًا ينمو داخلها الآن، وشيك الخروج إنسانًا! أندهشُ من القلم يخطُّ رموزًا وخطوطًا، هي أفكار داخل مخي، وإذ تقعُ عليها عينا شخص آخر سيعرف فورًا ما يدور برأسي! ولو فصلتني عنه الأميالُ وربما الدهور! تدهشني الذبابةُ في كابينة القطار تحتفظ بمكانها في الهواء، القطار يجري وهي ثابتة لا تصطدم بجدار الكابينة! تدهشني النملةُ تسير في خمس ثوان ما يوازي طول جسدها ألف مرة! بالقياس، كأن إنسانًا يمشي ميلا في بضع ثوان! تدهشني الغيمةُ والمطرُ والنحلةُ والورقةُ والحبُّ والكراهيةُ والموتْ. الميلادُ يدهشني أكثر من الموت. يدهشني الطميُ الأسود الكاحلُ ينشقُّ عن زهرةٍ حمراءَ وورقة خضراءَ! ويجيء العلمُ ليفسدَ عليّ كلَّ متعي. درسُ الكيمياء والفيزياء والأحياء هي ضدٌّ تعسفيٌّ تآمريّ على كل بهجات الدهشة التي أجتهدُ أن أحصلّها. العلمُ عدو الفرح. لأنني سأتعلم أن البذرة تسقط في التربة ويتولد حولها مناخٌ مناسبٌ من رطوبة وأكسجين فتنشقُّ عن جذرٍ ثم ساقٍ ثم براعمَ ثم زهرة! وأن مياه المحيطات تتبخر بفعل حرارة الشمس فتصعد إلى الأعلى وتتجمع على هيئة غيمة قد تمطر. ثم لأعرف أن القمر هذا الجميل، الذي طالما ناجيته من شرفتي وحاورتُ أرنبه الأبيض الواقف يدقُّ القمحَ في هون، إن هو إلا كوكبٌ صخريٌّ مظلم يسرق من الشمس نورها فيضيء في غفلة منها حين تنام. تبًّا!
الدهشةُ تعني السؤال، والسؤال يجيب عنه العلم. لكن تبقى أمورٌ لم يحلّها العلم، ومن ثم توجّب اشتقاق لون جديد من العلوم الإنسانية هو الإبستيمولوچيا أو نظرية المعرفة، وليس العلم. ليبقى الشاهدُ الذي يظلُّ يذكرنا على الدوام أن العلم قاصرٌ، وسوف يظلُّ قاصرًا حتى يبقى العالَمُ لغزًا مُحيّرًا لنا، ونظل نندهش فنثبت، لأنفسنا، أننا بشر. ولهذا يقول هوسرل إن السؤال يبدأ بالرجوع إلى الذات قصد تحطيم المعارف الجاهزة التي يمكنها أن تكون عائقًا إبستيمولوچيا ضد مشارفة الحقيقة. فعلى الإنسان أن ينشئ فلسفةً خاصة، قائمة على حدوسه المطلقة. من أجل ذلك رفض فيثاغورس أن يُدعى "حكيما" لأن الحكمة تعني امتلاك الحقيقة. ومَن يمتلكُها؟ وفضّل عليها كلمة "فيلسوف"، وهو محبُّ الحكمة، وليس مالكها. هذا التواضع المعرفيّ، والتوق الدائم إلى التعلّم، هو الذي سيولّد فيما بعد منزع الشك المنهجيّ الذي سيؤسسه ديكارت في القرن السابع عشر. لذلك تبقى الأسئلة أهم من الإجابات، وكل جواب يصبح بدوره سؤالا جديدًا، كما قال كارل ياسبرس. فاندهاش نيوتن من سقوط التفاحة بدلا من طيرانها في الجو بعدما تحرّرت من غصنها خلق سؤالا. ومن ثم نظرية. فهل كان نيوتن حين اندهش فيلسوفًا أم عالما أم شاعرًا؟ عندي أنه كان محض إنسان تحرّر من استعمار اليقين والمُسلّمات وحسب. من هنا نقدر أن نفهم المنطق التوليديّ للسؤال السقراطي. حين كان سقراط يبادر محاوره بسؤال جدّ بسيط حول أمر شديد البداهة. ثم يتدرج الحوار خطوةً خطوة "ليولّد" أسئلةً إشكالية كبرى. فإحساس سقراط بتواضع معرفته (!) جعله يساجل رجال الدولة بحثا عن الحقيقة، محاولا أن يحطم عندهم ذلك الاعتقاد الدوجمائي بامتلاك اليقين. فلاقى ما لاقى. من الرائع أن نتحرر من الوثوقية والجاهزية والمفروضية والبداهة. ونستسلم للذة الدهشة. حيث لا شيء بديهيًّا فوق الأرض. كل شيء يصلح أن يكون محلّ سؤال. ومحل دهشة من ثم. حتى قبسة الهواء التي تدخل رئتي الآن لكي أحيا لدقيقة قادمة. هل حقًّا القطةُ لا تندهش؟



***
* من قصيدة “ثأر” | ديوان “اسمي ليس صعبًا” | فاطمة ناعوت | دار "الدار" 2009



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لحيةُ الشيخ
- في انتظار رد الأزهر الشريف
- دواءٌ اسمُه القراءة
- في معرض القاهرة الدولي للكتاب 2015 | الجمهورُ هو البطل
- هل نتحدث إلى الله؟
- معرض الكتاب.... ومحاكمتي
- تنّورة ميم
- مصرُ تُقبّل جبينَ السعودية
- الملك عبد الله، مصرُ تُطوّبك
- النملة أنس
- قطراتٌ من محبرتي في -الثورة الأم-
- مطلوب ألف مارتن لوثر
- محاكمتي في قضية رأي تتزامن مع معرض الكتاب والرأي
- رسالةُ حبٍّ ستخطئ طريقَها!
- رسالةُ حبٍّ ستخطئ طريقَها!
- فاتن حمامة، احملي هذه الرسالة
- يا معشر الثيران، متى يشبعُ الأسدُ؟!
- الدهشة
- انظر خلفك دون غضب (2)
- (تحيّة للمناضلة المصريّة فاطمة ناعُوت)


المزيد.....




- “العيال هتطير من الفرحة” .. تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- مسابقة جديدة للسينما التجريبية بمهرجان كان في دورته الـ77
- المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي: إسرائيل تعامل الفنانين كإرهاب ...
- نيويورك: الممثل الأمريكي أليك بالدوين يضرب الهاتف من يد ناشط ...
- تواصل فعاليات مهرجان بريكس للأفلام
- السعودية تتصدر جوائز مهرجان هوليوود للفيلم العربي
- فنانون أيرلنديون يطالبون مواطنتهم بمقاطعة -يوروفيجن- والوقوف ...
- بلدية باريس تطلق اسم أيقونة الأغنية الأمازيغية الفنان الجزائ ...
- مظفر النَّواب.. الذَّوبان بجُهيمان وخمينيّ
- روسيا.. إقامة معرض لمسرح عرائس مذهل من إندونيسيا


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فاطمة ناعوت - إن كنتَ إنسانًا، اندهشْ