الملاك المبيد 1962 (لويس بونويل):مسار غامض

بلال سمير الصدّر

الحوار المتمدن-العدد: 4669 - 2014 / 12 / 22 - 22:30
المحور: الادب والفن
    

هو ايضا من اهم الأفلام التي حققها بونويل مع سابقه فيرديانا،حيث اعلن بونويل بعده رغبته في التقاعد المبكر،وسيظل هذا الموضوع لسان حاله حتى توافيه المنية محققا اهم افلامه واعظمها بين عمر الستين والسابعة والسبعين.
الانتقاد هنا مبطن يحتمل التفسير والترجمة،ويحتمل ايضا وجهات النظر،فبونويل يظهر هنا على انه فرديا منتقدا صارما معاديا للفاشية والتقاليد الدينية والبرجوازية معا في آن واحد وفي بوتقة واحدة اسمها الملاك المبيد،كما انه يعود فيه كالعادة الى شكل فني كان السبب ذات مرة في تحقيق له شهرة ما بعدها شهرة،تحديدا في اندية باريس الفنية عندما صنع ذات مرة بما يدعى بالكلب الأندلسي 1928،الذي ظل حتى هذه اللحظة أشهر صورة فيلمية حققت على مدار التاريخ السينمائي كاملا.
اذا(Silvia Pinal) التي اعطاها بونويل دور البطولة في فيلم فيرديانا تعود لمشاركته البطولة،على ان لفظ البطولة لايعتبر دقيقا لأن الفيلم لايسمح ولايمكن النظر اليه على انه فيلم فردي يعتمد على بطولة مركزية،بل هو فيلم عن حدث مركزي يشمل جميع ممثلين الفيلم.
مع المشهد الأول للكنيسة،يبدأ بونويل فيلمه من خلال التحضير لحفلة عشاء فخمة في احد القصور،ونفضل ان ندعوه ومن دون تحفظ وارضاءا لبونويل نفسه(حفلة عشاء برجوازية)،وليس من الغريب ان يركز بونويل على مظاهر الغنى الفاحش (الكافيار) والأواني الثمينة الخاصة.
فالكاريا-الممثلة المذكورة-لازالت محتفظة بذلك الشيء المدعو بالعذرية،وهو شيء تدعوه تلك الطبقة بالفساد...ولكن الفيلم ابدا ليس عن مظاهر الفساد في طبقة برجوازية.
لو كان فيلم بونويل هذا عن مظاهر فساد لطبقة برجوازية لكان فيلما مكررا،ذو موضوع ناقص ختى لو اضفى عليه بونويل لمسته الفنية...الفيلم هو عن مصيبة قادمة،والمصيبة عبارة عن حدث درامي خفي داخلي أكثر منه خارجي حتى لو كان مرتبط بحدث خارجي واضح.
إذا وبعد التركيز على هذه المظاهر غير الأخلاقية يبدأ الفيلم بالانغلاق على نفسه...غرف مغلقة قريية من بيرغمان وأزماته النفسية من برتولتشي وعوالمه المتأزمة في التانغو الأخير في باريس
إذا بشرى الأزمة،وكأنها العلامات التي تسبق الزلازل أو البراكين هي مغادرة الخدم وعدم رغبتهم في البقاء حتى لو أدى هذا التصرف الى طردهم...لنعود الى فالكيريا قليلا:
فالكيريا شخصية صامتة،غاضبة في اعماقها وتعبر عن غضبها هذا بتكسير أحد النوافذ،وهنا بونويل يسلط الضوء على شيء اكبر من الفساد المحيط بهذه الطبقة،وان كان حتى الآن يستكمل الانتقاد الاجتماعي الطبقي،ولكنه سيسلط الضوء لاحقا على الفكر الديني.
الفيلم ليس بحاجة الى تشريح شخصي للشخصيات كلا على حدة،بل هو عبارة عن حدث مركزي عام سيستغرق تقريبا زمن الفيلم كله.
فالكيريا شخصية ملفتة للنظر بالرغم من كل شيء من بين كل شخصيات هذا الاحتفال،والفكرة لازالت بسيطة،وبونويل لازال يعبر عن مايريد قوله بوضوح ،على ان للأشكالية القادمة دور كبير...تقول احدى الشخصيات:
أنا أعتقد أن الاشخاص من الطبقات المتدنية أقل حساسية للألم.........
الشيء الملغز أن هذه الشخصيات لاتستطيع المغادرة وكانهم في سجن لاارادي،على ان بونويل قال ذات مرة أن ليس لهذا الشيء أي تفسير،فنحن نقول أن هذا الشيء هو مؤثر خارجي اساسه الحالة النفسية الداخلية،أي بشكل أو بشكل آخر هو اللاوعي،والحالة النفسية المذكورة هي التي اعدت هذه الشخصيات للوقوع في شيء من الممكن ان يدعى ايضا بالهستيريا الجماعية،والشيء الواضح أن بونويل تعمد أن يضع شخصياته في حالة عامة نخبر عن أسوأ التفاعلات الانسانية...شيء ما يخبر عن تكوين بشري...عن طبيعة بشرية استغرق بونويل مطولا متشائما في الحديث عنها في فيرديانا،ومن هنا يمكن القول أن حبكة بونويل قادته الى شيء اعمق ربما هو لم يكن يقصد أن يقوله أو حتى الوصول اليه...
إذا احدهم يموت،وخطيبان غارقان في قصة حب يقتلان أنفسهما لاحقا...
يتطور الموضوع الجسدي الى شيء يدعى بالمحافظة على البقاء،فهم يحفرون الحائط للوصول الى انبوب يبث لهم المياه ولاحقا يطهون خاروفا على وقود الأثاث المتكسر...
اذا انهيارات عصبية...جوع....هذيان...مرض...رعب...أحلام سوريالية في هذيان عن يد رجل ميت تتحرك لوحدها
فجأة تستعيد فالكيريا اللحظة...تطلق العنان وتحول مسار الأمور لتستطيع ان تدلهم على مسار الخروج،وبونويل وكأنه يريد أن يقول بأنه يرفض اليد التي تحركنا كاحجار الشطرنج ومن الممكن أن تقود الى اشياء غير مفهومة...هم قادرين على التغيير...على تغيير هذا المسار الغامض.
في اللقطة الأخيرة من الفيلم هناك جنود يقتلون الشعب وهذا اشارة الى الثورة،بينما البرجوازيين المذكورين على حالهم ينشدون ويصلون...
القصة كاملة يمكن النظر اليها على انها استعارة رمزية عن بونويل:
السوريالي المعادي للكنيسة والأفكار التقليدية...عن بونويل المعادي للفاشية والبرجوازية...عن بونويل الفرد الذي لم يحقق أفلاما سوى للتعبير عن افكار وانتماءات فردية خاصة جدا ولكنها في نفس الوقت تمس الواقع الاجتماعي احيانا بشكل محسوس لايمكن التغاضي عنه وتمس ايضا الموضوع الجمالي للشكل الفني.
بلال سمير الصدّر 4/9/2014

#بلال_سمير_الصدّر (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات