أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسين مهنا - قصّة قصيرة - ليلة باردة .. حارّة















المزيد.....

قصّة قصيرة - ليلة باردة .. حارّة


حسين مهنا

الحوار المتمدن-العدد: 4684 - 2015 / 1 / 7 - 14:52
المحور: الادب والفن
    


( قِصَّةٌ قَصيرَة )

حسين مهنّا

لَيلَةٌ بارِدَةٌ ..حارَّةٌ


لَيسَ من عادَتِهِ أَنْ يَدْخُلَ مَكْتَبَهُ في اللَّيالي البارِدَةِ إذا ما أَلَحَّتْ عَلَيهِ نوازِعُ الكِتابَةِ .. بَل من عادَتِهِ أَنْ يَلُفَّ جَسَدَهُ المَقْرورَ حتّى العَظْمِ بِعَباءَتِهِ التَّقليدِيَّةِ السَّميكَةِ ويَجْلِسَ بِجانِبِ الوِجاقِ بِطَريقَةٍ تُعْطي الحُرِّيَّةَ لِيَدَيهِ كي تَتَحَرَّكا ..
وبِما أَنَّهُ لا يُؤْمِنُ بِما يُؤْمِنُ بهِ مُعْظَمُ الأُدَباءِ بِأَنَّ هناكَ طُقوسَاً تَعَوَّدوها أَثْناءَ جُلوسِهم لِلكِتابَةِ ، كَأَنْ يَكْتُبوا على وَرَقٍ خاصٍّ ، وبِحِبْرٍ خاصٍّ وما الى ذلك ، فقد أَخَذَ وَرَقَةً وقَلَمَاً وبَدَأَ يُتَرْجِمُ أَفْكارَهُ المُتَزاحِمَةَ في جُمْجُمَتِهِ الى كَلِماتٍ ، راجِيَاً أَنْ يُسْعِفَهُ مَخْزونُهُ اللُّغَوِيُّ والثَّقافيُّ فَيَكْتُبَ ما يَروقُ لِلْقارِئِ المِسْكينِ الّذي يُرْجَمُ كُلَّ يَومٍ بِما تَنْشُرُهُ الصُّحُفُ والمَجَلّاتُ .. من .. من .... ولم يَقُلْها تَأَدُّبَاً .
المَطَرُ الشَّديدُ والمَصْحوبُ بِالبُروقِ والرُّعودِ يَشَدُّ انْتِباهَهُ ، المَشْدودَ أَصْلاً ، الى زَمَنٍ مَضى .. الى بَيتٍ تُرابِيٍّ ، وكيفَ كانَ سَطْحُهُ ، رغمَ دَحْلِهِ ودَلْكِهِ جَيِّدَاً ، يَسْتَسْلِمُ لِضَرَباتِ المَطَرِ والبَرَدِ فَتَخْتَرِقُهُ قَطَراتُ الماءِ ، وتَسْقُطُ على فِراشِ النّائِمينَ ، فَلا يَتَذَمَّرونَ ولا يَشْتُمونَ ، كيفَ ! والسَّماءُ تَهُرُّ الخَيرَ هَرَّاً ، وغَزارَةُ المَطَرِ بُشْرى خَيرٍ لِمَوسِمٍ قادِمٍ .. حَتّى البَرَدُ والثَّلْجُ والصَّقيعُ كانِتْ ظَواهِرَ طَبيعِيَّةً مُحَبَّبَةً عِنْدَهُم .. وحَمَلَتْهُ الذِّكْرى الى يَومٍ رَأَى الماءَ المُنْصَبَّ منَ الميزابِ وقَد تَجَمَّدَ وُصولاً الى الأَرضِ .. مَنْظَرٌ انْحَفَرَ في ذاكِرَتِهُ الطُّفولِيَّةِ تماماً كَقِصَصِ كامل كيلاني الشّائِقَةِ عن السِّحْرِ والسَّحَرةِ .
كَم افتقَدَ ظَواهِرَ الشِّتاءِ تِلكَ ! يَقولُ عُلَماءُ الميتْرولوجيا ( الأَرصادُ الجَوِّيَّةُ ) إنَّ دَرَجَةَ حرارَةِ الغِلافِ الجَوِّيِّ قد ارتَفَعَتْ ما بَينَ اثْنَتَينِ الى سَبْعِ دَرَجاتٍ مِئَويَّةٍ بِفِعْلِ نَشاطِ الإنْسانِ وإفرازاتِ التِّكْنولوجْيا .. سَمِعَهُ الأَبناءُ فَقالوأ : عقاربُ السّاعَةِ لا تَدورُ الى الوَراءِ ! اشْتَرِ لَكَ حِمارَاً وسافِرْ عليهِ ! ضَحِكَ اسْتِخْفافَاً ، وضَحِكوا تَنَدُّرَاً .
وفَكَّرَ .. كم هو خَطيرٌ الابْتِعادُ عن عالَمِ الطّينِ والغَرَقُ في عالَمِ الإسْمِنتِ .. فَإِذا قُلْتَ لِأَبْنائِكَ : استَحْصَدَ القَمْحُ أَو شمْسُ الأَصيلِ أَو ليلَةٌ قَمْراءُ ، لَمَا فَهِموا ! وقالوا : حَديثُ الأَمْسِ لايُطابِقُ حَديثَ اليومِ ! وإذا قُلْتَ مُسْتاءً : خُلِقَتِ الطُّيورُ لِلأَشْجارِ ولِلسَّماءِ ! قالوا : لا يُغَرِّدُ الكَناريُّ إلّا في قَفَصٍ ! .... وأَمّا ثالِثَةُ الأَثافِيِّ فَكُلَّما نَظَرَتْ إحداهُنَّ وَجْهَها في المِرْآةِ فَرَأَتْ غَضْنَاً هَرَعَتْ الى أَقْرَبِ أَخِصّائي تَجميلٍ !
