عماد عبد اللطيف سالم
كاتب وباحث
(Imad A.salim)
الحوار المتمدن-العدد: 4689 - 2015 / 1 / 12 - 17:45
المحور:
كتابات ساخرة
مدرسة القمل
الرائع أزهر جرجيس عرض على صفحته في الفيسبوك عصر هذا اليوم منشورا عن تلميذ كان معه في الأبتدائية ، لم يتمكن من تنفيذ أوامر المُعلّم بحلافة شعر رأسه .. فعاقبهُ المعلّم عقوبةً دفعتهُ لأن يبول على نفسه من الخوف . ومن ساعتها صار إسمه " عزّوز أبو بولة " .
على ذات المنوال .. و في مدرسة الخيزران الأبتدائية في الكرخ القديمة ، كانت الست " سريّة " عبارة عن كتلة من القسوة والغضب . وعندما ترتكب التلميذة ادنى خطأ ، كانت الست سريّة تمسك بضفيرتها بيديها الأثنتين ، وتطوّح بها في الهواء ، قبل ان تضربها بسطح السبورة المعفّر بالطباشير . اما التلاميذ ، فلم يكن امامهم سوى الهرب باقصى سرعة ممكنة من الصفّ ، عند اول اشارة من عدم الرضا ، تصدر عن وجهها الصارم .
أمرَتْ الست سريّة الأولاد بحلافة شعرهم ( نمرة اربعة ) كالجنود ، خوفاً من انتشار القمل بين التلاميذ . امّا البنات فهدّدتهم بتفتيش شَعرٍ علنيّ ، بحثاً عن " صوابةٍ " واحدة . فإن وجدتها ستحلّ عليهن اللعنة .. ويالها من لعنة .
تم منح الجميع مهلة يوم واحد لتنفيذ الأمر .. وسيكون " التفتيش " صباح الغد .. في ساحة المدرسة .
في بداية الستينيات من القرن الماضي ، كانت كلفة الحلاقة خمسون " فلساً " فقط .. أي " درهم " واحد .
لم يكن في البيت عصر ذلك اليوم .. فلسٌ واحد .
أخذت " القرآن " خلسةً ، وتسلّلتُ من البيت راكِضاً إلى مقبرة الشيخ معروف القريبة من بيتنا في محلة " الشيخ علي " .
وجدتُ بعض الزبائن :
- هل تعرف تجويد القرآن ياولد ؟
- نعم عمّي .. نعم خالتي .. وسورة " ياسين " بالذات .
وهكذا .. تجويدٌ بصوتٍ أخنّ .. بتقليد بائس لـ ( عبد الباسط عبد الصمد ) .. وستة قبور .. وستّون فلساً .. حصيلة سورة ياسين ، إلى غروب الشمس .
ومن المقبرة .. وأنا أهرولُ ، وبيدي القرآن ، إلى محلّة الرحمانيّة .
حلاقةٌ سريعةٌ ورائعة بخمسين فلساً..و قطعة كبيرة ولذيذة وساخنة من المكّاوية" بعشرة فلوس .
ثم عدتُ الى البيت .
كانت نكهة " المكّاويّة " مُذهلة . وطعمها لايزالُ عالقاً في فمي إلى هذه اللحظة .
أمّي كانت نائمة .
ولم يعد أبي الى البيت بعد .
وفي صباح اليوم التالي ..
كان رأسي يلمعُ في ساحة المدرسة .
وكانت الست " سريّة .. تبتسمُ لي .
وكان القملُ وحده .. قد مات من الخوف .
#عماد_عبد_اللطيف_سالم (هاشتاغ)
Imad_A.salim#
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