أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - فاطمة ناعوت - انظر خلفك دون غضب (2)














المزيد.....

انظر خلفك دون غضب (2)


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 4691 - 2015 / 1 / 14 - 13:18
المحور: المجتمع المدني
    


تكلمتُ الأسبوعَ الماضي عن وجوب تزامن الحاكم المستنير مع المثقف التنويري في لحظة تاريخية واحدة؛ من أجل نهضة مجتمع ما. وضربنا أمثله من العصر العباسي في الأندلس: "المنصور" إلى جوار "ابن رشد”، وفي العصر الحديث في مصر: "محمد علي" إلى جوار "الطهطاوي" وأضرابه.
ولكن ماذا عن العصر الراهن؟ هل لدينا "المنصور" أو "محمد علي" على كراسي الحكم؟ أظن أن مصر الآن حظيت بحاكم تنويريّ يودُّ، بل يصرُّ على، انبعاث مصر المستنيرة من جديد. وهل لدينا "ابن رشد" أو "الطهطاوي" على كراسي المثقفين الطليعيين؟ أم باتت القلّة المثقفة المستنيرة تخشى على أرواحها من طعنة خنجر غادر، أو رصاصة مسدس طائش، أو كلمة نابية تخزُ الصدر بشوكة الألم، مثلما طُعن نجيب محفوظ وغُدِر فرج فودة، ومثلما كُفِّر طه حسين ونصر حامد أبو زيد وسيد القمني وإبراهيم عيسى وكاتبة السطور وسوانا قادمٌ على الطريق؟
الحقُّ أن حال الانكسار المعنوي التي أعقبت هزيمة حزيران الأسود 67، أعقبتها حالٌ من الخواء الفكري والانحطاط المجتمعي، ما فتح ثغرةً واسعةً في جدار الوعي والثقافة الشعبية، سمحت، بالتالي، لدخول سيف المد السلفي الرجعي المتطرف وتوغّله وانتشاره بين جنبات الوطن العربي، وبخاصة مصر، التي شهد التاريخُ بنهضتها واستنارتها يومًا، بل آمادًا طوالا.
نحتاجُ الآن "محمد علي" جديدًا لمطاردة الوهابيين وفكرهم الشكلاني المضاد للحياة، على أن تلك المطاردة لن تكون في الجزيرة العربية وفقط، مثلما كان في العصور الرفيعة في زمن محمد علي حين أرسل ابنه طوسون بدحرهم في الجزيرة العربية، بل على محمد علي "الجديد" أن يطارد فكرَهم الأعوج المريض في كافة ربوع الوطن، بل وفي مجمل أرجاء العالم، وبخاصة مصر التي غدت وهابيةً أكثر من الوهابيين.
لشد ما نحتاج إلى العودة للوراء من أجل التقدم للأمام! لشد ما نحتاج إلى أن "ننظر إلى الخلف دون غضب"، على عكس ما ذهب إليه عنوان مسرحية البريطاني چون أوزبورن: "انظرْ خلفك في غضب."
خذْ مثالا لا حصرًا، لما يحدث منّا نحن العرب بعامة، وما يحدث من النخبة المصرية "المثقفة"، بين قوسين، الراهنة بخاصّة، التي يحقُّ لها أن تجعل العالمَ كلَّه يضحكُ علينا ملء شدقيه. أصدر فريقٌ من علماء الغرب ورقةً بحثية جديدة نشرتها مجلة علمية أمريكية تُدعى Sience، حول اكتشاف أحفوريّ ينتظره العالمُ منذ زمن، وبالتحديد انتظره "داروين" وفريقه، لأنه كان الحلقة الناقصة التي بها تكتمل نظريته حول النشوء والارتقاء، سواء اتفقنا معها أو اختلفنا. الورقة البحثية هي خلاصة جهد أكثر من أربعين عالمًا عكفوا خمس عشرة سنة على دراسة أقدم هيكل عظمي لجد الإنسان الأول، الذي أطلقوا عليه اسم "آردي" بعد اكتشافهم أجزاء منه في منطقة عفر بأثيوبيا. بالتحليل النووي اكتشفوا أن عمر الأحفورة 4.4 مليون عام، أي أنها أقدم عمرًا من سابقتها "لوسي" التي اكتشفَت العام 1974 وكان عمرها 3.2 مليون سنة فقط. وبعد تركيب الجمجمة والأسنان والعظام في محاولة لتقديم صورة تقريبية عن شكل هذا الكائن الجد، تبيّن أنه أنثى طولها 120 سم، ووزنها حوالي 50 كجم، فأقرَّ العلماء أنها لا تنتمي تماما لفصيل القردَة، ولا هي تامة الشبه بالإنسان الراهن. فهي مهيأة للمشي، ولكن ليس باتزان كامل مثل الإنسان، وكذا بوسعها التسلّق لكن ليس بالمرونة الفائقة التي للتشمبانزي. وخَلُص العلماءُ إلى أن جنس القردة العليا ليس الجد الأول للإنسان، بل أن القرد والإنسان ينحدران من أصل واحد لم يُكتشف حتى الآن. وهذا هو جوهر نظرية داروين التي ظُلمت وشُوِّهت، كما ظُلم الرجلُ من قِبَل العامة والجهلاء بوضعهم كلامًا على لسانه لم يقله. إلى هنا ينتهي دور العلماء في هذا الكشف الحَلقي. فالعلماء يقدمون للبشرية خلاصة علمهم ثم يصمتون. لتنفتح أفواه الظلاميين لتبخّ ترهاتها وتخاريفها هنا وهناك. وليس أفضل من رجال ديننا العرب حال الكلام عن قتل العلم والتبجّح بما لا يعلمون والتنطّع بكل جهل على فتات موائد العلم والأبحاث. تصدّرت صحفنا العربيةَ مانشيتاتٌ ضخمة حول "موت نظرية داروين"، وظهر الحق وزهق الباطل إن الباطلَ كان زهوقًا، إلى آخر تلك الأقاويل التي نرددها كالببغاوات من دون أن ندري معناها. ولم تجد قناة الجزيرة أفضل من د. زغلول النجار، أحد مخربي الوعي المصري الراهن، وأحد بناة معاول التفكك القومي بالبلد، لتهاتفه ليقول رأيه بوصفه عالمًا، ليس دينيًّا فقط، بل وچيولوچيا أيضا، أليس هو صاحب "الإعجاز العلمي في القرآن الكريم". تكلّم زغلول النجار فأضحك علينا العالمين قائلا إن هذا البحث إنما يمثل عودة الغربيين إلى صوابهم، (هل فقدوا صوابهم؟)، ثم يؤكد أن هذه الحفرية لا يمكن أن يكون عمرها أربعة ملايين ونصف المليون من الأعوام، بل لابد عمرها 400 ألف عام وحسب! (فهل دخل السيد النجار المخبر وسلّط الأشعة النووية على عظامها ليجزم بما أفتى؟)، ثم يقول إن الاكتشاف ضربةٌ قوية لنظرية داروين (هل نطالبه بأن يعود لاستذكار نظرية داروين في الصف السادس؟)، يقول هذا بكل ثقة بينما يرى الغرب ببساطة أن هذا الاكتشاف العلمي بمثابة رقعة جديدة تؤكد وتُضاف إلى نظرية داروين التي تركها وترك العالم وهو يعلم أن ثمة ما يجب أن يُكتشَف في مقبل الأيام لتكتمل نظريته، وها الأيام تثبت حدسه، وسوف تثبته غدًا أو بغد غد. ذاك أن نظرية داروين مازالت مفتوحة على مزيد من الكشف وإكمال ثغرات أقرَّ بها داروين ذاته، حينما حذّر من العمومية في إطلاق الأحكام النهائية.
كادتُ مصر، لولا رحمة الله بها وبشعبها، أن تكون دولةً ظلامية، بدلا عن تحقيق حلمنا الخياليّ، نحن مثقفي مصر، بأن نغدو مجتمعًا مدنيًّا قائما على العلم والتشريع والتعددية الفكرية والإثنية، لا على فتاوى الزوايا وجلسات المقاهي والفضائيات الجاهلة المنحرفة والنقلية العمياء.