رَحِمَ اللّهُ أُمَّهاتٍ وَلَدْنَنا ما اغتَسَلْنَ إلّا بِصابونَةِ زَيتِ الزَّيتونِ ، وما تَعَطَّرْنَ إلّا بِعَرَقِ العافِيَةِ .. وكُنَّ أَجْمَلَ الجَميلاتِ .
بَرْقٌ خاطِفٌ مَتْبوعٌ بِرَعْدٍ قاصِفٍ أَعاداهُ الى الواقِعِ .. وتَساءَلَ كَيفَ وَصَلَ الى هذا الحَدِّ منَ الضَّعْفِ ، لَعَلَّ سَنَواتِهِ السَّبْعينَ السَّبَبُ الرَّئيسُ في ذلكَ ، واه ... !!! لَقَدْ عِشْنا طَويلاً ، تَمْضي السُّنونُ تَجُرُّ بَعْضَها بَعْضَاً ونَحْنُ لاهونَ .. قيلَ : " لَمّا أتى ملَكُ الموت نوحاً ليقْبِضَ روحَهُ قالَ : يا نوح كَمْ عِشْتَ في الدُنْيا ؟ قالَ : ثَلاثمائَةٍ قَبلَ أَن اُبعثَ وأَلفَ سنَةٍ إلّا خَمْسينَ عامَاً في قَومي ، وثَلاثَمائَةِ سَنَةٍ وخَمْسينَ بَعْدَ الطّوفانِ ؛ قالَ مَلَكُ المَوتِ : فَكَيفَ وجَدْتَ الدُّنيا ؟ قالَ نوح : مِثْلَ دارٍ لَها بابانِ دَخَلْتُ من هذا وخَرَجْتُ من هذا " ! فَامْتَعَضَ قَليلاً ، ولكِنَّهُ عادَ فَأَقْنَعَ نَفْسَهُ بِأَنَّ أَفْكارَهُ صَحيحَةٌ وتَقَلُّباتِهَ النَّفْسِيَّةَ سَوِيَّةٌ .. فَلا غَرْوَى إذا نَقَلَتْهُ الذِّكْرَياتُ الى عالَمٍ كانَ لَهُ .. ! كانَ في قَبْضَتِهِ ..! والآنَ هو في عالَمٍ ليسَ لَهُ ، وشَبابُهُ ليسَ مَعَهُ ..... كَتَبَ الأَديبُ ميخائل نُعَيمة ، عندَ بُلوغِهِ السَّبْعين ، كِتابَهُ الهَامَّ ( سَبْعون ) كَم كانَ زاخِرَاً ! وكم كانَ الكاتِبُ مِعْطاءً ! وأَنْتَ ماذا أَعْطَيتَ ؟ العَصافيرُ تُعْطي تَغْريدَها والفَراشاتُ أَلْوانَها والأَزاهيرُ أَريجَها .... وأَنْتَ ! أَنْتَ ! ماذا أَعْطَيتَ ؟!
البَرْدُ ، رغمَ الوِجاقِ والعَباءَةِ ، هَدَّأَ من ثَورَةِ روحِهِ المُتْعَبَةِ .. تَساءَلَ من جَديد : لو وَجَدَ جلجامش زَهْرَةَ الحَياةِ ماذا كانَ سَيَفْعَلُ في عُمْرٍ امْتَدَّ آلافَ السّنين ؟! وهلْ كانَ سَيُدْرِكُ أَنَّ أَوَّلَهُ شَقاءٌ وآخِرَهُ شَقاءٌ ! وماذا سَيَقولُ لو رَكِبَ الطَّيّارَةَ وهاتَفَ أَصْدِقاءَهُ بِالآي فون ...! تَبَسَّمَ وتَرَحَّمَ على اُمِّ المُؤْمِنين عائِشَة رَضِيَ اللّهُ عَنْها .. كانَتْ على فِراشِ الموتِ .. دَخَلَ عَلَيها ابن عَبّاس فَقالَ : يا أُمّاهُ ! ما بَينَكِ وبَينَ أَنْ تَلْتَقي مُحَمَّدَاً والأَحِبَّةَ إلّا أَنْ يُفارِقَ روحُكِ الجَسَدَ فَأَبْشِري .. وراحَ يُثْني ويَذْكُرُ فَضْلَها ، فَقالَتْ : دَعْني مِنْكَ ومن تَزْكِيَتِكَ، فَوَاللّهِ لَوَدِدْتُ لو كُنْتُ نَسْيَاً مَنْسِيَّاً ...
وعادَ لِيَسْأَلَ : ما الّذي دَفَعَ تَميمَ بن مُقْبل لِيَقولَ :
ما أَطْيَبَ العَيشَ لو أَنَّ الفتى حَجَرٌ
تَنْبو الحَوادِثُ عَنْهُ وهْوَ مَلْمومُ
واعتَقَدَ أَنَّهُ ارْتاحَ لِما اسْتَعادَ من أَفْكارٍ .. وفَكَّرَ : ؟ ما الإنْسانُ ؟ ما القَديمُ ؟ ما الجَديدُ ؟ ما الخَيرُ ؟ ما الشَّرُّ ؟ ما الحِكْمَةُ ؟ ما الجُنونُ ؟ ما التَّفاؤُلُ ؟ ما التَّشاوُمُ ؟ ما الكَراهِيَةُ ؟ ما الحُبُّ ؟ ما العَطَاءُ ؟ما الشَّبابُ ؟ ما الشَّيخوخَةُ ؟ ما الموتُ ؟ ..ما .. ما ......؟ هَمْسٌ يَأْتيهَ لا يَدْري من أَينَ يَقول : أَنا الحَياةُ ، وأَنْتَ ضَيفي .. فَكُنْ ضَيْفَاً مُؤَدَّباً ..! قُلْتُ : ولكِنَّني لَسْتُ تَميمَ بن مُقْبِل .. قالَتْ : اشْرَبْ ، إذَاً ، كَأْسَ مُرِّكَ بِيَدَيكَ .. وقَبْلَ أَنْ تَأْخُذَني سِنَةٌ من نومٍ ، اعتَقَدْتُ أَنَّني شَرِبْتُ كَأْسي فَوَجَدْتُهُ حُلْوَاً !

