بلال سمير الصدّر
الحوار المتمدن-العدد: 4680 - 2015 / 1 / 2 - 01:18
المحور:
الادب والفن
Peeping Tom1960-للمخرج Micheal Powell :
Scopophilia
يفتتح هذا الفيلم الشهير على مشهد لعين...تفتح ثم تحدق باستغراب
كاميرا تصور...النظر واستغراق النظر وكل هذا له علاقة بالعين
هذا الرجل الشاب يلاحق هذه المرأة التي سيتبين لاحقا بانها عاهرة...هو يحمل كاميرا فعليا،فالعين تصور وتسجل ومثلها الكاميرا ايضا،وهذا الخليط بين العين والكاميرا مقصود وله تبعياته الكثيرة،وأول مقصوداته هو جريمة القتل التي ستقع على العاهرة التي تحدثنا عنها في الأعلى.
Peeping Tom هي عقدة،أو مسمى لعقدة اصولها أدبية،مثلها كمثل العقد الشهيرة أوديب أو اليكترا،اطلقت عندما نظر ذلك الرجل الاسطوري نظرة محرمة لليدي (Godiva) اثناء ركوبها الخيل،وpowell صديق هيتشكوك المقرب يعمل على اضفاء معطياته الخاصة لهذه العقدة غير محدد أبدا باصل ادبي أو حتى نظرية نفسية،من خلال شخصية مارك لويس الأشقر الذي لازال يبلغ من العمر واحد وعشرين عاما،ويعمل كمصور في استوديو لصناعة الأفلام وكعمل اضافي في استوديو لتصوير وصناعة الصور الاباحية...
لنضع النقاط على الحروف:
هو مصور يعمل في تصوير العارضات،والنظر له علاقة بالجنس،اي بالصورة الجنسية وبالتالي المرأة،لأن المرأة هي الرمز الجنسي الأول،وهو لايملك صديقة،فالمتأمل مبدأيا للفيلم سيشعر ان جنون مارك لويس ناشيء من كبت جنسي،ولكن هذا شيء خاطئ،بل خاطئ جدا وبويل لايضع مجالا للشك في ذلك...
مارك لويس ليس سوى حالة نموذجية مشرحة خصيصا لتغطية موضوع النظر،وان كان النظر أو اختلاس النظر له حالات مرضية متعددة،ولكن هنا الحالة تغطي حالة غريبة لموضوع النظر بعيدة كل البعد عن الجنس،حتى ان كانت توحي أو تخدع المشاهد بذلك،على ان الجنس يبقى أحد ركائز علم النفس الحديث وله علاقة بكل العقد النفسية الكبرى وهو اساس للتفسير والتأويل...
هناك حفل عيد ميلاد في الطابق السفلي وهو يسترق النظر وكأنه في نوبة غير محسوسة،فماذا لو عرفنا أن مارك لويس يعاني من الانعزال والوحدة،وعلى الرغم من عمله فهو قليل الحيلة في التعامل مع المرأة...؟!!
هيتشكوك واتباعه يصوغون بمنطقية شديدة حالة شخصياتهم من المرضى النفسيين،ويصوغون المسببات ويهيأون الظروف،فهم يتعاملون مع الأزمة الوجودية النفسية للأنسان،وهذا يجعل تحليلهم أكثر هدوءا ومنطوي على كثير من وجهات النظر،من مخرجين أخرين عرفناهم مثل أنتونيوني وبيرغمان...
مارك لويس يحدق بالشاشة وكأنه يشاهد فيلما عن جريمة قتل،فالكاميرا مسترقة للنظر هي الأخرى ولكنها أداة جامدة مثلها كمثل عارض الأفلام،ولكننا نعرف اشياءا أكثر عندما تدخل هيلين الجارة الشابة المعجبة به الى حياته،كمؤثر خارجي وهو عبارة عن أداة لإيضاح الأمور أكثر وأكثر.
وهم الآن في خضم اقتحام لحياة مارك لويس...
فيلم غريب عن الطفولة...تعلق هيلين قائلة:ما هذه الأشياء التي يصورها والدك؟!
طفل هو مارك يتلصص على مشهد غرام في حديقة عامة...
هذا الطفل مستلقي على السرير ولاحقا تداهمه سحلية من نوع مخيف...
وداع والدته وجنازتها ومن ثم خلفياتها...هو يريد ان يصور ردة فعل هيلين اثناء المشاهدة ولكنها ترفض؟
الجملة الأخيرة هي موضوع الفيلم برمته،وباقي العوامل وحتى الجنسية منها هي عوامل مساعدة لتبلور الشخصية،فالمخرج يضع شخصيته المريضة في ظروف محكمة الهدف منها ايضاح العقدة ليس الا،وقلنا سابقا أن هيتشكوك واتباعه يحاولون ان يصيغو عقد شخصياتهم ضمن ظروف محكمة مقصودة للحصول على منطقية لتبرير المرض النفسي،وبالتالي يصح ان نقول عن مارك لويس بأنه نموذج تعليمي لحالة نفسية غريبة وشاذة في نفس الوقت..
إذا،إذا كان والده قد تزوج بعد ستة اسابيع من وفاة والده،وتأمل لويس في معنى كلمة(سلام) ليست سوى عوامل مساعدة ساهمت وساعدت الى درجة كبيرة في الوصول الى علة لويس النفسية،ألا وهي التحديق،والسبب الأول يكمن في الماضي أيضا...