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- (تحيّة للمناضلة المصريّة فاطمة ناعُوت)
- اسمُها -حسناء-
- شكرًا لطبق السوشي
- نُعلنُ التنويرَ عليكم
- انظر خلفك دون غضب - 1 -
- حواديت ماجدة إبراهيم
- انظر خلفك دون غضب (1)
- عماد ديفيد
- صالون حجازي
- خبر مدهش: عودة الصالونات الثقافية
- حذارِ أن تصادق شربل بعيني
- يا معشر الثيران
- حكاية الآنسة: ربعاوية وبس!
- ناعوت ل«الوطن»بعد إحالتها للجنايات:لا توجد دولة تحاكم شخصا ع ...
- ناعوت تدفع ضريبة التنوير ومناهضتها الإخوان
- جِنيّةُ الشجر
- صباح الخير يا تونس
- الأسطى داعش يسكن سيدني
- مبارك في محكمة -ماعت-
- لقاء الرئيس السيسي بالأدباء والمثقفين


المزيد.....




- احتجاجات وسط تونس تطالب بـ-الإجلاء السريع- لآلاف المهاجرين ا ...
- ميقاتي: الكلام عن رشوة أوروبية للبنان لإبقاء النازحين على أر ...
- مسئولة أممية: المجاعة تنتقل من شمال قطاع غزة إلى جنوبه
- تعذيب مجندات بجيش الاحتلال رفضن الخدمة على حدود غزة: تذنيب ت ...
- ميقاتي يرد على حملة بوجود -رشوة أوروبية- لإبقاء النازحين الس ...
- عشرات المهاجرين يصلون إلى إنجلترا على متن زورقين من فرنسا
- كيف تحولت مظاهرة لغزة في جامعة إنديانا إلى نضال لحرية التعبي ...
- بالصراخ وسط الليل.. طلاب يتظاهرون أمام منزل نعمت شفيق
- حملة ترمب تركز على -المهاجرين- لتضليل الناخبين
- صحة غزة تطالب محكمة الجنايات الدولية بالتحقيق في تعذيب واغتي ...


المزيد.....

- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي
- فراعنة فى الدنمارك / محيى الدين غريب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - فاطمة ناعوت - انظر خلفك دون غضب (2)