|
الزّيارة الأخيرة لسميح القاسم
حسين مهنا
الحوار المتمدن-العدد: 4564 - 2014 / 9 / 4 - 20:20
المحور:
الادب والفن
حسين مهنّا
الزّيارةُ الأَخيرَةُ لِسَميحِ القاسم
تواعَدْنا أنْ نَلْتَقي عِنْدَ سميحِ القاسم .. بروفسور جمال زيدان – المُشْرِفُ على عِلاجِهِ – بِرِفْقَةِ زَوجَتِهِ .. الكاتبُ زَكي دَرْويش بِرِفْقَةِ زَوجَتِهِ .. وأنا بِرِفقَةِ زوجَتي .. ارتَقَينا دَرَجاتِ بَيتِهِ الكَثيرَةَ صامِتين .. وفَكَّرْتُ .. كَيفَ سَيَسْتَقْبِلُنا سَميح !؟ استَبْعَدْتُ فِكْرَةَ أنْ نَجِدَهُ على سَريرٍ كانَ سَريرَ سَكينَتِهِ وقَرينَ راحَتِهِ فَصارَ بِمَرَضِهِ ، سَريرَ آلامٍ وآمال .. آلامِ مَرَضٍ يَسْتَمْرئُ نَهْشَ اللَّحْمِ الآدَمِيِّ .. وآمالِ إنسانٍ أحَبَّ الحياةَ فَعاشَها بِطولِها وَعَرْضِها قَوِيَّاً لا يَكِلُّ وفاعِلاً لا يَهْدَأ. .. وقَدَّرْتُ أنْ نَراهُ واقِفَاً تَسْنُدُهُ عُكّازَةٌ تُفاخِرُأَخَواتِها العُكَّازاتِ أَنَّها رَفيقَةُ سميحِ القاسم .. لَمْ نَطْرُقِ البابَ ، فَقَدْ كانَ مَفْتوحَاً .. وكانَ سَميحٌ ، كَعادَتِهِ في اسْتِقْبالِ زائِريهِ ، واقِفَاً عِنْدَ المَدْخَلِ لاسْتِقْبالِنا بِوِجْهِهِ السَّميحِ وبِابْتِسامةٍ تَحْمِلُ أَكْثَرَ مِمّا تَحْمِلُهُ كَلِماتُ التَّرْحيبِ والتَّأْهيل مِن مَحَبَّةٍ وَمِنْ صادِقِ فَرَح .. ثَمَّةَ شَيْءٌ ما قَدْ تَغَيَّرَ ، فَسَلامُ سَميحٍ العادِيِّ يكونُ بِالعِناقِ ، وأَمّا في هذا اللِّقاءِ ، فَكانَ بِالمُصافَحَةِ ، ليسَ لِأَنَّ الرَّسولَ الكَريمَ أَوصَى بِأَنْ يكونَ السَّلامُ لا بِالالتِزامِ بلْ بِالمُصافَحَةِ ، ولكنْ عَمَلاً بِتَعْليماتِ البروفِسور جمال ، وذلِكَ حِرْصَاً على صَحَّتِهِ، وخَوفَاً على مَناعَتِهِ مِنْ أَنْ يُعَكِّرَها فَيضُ حُبِّنا . جَلَسْنا وقد انضمَّ الينا الأديبُ الدّكتور نبيه القاسم وزَوجَتُه فَزادَتِ السَّهرَةُ دِفْئَاً ، والحَديثُ طُلاوَةً . أخَذَتْنا أحداثُ السَّاعَةِ فَجَرَّعَتْنا مَرارَةً غَمَرَتْ كُلَّ حُلْوٍ في نُفوسِنا .. وأرْجَحَتْنا أُرْجوحَةُ الأَدَبِ يَميناً ثُمَّ شِمالاً وحَطَّتْنا على بَيدَرٍ زُؤَانُهُ كَثيرٌ وقَمْحُهُ قَليل .. ولم يَبْقَ لَنا من شَفيعٍ يُخْرِجُنا من حديثِ السّاعَةِ ، وحديثِ الأَدَبِ والأُدَباءِ سِوى حَديثٍ عن ذِكْرى جَميلَةٍ ، أو طُرْفَةٍ هُنا أو نُكْتَةٍ بَريئَةٍ هُناك . نَظَرَ سميح الى بروفِسور جمال نَظْرَةَ تِلْميذٍ يطلُبُ إذنَاً من أستاذِهِ .. ثُمَّ أَخرَجَ سيجارَةً ، وهي المَمْنوعَةُ عَنْهُ مَنْعَاً لا تَساهُلَ فيهِ .. ولكنَّ سميحَاً إذا صادَقَ أخلَصَ ، فَهَلْ مِنَ السَّهلِ عليهِ أنْ يَتَنازَلَ عن هذهِ الصَّديقّةِ الوَفيَّةِ وَفاءَ الوَرَقَةِ والقَلَمِ له ! تَبَسَّمَ البروفِسور كَأَنَّهُ يقولُ لا بأْسَ ، فهَشَّ سَميحٌ لِصَديقَتِهِ كَما يَهَشُّ طِفلٌ لِبِذْلَةِ العيد .. كُنْتُ أَنظُرُ الى سميح فلا أَرى أَيَّ دَلالَةٍ تُشيرُ الى مَرَضٍ خَبيثٍ احتَلَّ كَبِدَهُ وَبَدَأَ يَنْتَشِرُ في جَسَدِهِ الرَّقيقِ النَّاحلِ كَانْتِشارِ العُثَّةِ في ثوبِ حَرير ، فابْتِسامَتُهُ هيَ هيَ ، وَوَسامَتُهُ هيَ هيَ وَصَوتُهُ الإذاعيُّ هُوَ هُوَ ، فَارْتَحْتُ .. ارتَحْتُ لِهاجِسٍ يقولُ : انتَصَرَ سَميح !! انتَصَرَ ، كَعادَتِهِ ، في مَعارِ كِهِ صَّغيرَةً كانتْ أَو كَبيرة . شَرِبْنا القَهوةَ مَعاً ونَحْنُ مُتَأَكِّدون أنَّهُ لَنْ يكونَ فِنْجانَ القَهْوةِ الأَخير .. وقُلْنا وَداعَاً ونَحْنُ على قَناعَةٍ أَّنَّهُ لَنْ يكونَ الوَداعَ الأخير .. قَبْلَها قامَ سَميحٌ وأَعطى كُلَّ واحِدٍ مِنَّا سُبْحَةً ، سَلَّمَها لِزَوجاتِنا لُطْفَاً واحتِرامَاً .. فَالسُّبْحَةُ عندَ سميح رَمزُ الصَّفاءِ وعُنْوانُ الأُخُوَّةِ العَرَبِيَّةِ الصَّادِقة . كَبيرٌ أنْتَ يا سَميح ! كَبيرٌ أنْتَ يا أَخي ! لا تُصَدِّقْ نَعْيَ النُّعاةِ الَّذينَ نَعَوكَ .. إنّي أراكَ على سَفْحِ حيدَر ، جَبَلِكَ الأَشَمِّ الحَبيبِ تَتَناوَبانِ الحِراسةَ على قَرْيَةٍ اسْمُها رامَة .. تَتَناوَبانِ الحِراسَةَ على وَطَنٍ اسْمُهُ فِلَسْطين .
( البُقَيعة/الجليل 1/9/2014 )
#حسين_مهنا (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
لعنة الوأد
-
لا تنسوا الصّراع الطّبقي
-
حوار (ملف الأول من أيار)
-
قصيدة وردة على جرح حواء
-
قصيدة تبسّم
-
قصيدة كلهم هولاكو
-
ليستْ ثَرْثَرَة....
-
يا قُدْسُ رِفْقَاً ..!
-
يا قُدْسُ رِفْقَاً ..!
-
نامي ثَوْرَةً بِدَمِي ..
-
أيُزْعِجُكَ النَّبْشُ في الذّاكِرَة.....!؟
-
رأي شخصيّ غير ملزم لأحد
-
في رثاء القائد الوطني الشيوعي نمر مرقص
-
قَدْ يَبْدُو المَشْهَدُ عَادِيَّاً...!
-
أما زالَ يُخْجِلُكَ المَدْحُ.....!؟
-
أشربُ حُزني عَلَلاً..!
-
ابو عادل..
-
السّابعةُ والسِّتون
-
هذا النَّشيدُ كَتَبْتُهُ بِوريدي
-
أم كلثوم..
المزيد.....
-
إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر
...
-
مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز
...
-
الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
-
اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
-
نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم
...
-
هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية
...
-
بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن
...
-
العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
-
-من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
-
فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
المزيد.....
-
صغار لكن..
/ سليمان جبران
-
لا ميّةُ العراق
/ نزار ماضي
-
تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي
/ لمى محمد
-
علي السوري -الحب بالأزرق-
/ لمى محمد
-
صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ
...
/ عبد الحسين شعبان
-
غابة ـ قصص قصيرة جدا
/ حسين جداونه
-
اسبوع الآلام "عشر روايات قصار
/ محمود شاهين
-
أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي
/ بدري حسون فريد
-
أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية
/ علي ماجد شبو
المزيد.....
|