والده عالم أحياء(بيولوجي) أهداه كاميرا قبل ذهابه الى شهر العسل،والكاميرا كما قلنا هي معادل لأختلاس النظر،وهي ايضا وفي نفس الوقت شيء مرعب من الماضي وحتى في الحاضر،وعندما نلاحظ في لقطة أن لويس يشاهد اللقطة وعينيه تبرز من خلال قرص الشريط السينمائي،فهذا اشارة الى التوحد بين العين والكاميرا،وهذا مقصوده شيء آخر...عندما يقول لويس:
أنا لم اعرف لحظة خاصة في طفولتي...
فالتلصص إذا كان في فترة معينة من قبل الآخرين عليه(والده)،فتوم المحدق يعامل الآخرين بنفس الطريقة التي كان يعامل بها سرا،فهو يتلصص في نوبات غير محسوسة(لاارادية) تشبه التركيز والاستغراق في حالة واحدة على اسرار النساء،ويحاول اقتحام حياة الآخرين من خلال التلصص،ولكن اذا كانت اسرار النساء مكشوفة ومباحة له فما هي هذه الحالة بالضبط....؟
نلاحظ ان لويس يستخدم التوثيق من خلال الكاميرا كرد فعل لما كان يحصل معه في طفولته وهو تفسير مبدأي لأحد جزئيات الحالة غير المفهومة...التلصص لأهداف غير جنسية؟!
ولكن هناك شيء مهم آخر...هناك قصة السحلية واللمعان في العيون...؟!
يقول مارك لويس:كان والدي مهتما بالنظام العصبي الخاص بالخوف...؟!
هناك عدة نسخ أو عدة أجزاء من كتاب يدع ب(الخوف والنظام العصبي)...يتابع مارك:
خصوصا الخوف في الأطفال وكيف تكون ردة أفعالهم اتجاه هذا الخوف واعتقد بانه تعلم الكثير من خلالي...كنت استيقظ أحيانا وأنا اصرخ بينما يكون هو هناك يكتب ملاحظاته ويلتقط صورا(مارك حقل تجريبي)،وبويل يهيأ الظروف التامة لبلورة هذه الحالة النفسية...المخرج كان صديقا ولفترة طويلة لألفرد هيتشكوك.
موضوع الفيلم اثار جدلا واسعا جعل من استقبال النقاد الحاد له ينهي مسيرة(Micheal Powell) كمخرج في بريطانيا،ولكن وبعد عقد من السنين اصبح الفيلم يعتبر كتحفة فنية ويرغب الجميع بمشاهدته،ومن الجدير بالذكر ان الفيلم اطلق في نفس العام الذي اطلق فيه هيتشكوك فيلمه الشهير
(psyco) وكلا الفيلمين لهما علاقة بالتحديق وبالعلة النفسية (Scopophilia) ومعناها الحرفي:
(حب المشاهدة-Love of Watching)
تقول المرأة العمياء في الفيلم(أم هيلين):الشفقة لايمكن أبدا أن تلتقط بالصور
إذا كانت (Peeping Tom) عند لويس مرتبطة بأثر أو رمز جنسي،فتوم من خلال عمله في تصوير فتيات نصف عاريات لايرضي الرغبة الجنسية المرتبطة بالتحديق لأن التحديق شامل ومباح هنا،كما أن النظر الى الأفلام الاباحية وهي ثقافة عمل على توسيعها الانترنت لتصبح تقريبا ثقافة عامة،غير مرتبطة أبدا بحالته الطبيعية لأن حالته تعتبر أعقد بكثير.
يقول مارك لويس لهيلين:أنت ستكونين بأمان حين لا أراك مرتعبة
المقصود الواضح في القتل ان مارك لويس قتل تلك النسوة من اجل فقط تصوير الرعب أثناء حالة القتل،فهو في وجهة نظره أن رعب المرأة حالة لا يمكن مقاومتها ويجب عليه تصويرها،وهي حالة لويس المرضية،وبالتالي المرأة هنا ليست رمزا جنسيا أبدا لحالة التلصص بل معادل للطفولة التي اراد والده تحليلها ذات مرة،أو حالة أخرى من حالات الرعب التي أراد لويس من خلالها اكمال نظريات والده فالتحديق المدعو (Peeping Tom) ناشيء أصلا من الرغبة في مداهمة حالة الرعب التي تمر بها المرأة،وليس من هناك من رعب اكبر من مواجهة الموت...هو يجعل المرأة الضحية ترى لحظات اقتراب موتها من خلال مرآة يعلقها على الكاميرا التي يصور بها.
مارك لويس لازال يناقش ذلك الخطاب الأبوي التي تظهر كلماته مع اللحظات الأخيرة للفيلم:
لا تكن طفلا سخيفا...لايوجد هناك أي شيء لتخاف منه
هناك حالة أخرى لا بد أن نلفت النظر اليها،وهي حالة المتلقي كمشاهد سينمائي،فالمشاهدين للسينما مشتركون في هذه الخطيئة،فهم يستمتعون بمشاهدة الحياة السرية للآخرين خاصة ان كانت الشخصية الفيلمية شخصية متلصص..
على كثرة المقالات التي اثيرت عن هذه الحالة،حالة المتلقي والصورة،فالكلام لابد له من اعادة صياغة،فالمشاهد متلصص ولكنه يمارس هذا التلصص من خلال رغبة الآخر(المتلصص عليه) بالنظر اليه واقتحام حياته واسراره،وفي النهاية أو المحصلة تكون السينما عبارة عن فن التلصص المباح...
بلال سمير الصدّر 20/9/2014
#بلال_سمير_الصدّر (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