( ديسمبر 2014 )



#حسين_مهنا (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فاطمة ناعوت في حوار مفتوح مع القارئات والقرّاء حول لماذا يقت ...
- يقولون أنت حزين
- الزّيارة الأخيرة لسميح القاسم
- لعنة الوأد
- لا تنسوا الصّراع الطّبقي
- حوار (ملف الأول من أيار)
- قصيدة وردة على جرح حواء
- قصيدة تبسّم
- قصيدة كلهم هولاكو
- ليستْ ثَرْثَرَة....
- يا قُدْسُ رِفْقَاً ..!
- يا قُدْسُ رِفْقَاً ..!
- نامي ثَوْرَةً بِدَمِي ..
- أيُزْعِجُكَ النَّبْشُ في الذّاكِرَة.....!؟
- رأي شخصيّ غير ملزم لأحد
- في رثاء القائد الوطني الشيوعي نمر مرقص
- قَدْ يَبْدُو المَشْهَدُ عَادِيَّاً...!
- أما زالَ يُخْجِلُكَ المَدْحُ.....!؟
- أشربُ حُزني عَلَلاً..!
- ابو عادل..


المزيد.....




- تركيا تعتمد برنامجا شاملا لتعليم اللغة التركية للطلاب الأجان ...
- مسرحية -طعم الجدران مالح-.. الألم السوري بين توثيق الحكايات ...
- مهرجان الأردن لأفلام الأطفال.. غزة وحكايا النزوح والصمود في ...
- -للسجن مذاق آخر-.. شهادة أسير فلسطيني عن الألم والأمل خلف ال ...
- المخرجة اللبنانية منية عقل تدخل عالم نتفليكس من خلال مسلسل - ...
- الذكاء الاصطناعي بين وهم الإبداع ومحاكاة الأدب.. قراءة في أط ...
- مخيم -حارة المغاربة- بطنجة يجمع أطفالا من القدس والمغرب
- بصمة الأدب العربيّ: الدّكتورة سناء الشّعلان (بنت النعيمة)
- باب كيسان.. البوابة التي حملت الأزمنة على أكتافها
- -بدونك أشعر أني أعمى حقا-.. كيف تناولت سرديات النثر العربي ا ...


المزيد.....

- يوميات رجل غير مهزوم. عما يشبه الشعر / السيد حافظ
- نقوش على الجدار الحزين / مأمون أحمد مصطفى زيدان
- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى
- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسين مهنا - قصّة قصيرة - ليلة باردة .. حارّة